إنها المرة الأولى التي يتسلق جبلاً عالياً. بعد مضي ست ساعات من الصعود الى القمة، شعر بأنه ليس على ما يرام، وأن هذا الشعور يزداد كلما صعد أكثر نحو الأعلى. ظن أن ما يحصل له مجرد تعب. استراح وزميله قليلاً، قبل أن يتابعا التسلق مجدداً. لم يكد يقطع مسافة 500 متر أخرى، حتى شعر بخفة في الرأس. وداهمه غثيان وتقيؤ. ظن أن ما يحصل له نوع من التسمم. بادر الى أقرب مركز طبي، وبعد أن فحصه الطبيب وعرف قصته قال له انه مصاب بداء المرتفعات، وطلب منه عدم مواصلة مشواره نحو الأعالي وإلا بئس المصير قد ينتظره. داء المرتفعات مرض يحدث نتيجة وجود الشخص في مناطق ينخفض فيها تركيز الأوكسيجين والضغط الجوي أيضاً، كما الحال في المرتفعات الشاهقة، وقد لوحظ ارتفاع عدد المصابين بهذا الداء في السنوات العشر الماضية، بسبب كثرة المترددين إلى المناطق الشاهقة، إما للتزلج، أو للتسلق، أو بهدف الإقامة فيها. ويتظاهر داء المرتفعات في أكثر من صورة منها: داء المرتفعات الحاد، وفيه يشكو المريض من سلسلة من العوارض غير النوعية أثناء وجوده على ارتفاع يزيد على 2000 متر فوق سطح البحر، ومن هذه العوارض: الصداع والأرق والغثيان وعدم الرغبة في الأكل، والتقيؤ والخمول وتبلد الذهن والدوخة والتعب السريع والإحساس بالوخز وضيق التنفس عند الجهد والنعاس والتورم في الوجه والأطراف، وقد يظهر الإسهال والنزف من الأنف. إن الصداع يعتبر علامة مهمة، وهو يظهر في 95 في المئة من الحالات، ويحدث غالباً عند التوقف بعد القيام بالجهد، وفي حال وجوده مع عارض واحد أو أكثر من العوارض المذكورة فيجب الشك بداء المرتفعات. داء المرتفعات المزمن، ويسمى أيضاً مرض مونج نسبة الى مكتشفه كارلوس مونج من البيرو الذي وصفه للمرة الأولى في عام 1928، وهو مرض نادر الحدوث، ينال من الذين يقطنون المرتفعات لفترات طويلة، خصوصاً الهنود في أميركا الجنوبية الذين يسكنون الجبال، وذلك على رغم تأقلمهم مع الأعالي، ويرجع سبب المرض إلى نقص تأكسج الدم. ويتظاهر هذا الداء بزيادة عدد الكريات الحمر واحمرار الوجه الشديد عند بذل مجهود، وضيق في التنفس، والضعف، والتعب، والأوجاع، وهبوط في القدرات العقلية والجسمانية. ويشفى هذا المرض عفوياً بمجرد النزول إلى المناطق المنخفضة. الوذمة الرئوية (تجمّع السوائل في النسيج الرئوي). وتحصل هذه بدءاً من ارتفاع 2000 متر، وتتظاهر بالعوارض الآتية: - صعوبة في التنفس. - ضيق في التنفس. - السعال والبصاق المدمى. - سرعة ضربات القلب. - سرعة حركات التنفس. - صعوبة تحمل الجهد. - ارتفاع خفيف في الحرارة. - الخمول. - صعوبة في النوم وفي المشي. وفي غالبية الحالات يكون الأشخاص المصابون هم من الشبان الأصحاء، ولكن يمكن لالتهاب حديث في الطرق التنفسية العلوية أن يشجع على حدوث الوذمة الرئوية، كما يمكن للصعود السريع أن يساعد في تسريع وقوعها. وتلوح معظم عوارض الوذمة الرئوية في الأفق خلال الأيام الثلاثة الأولى من الوصول إلى الأعالي، وفي ربع الحالات تبرز العوارض بين اليومين الأول والرابع. وفي 10 في المئة تظهر بعد اليوم العاشر. أما عن الآلية التي تحدث فيها الوذمة الرئوية فكان العلماء