بعد مفاوضات امتدت لأسابيع في إطار ما يعرف ب «الحوار الاجتماعي»، توصلت الحكومة المغربية والنقابات العمالية واتحاد رجال الأعمال (الفيديرالية العامة للمقاولات) أمس، إلى اتفاق يقضي بزيادة أجور العاملين في القطاعين العام والخاص، بهدف امتصاص الغضب الاجتماعي الذي رافق مطالب «جمعية 20 شباط» الداعية إلى تحسين الأوضاع الاجتماعية للفئات الفقيرة والمحدودة الدخل، وتقليص الفوارق والقضاء على الرشوة والفساد المالي. وأفاد بيان للوزارة الأولى أمس بأن الاتفاقات التي وقعها رئيس الوزراء عباس الفاسي مع النقابات، تدخل حيز التنفيذ مطلع الشهر المقبل، وتسمح بتعميم زيادة الأجور بواقع 600 درهم (نحو 75 دولاراً) شهرياً لموظفي القطاع العام البالغ عددهم 850 ألف شخص، وزيادة أجور عاملي القطاع الخاص 15 في المئة، إضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور إلى ألف درهم شهرياً على الأقل، وتسريع الترقيات الإدارية للموظفين بنسبة 30 في المئة هذه السنة و33 في المئة عام 2012، واعتماد خمس سنوات حداً أقصى للترقية وتسوية الملفات الاجتماعية العالقة وتعميم الخدمات الطبية. واعتبرت مصادر حكومية أن كلفة الاستجابة للمطالب الاجتماعية للمركزيات النقابية وتحسين مستوى معيشة العاملين وتعميم الإصلاحات في القطاعات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية وتأمين آلاف فرص العمل للشباب الخريجين، ستصل إلى 43 بليون درهم خلال سنتين. وكشف مصدر نقابي ل «الحياة» أن الأشهر المقبلة ستشهد جولة جديدة من المفاوضات لتنفيذ وعد حكومي بتقليص الضريبة على الدخل بمعدل نقطتين، من 38 في المئة إلى 36 في المئة، ورفع الحد الأدنى للأجور إلى ثلاثة آلاف درهم عام 2012. وأكد أن الوضع المالي الصعب للبلاد فرض تجزئة المطالب. وتواجه الموازنة ضغطاً بسبب الأوضاع السياسية والحراك الاجتماعي في عدد من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. وأفادت مصادر حكومية بأن مجموع النفقات الطارئة قد تصل إلى نحو 80 بليون درهم بعد ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية في السوق الدولية، مشيرة إلى أنها رفعت قبل شهرين موارد صندوق المقاصة بنحو بليوني دولار لتتجاوز أربعة بلايين دولار، بهدف الحد من ارتفاع الأسعار، بعد تجاوز سعر النفط سقف 120 دولاراً للبرميل، فيما بلغ 80 دولاراً في توقعات الموازنة الحالية. ووظفت الحكومة أربعة آلاف و300 شاب من حملة الشهادات العليا، ما أثار حفيظة زملائهم العاطلين من العمل والحاصلين على شهادات. ويبدو أن الحكومة تُفضل في الوقت الراهن صيغة الإنفاق لامتصاص غضب الشارع وتفادي المواجهة مع الشباب، بعد تنامي الشعارات الداعية إلى حل الحكومة والبرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. ويتوقع محللون أن يرتفع العجز المالي في الموازنة إلى أربعة في المئة من الناتج الإجمالي، أي العجز ذاته المسجل العام الماضي. وتراهن الرباط على تحسن الإنتاج الزراعي واستمرار نشاط القطاع السياحي. وتواصل الطلب على الصادرات خصوصاً الفوسفات، ما سيضمن للاقتصاد نمواً يتراوح بين 4.5 في المئة وخمسة من الناتج المحلي الإجمالي. وهي نسبة مقبولة لامتصاص نفقات المطالب الاجتماعية المختلفة. وكان الملك محمد السادس دعا الحكومة إلى الإسراع في تسوية أوضاع صغار المزارعين، وتخفيف عبء ديون الفلاحين المستحقة لصندوق القرض الزراعي، عبر إعادة جدولة الديون ومدّهم بقروض جديدة وإعفائهم من تكاليف الري والفوائد، بعد الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية.