قبل عام، أثار الوضع الصحي للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك جدلاً شديداً على الساحة السياسية، لم يكن أقل حدة من الجدل المثار حالياً في شأن الموضوع ذاته، لكن مع اختلاف القضايا المرتبطة به. فعندما مكث مبارك أسابيع في مستشفى هايدلبرغ في ألمانيا بعد أن خضع لجراحة لاستئصال المرارة، وفق ما أعلن حينها، تصاعد حديث خلافته وضبابية المستقبل السياسي للبلاد في ظل جمود الحكم لسنوات طويلة، ودورانه في فلك الرئيس وحده ونجله جمال من بعده، حتى أن مرض الرئيس بات خبراً من شأنه إحداث انهيار للبورصة كما حدث العام الماضي. وغالباً ما ظل الوضع الصحي لمبارك سراً من أسرار الدولة يتهامس به المصريون وتتحدث عنه تقارير صحافية غير موثوقة، حتى الإعلانات والبيانات الرسمية شكك فيها كثيرون ووصفوها بأنها «مفبركة». وبعد تنحي مبارك، أثار وضعه الصحي جدلاً جديداً، لكن هذه المرة لجهة إمكانية نقله إلى مستشفى سجن مزرعة طرة بعد خضوعه لتحقيقات في اتهامات تتعلق بإصدار الأوامر بقتل المتظاهرين والفساد، أجريت معه في مستشفى شرم الشيخ، ومطالبات من الثوار بمعاملته كأي من أركان حكمه ونقله إلى السجن. وكان النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أمر بنقل مبارك إلى مستشفى السجن وأبلغ وزير الداخلية اللواء منصور العيسوي بهذا القرار كتابة، غير أن كبير الأطباء الشرعيين السباعي أحمد السباعي أفاد في تقرير للنائب العام بأن مستشفى السجن لا يزال قيد الإنشاء وأنه «يحتاج إلى مدة زمنية تصل إلى أكثر من شهر لتجربة أجهزته، خصوصاً غرفة الرعاية المركزة». وخلص في تقريره إلى أن الوضع الصحي لمبارك «مستقر بالعلاج الدوائي ولا يوجد ما يمنع من نقله إلى مستشفى السجن شرط تجهيزه، لأنه معرض للإصابة بالارتجاف الأذيني الذي قد يعاني منه في أي لحظة، وهو ما قد يودي بحياته نتيجة توقف القلب المفاجئ، الأمر الذي يحتم وجوده تحت العلاج في الرعاية المركزة سواء في مستشفى السجن بعد استكمال تجهيزه أو خارجه». وخاطب النائب العام وزير الداخلية طالباً منه نقل مبارك إلى أحد المستشفيات العسكرية موقتاً لتنفيذ أمر الحبس الاحتياطي إلى حين استكمال التجهيزات الطبية المطلوبة في مستشفى السجن، فردّ وزير الداخلية بأن « التنسيق جارٍ في شأن نقل مبارك إلى أحد المستشفيات العسكرية التي تتوافر فيها الإمكانات الطبية والتأمينية اللازمة فور استقرار وضعه الصحي، في ضوء تعذر إتمام إجراءات نقله من الناحية الطبية والأمنية، خوفاً على حياته، وذلك لحين استقرار الحالة». وأوضح أن «تطورات الحالة الصحية والمتابعة المستمرة للرئيس السابق من الفريق الطبي المعالج أفادت بأنها تحتاج إلى ملاحظة مستمرة لا تتوافر إلا في مستشفى عالية الكفاءة». وكان مسؤول رجح نقل مبارك من مستشفى شرم الشيخ إلى المركز الطبي العالمى التابع للقوات المسلحة نظراً إلى عدم جاهزية مستشفى السجن وحالة الرئيس المخلوع التي تتطلب «تجهيزات معينة من سرير مجهز طبياً سهل الحركة من طريق الريموت كونترول، وشاشة لمتابعة الضغط والنبض والتنفس، وجهاز تنفس اصطناعي يعمل على شبكة أوكسجين مركزية على مدار 24 ساعة، إضافة إلى جهاز صدمات كهربائية، وهو ما لا يتوافر في مستشفى السجن». غير أن مصدراً قضائياً تحدثت إليه «الحياة» اعتبر أن نقل مبارك إلى مستشفى السجن من عدمه «ليس مربط الفرس»، كونه «أمراً شكلياً» لتنفيذ قرار النيابة العامة بحبسه احتياطياً وأن «الأمر الأهم في هذا الصدد هو مدى قدرة الرئيس السابق على الخضوع للتحقيق من أجل استيفاء القضية ووضعها أمام النائب العام لاتخاذ قرار في شأنها وتحويله على محاكمة أو غير ذلك». واعتبر نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور نبيل عبدالفتاح أن التركيز على الحديث عن الوضع الصحي لمبارك إحدى الاستراتيجيات المتبعة لمحاولة «إبعاده من التحقيقات المتعلقة بالإثراء والمسؤولية الجنائية والسياسية عن قتل عدد من المتظاهرين». وقال ل «الحياة»: «على رغم كل التقارير عن الحالة الصحية للرئيس السابق إلا أن أياً منها لم يوضح ما إذا كان يمكن أن تجرى التحقيقات معه أم لا... وهل التدهور في حالته فسيولوجي أم نفسي». ورأى أن «هناك محاولة للحيلولة دون إجراء تحقيقات معه لأن الاكتئاب لا يحول دون مواصلة التحقيق الجنائي»، مضيفاً أنها «محاولة لشغل المصريين والثوار عن متابعة الأهداف الحقيقية للثورة وتغيير أسس النظام».