سليم عسَّاف هو آخر الملحنين المنضمّين إلى عالم الغناء. اللعنة المعروفة التي تصيب كل الملحنين بلا استثناء، وهي حب الغناء، وصلت الى سليم عسّاف الذي بدأت شهرته بالتوسع منذ سنتين بعد مجموعة من الأغاني والألحان الناجحة التي قدمها، فسجل أغنية جديدة بعنوان «صرتي إلي»، وهي أغنية أعراس تبدأ رومانسية هادئة ثم تذهب الى الإيقاعات الراقصة... وقد وضعها خصِّيصاً لحفل زفافه. إنها «اللعنة» الجدية التي لم يسلم منها أحد من الملحنين، حتى أولئك الذين لم تكن أصواتهم تساعدهم أو تخدمهم أو حتى مقبولة للغناء، إلاّ قلة قليلة جداً من الملحنين الذين اقتنعوا بأن مواهبهم في التلحين تكفيهم وليسوا بحاجة الى تشنيف آذان الناس بأصواتهم سواء الرّديئة التي يتم التحايل لتأتي معقولة، أو المعقولة التي لا تُقنع أصحابها الملحنين المدركين ماذا يفعلون أو ماذا عليهم أن يفعلوا.. في التلحين فقط. ولعلّ غالبية الملحنين، عندما يريدون أن ينتسبوا الى الغناء، يفعلون ذلك مواربةّ. إمّا بالغناء في بعض الحفلات الخاصة أو في بعض التسجيلات والمناسبات التي يعتبرونها غير جدية أولاً، ثم شيئاً فشيئاً يجاهرون بأنهم يريدون الغناء، ويتحولون إلى مُغنّين. وحتى لا نذهب الى الماضي البعيد لاستحضار الشواهد... وهي كثيرة، نكتفي بالاستشهاد بما لدى الجيل الجديد منها. فمروان خوري بدأ عازفاً في فرق موسيقية لصباح وملحم بركات قبل أن يلحن. ثم قبل أن ينتقل الى الغناء في أغنية «كاسك حبيبي» المشتركة مع باسمة أولاً، وبعدها في أعماله الخاصة. ونقولا سعادة نخلة بدأ مُلحِّناً قبل أن ينتقل الى إدارة شؤون المغنية كارول سماحة ثم قبل أن ينتقل الى الغناء هو أيضاً. والملحن سليم سلامة لم ينتقل الى الغناء جدياً، إلاّ أنه شارك المغنية دينا حايك أداءً أغنية قبل ثلاث سنوات، ويتردد أنه في صدد تسجيل أغنية خاصة به، وكذلك فعل زياد بطرس وها هو سليم عساف ينضم الى قافلة المُلحنين الشباب المغنّين. من جيل الثمانينات والتسعينات في لبنان ومصر، كان الملحن إحسان المنذر يسجل أحياناً أو يؤدي دوراً غنائياً في بعض النوادي التي يعزف فيها على البيانو، وكذلك كان الملحن صلاح الشرنوبي يحاول إظهار نفسه مُغنياً في بعض المناسبات أو المقابلات، كذلك الملحن فيصل المصري، وقبلهم بليغ حمدي كان يسعى إلى إضافة نكهة المغني على شخصيته، كذلك محمد الموجي وفيلمون وهبي ورفيق حبيقة، والأسماء كثيرة جداً، وكلها تدلّ على أن الملحن يعاني لعنة الغناء ويلاحقها حتى يقع في حبائلها. وإذا حاولنا إحصاء عدد من نجوم الغناء المعروفين والكبار في العالم من الماضي الى الحاضر، فإننا نكتشف أن بعضهم المبدع، كان ملحناً من محمد عبدالوهاب الى وديع الصافي الى فريد الأطرش الى محمد فوزي الى إيلي شويري الى ملحم بركات الى آخرين كُثر وأيضاً كانت ألحانهم تسعفهم في تكوين صورة فنية متكاملة لأنفسهم في الحياة الفنية العربية. سليم عسّاف يأتي الآن الى الغناء، سيقول طبعاً إنها محاولة لا أكثر من أجل أن يخفف عنه نقد النقاد والفنّانين والجمهور معاً. لكن من يفعلها مرة يحضّر ليفعلها مرة أخرى. قبله قال مروان خوري ذلك، بعده قال نقولا سعادة نخلة ذلك، والجميع أكملوا في اتجاه الغناء، لكن هل يسأل سليم عساف نفسه الآتي: ما هي مواصفات صوته كمُغنٍّ؟ مساحته؟ طاقته؟ وما هي الحدود التي يمكن أن يصلها كمُغنّ مع الجمهور؟ وكيف سينعكس «احترافه» الغناء على مهنته كملحن. وهل يمكن أن «يأكل» انصرافه الى الغناء من موهبته كملحن مضطرّ أن يلحن وفق إمكانات صوته المحدودة؟ سيكون جواب عساف أنها محاولة فقط. لن نصدِّق.