يفسرونها بأن الشعيرات الدموية في الرئة تكون أكثر نفوذية في الارتفاعات الشاهقة، ولكن العلماء لم يجدوا فرقاً في نفوذية الشعيرات عند المصابين بالمقارنة مع غيرهم. غير أن الباحث ماركو ماغيوريني من جامعة زيوريخ اكتشف أن ارتفاع الضغط داخل الشعيرات الدموية هو سبب الوذمة الرئوية. وتعتبر الوذمة الرئوية إسعافية يجب علاجها بسرعة، لأن المآل قد يكون سيئاً، وقد تكون الغيبوبة أو الموت على الموعد في حال التقاعس في التشخيص وفي تقديم الدعم الطبي المناسب للمصاب بها. وأفضل ما يجب فعله لتفادي الوذمة القاتلة هو الصعود التدريجي من مستوى سطح البحر وحتى 2500 متر في غضون يومين، ومن ثم قطع 600 متر كل يوم. ويمكن تناول موسعات الأوعية الدموية للعلاج. الوذمة الدماغية. وهي الشكل الأشد وطأة لداء المرتفعات، وتكون فيه العوارض ناطقة مثل الصداع، واعتلال المخ، والدوار، والخلط الذهني، والذهول، والتشنجات، والمشي المترنح، وارتشاح وربما نزف في شبكية العين، وفقدان الوعي، وربما الوفاة إذا لم يتم التشخيص والعلاج المبكرين. يبقى معرفة الأمور الأساسية الستة: الأول: إن داء المرتفعات مرض خطير، خصوصاً لمتسلقي الجبال الذين لا يعرفون إلا الشيء القليل عن الداء الذي يمكن أن يكون قاتلاً. وأكثر الأعضاء المتضررة من داء المرتفعات الجهاز العصبي المركزي والرئتان. الثاني: يخطئ من يظن أن الراحة لأيام قليلة، أو تناول بعض الأدوية يمكن أن يبعدا الداء عنه. إن أفضل طريقة لقطع الطريق على حصوله هي التأقلم ثم التأقلم ثم التأقلم، ويهدف التأقلم إلى إشباع الدم بالأوكسيجن لدى مرتادي المرتفعات وكذلك القاطنين فيها / مع الأخذ في عين الاعتبار بأنه كلما زاد العلو استغرق التأقلم وقتاً أطول، وإن زيادة عدد مرات التنفس تعتبر من الوسائل التي تساعد في إشباع الدم بالأوكسيجين وبالتالي سهولة التأقلم. الثالث، هناك عوامل خطر تشجع على حدوث داء المرتفعات وهي: - الأطفال والبالغون الصغار. - التعب والبرد. - التعرض سابقاً للمرض. - القاطنون في المناطق المنخفضة. - الإصابة ببعض الأمراض مثل الداء السكري، ومرض الشرايين القلبية. الرابع: إن تورم الوجه والأطراف عارض شائع في داء المرتفعات. الخامس: قد يتظاهر داء المرتفعات بالصداع فقط من دون عوارض أخرى مرافقة، وميزته أنه صداع متكرر. السادس: إن المرتفعات ليست شراً مطلقاً، ففيها بعض الجوانب الإيجابية، وفي هذا الإطار، كشف فريق من العلماء الألمان أنه في إمكان من يعانون السمنة فقدان أوزانهم بالإقامة في المرتفعات والمحافظة على الوزن المكتسب بعد ذلك لمدة أربعة أسابيع على الأقل. وبحسب التقرير الذي نشره الباحثون فإن المرتفعات تزيد من كفاءة العمليات الإستقلابية التي تساهم في تحويل الطاقة وتبديدها، وتحد من شهية تناول الطعام، وتقلل من احتمالات التعرض لانخفاض ضغط الدم الانبساطي. ورجح الباحثون أن يكون انخفاض نسبة الأوكسيجين في المرتفعات هو المسؤول عن الزيادة الملاحظة في إفراز هرمون اللبتين (هرمون بروتيني يفرزه النسيج الدهني ويلعب دوراً مهماً في تنظيم تناول الطعام والأيض) الذي يُعتقد بأنه يحد من الشهية على تناول الطعام. [email protected]