تجددت في الساعات الأخيرة المحاولات الرامية الى إيجاد مخارج للعقد التي ما زالت تؤخر ولادة الحكومة اللبنانية العتيدة بدءاً بوزارة الداخلية، في ضوء الاستعداد الذي أبداه رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لتسهيل مهمة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على قاعدة عدم تجاوز دوره أو الالتفاف على الصلاحيات المناطة به في الدستور. وعلمت «الحياة» من مصادر سياسية مواكبة لتفعيل المشاورات بدءاً من أول من أمس، أن الرئيسين سليمان وميقاتي توافقا على ضرورة التسريع في تأليف الحكومة، وأن الأول مستعد لتقديم كل التسهيلات الممكنة بما فيها البحث في مخرج لوزارة الداخلية من شأنه أن يخرجها من دائرة التجاذب والتحدي وبالتالي وضع حد لتقديم الموقف منها وكأنه صراع بين «جنرالين»، أي رئيس الجمهورية ورئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. وذكرت المصادر نفسها أن سليمان مستعد للدخول في تسوية، ولذلك أطلق اشارة ايجابية في هذا الخصوص يمكن التأسيس عليها لإقناع عون بالتخلي عن المطالبة بها للنائب السابق في «التيار الوطني الحر» سليم عون. ولفتت الى إن سليمان أوحى بموقفه من الداخلية بأنه لن يسمح بأن يكون المعرقل لولادة الحكومة وأنه مستعد للبحث عن بديل من وزيرها الحالي زياد بارود. وأكدت المصادر أن رئيس الجمهورية بموقفه هذا فتح نصف الباب، أمام البحث عن مخرج، على أن يبادره عون بموقف مماثل يملي التخلي عن الداخلية لأحد المسؤولين في «التيار الوطني»، مشيرة الى ان المخرج «يقتضي الحفاظ على ماء الوجه لرئيس الجمهورية، وهذا يستدعي أن يترك له وضع لائحة بأسماء ثلاثة مرشحين للداخلية على أن يترك لرئيس الحكومة وعون والأطراف الرئيسة التوافق على اسم من المرشحين الواردة أسماؤهم في اللائحة الرئاسية». وكشفت المصادر أن ميقاتي اتصل هاتفياً ليل أول من أمس برئيس المجلس النيابي نبيه بري ووضعه في أجواء الموقف المسهّل لسليمان، وقالت إن بري أبدى ارتياحه لهذه المبادرة متمنياً أن توظف في إزالة العقبات التي تؤخر تأليف الحكومة. وأكدت المصادر المواكبة للمشاورات ان بري بدا مرتاحاً لموقف سليمان ومبادرته لمعاودة تحريك جهود الإسراع في ولادة الحكومة، بخلاف ما كان عليه قبل أن يتلقى الاتصال من ميقاتي. وأوضحت المصادر أن إنجاز النصف الآخر من فتحة الباب يتوقف على رد فعل عون الذي لم يعط جواباً نهائياً لكنه أوحى بأن لديه استعداداً للنظر في مبادرة رئيس الجمهورية. وهذا ما دفع بالمعاونين السياسيين لرئيس المجلس النائب في حركة «أمل» علي حسن خليل وللأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل، الى استئناف تحركهما باتجاه عون ممثلاً بوزير الطاقة جبران باسيل، اضافة الى اجتماعهما أمس برئيس الجمهورية. وأكدت المصادر نفسها ان هناك صيغاً عدة ما زالت مطروحة للتوافق على مخرج للداخلية، من أبرزها ترك الحرية لسليمان في إعداد لائحة من ثلاثة مرشحين في مقابل إصرار عون حتى إشعار آخر على إعداد اللائحة بنفسه. واستبعدت المصادر أن يصار الى تسويق اقتراح عون باعتباره يكون قد نجح في خوض التحدي في وجه سليمان بإبعاد بارود عن الداخلية من جهة وفي فرض مرشحه من غير «التيار الوطني» من جهة ثانية، وبذلك يكون رئيس الجمهورية الخاسر الوحيد في هذه القضية. ورأت أن الحفاظ على ماء الوجه لسليمان يفرض أولاً الأخذ بوجهة نظره وهذا ما يضع «الخليلين» أمام مهمة جديدة في مفاوضاتهما مع عون، في ظل وجود خشية من أن يعود الأخير «كما جرت العادة» الى تغيير موقفه ما يرجع بالأمور الى المربع الأول الذي يضع الجهود لتأليف الحكومة أمام اختبار يراد منه تقطيع الوقت إلا إذا قررت دمشق الدخول على خط المفاوضات من خلال «حزب الله» لما له من موقع مميز لدى عون يستطيع أن يوظفه في تعديل موقفه لتسريع إنجاز التركيبة الوزارية. لذلك باشر «الخليلان» جولة جديدة من المفاوضات الماراثونية مع عون بمواكبة مباشرة من بري والسيد حسن نصرالله. ويشار الى ان رئيس «تكتل التغيير» عدل في اللحظة الأخيرة عن إجراء مقابلة كانت تعد لها محطة «أورانج تي في» معه ليل أول من أمس. واعتبرت المصادر ان عون أراد بعدوله عن اجراء المقابلة التلفزيونية، ان يعطي فرصة جديدة لوساطة «الخليلين» لكن النتائج النهائية تتوقف على مدى استعداده لمبادرة سليمان بموقف إيجابي. وأشارت أيضاً الى ان المفاوضات لا تقتصر على إيجاد مخرج للداخلية انما تجاوزتها للبحث في توزيع الحقائب على قاعدة حسم الاختلاف الدائر حول تسمية مرشح المعارضة السنية في الحكومة انطلاقاً من ترك الحرية للرئيس عمر كرامي في اختيار الوزير كبديل عن ترشيح نجله فيصل كرامي ليس لأن ميقاتي يعارض ترشيحه انما لاعتراض حليفه النائب أحمد كرامي على اسمه. والأخير لم يستجب للجهود الرامية الى مصالحته وابن عمه الرئيس كرامي، فيما يؤمل ان تتوّج الجهود بسحب «الفيتو» الذي يرفعه أحمد على فيصل. وفي شأن توزيع الحقائب، قالت المصادر ان البحث ما زال في أول الطريق لإقناع عون بالتخلي عن واحدة من حقيبتي الطاقة والاتصالات «لأن من غير الجائز أن تكونا في عهدة فريق واحد»، على رغم ان هناك صعوبة في إقناعه بذلك وذريعته هي انه بدلاً من أن تعطى له الداخلية هناك من يسعى الى انتزاع حقيبة كانت من حصته في الحكومة المستقيلة.