عندما اجتمع وزراء دفاع الدول الثماني والعشرين الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسيل الأربعاء، كان لديهم شيء يستحق الاحتفال. فالحلف يقترب من نهاية عملياته في ليبيا بعدما ساعد في الإطاحة بنظام معمر القذافي. أنجز ذلك في عملية استغرقت ستة أشهر لم تلحق فيها طائراته سوى أضرار ضئيلة بالمدنيين على الأرض. لكن فيما يقترب الصراع في ليبيا من نهايته، ما زال مسؤولو الدفاع في «الناتو» يواجهون تحديات. وتنتظرهم ثلاثة أعوام صعبة في أفغانستان. كما يواجهون المشكلة الأكبر على المدى الطويل: التخفيض الحاد في الإنفاق في كل جوانب الحلف، بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية. سرعان ما تثير النقاشات في شأن الإنفاق العسكري الغربي الكآبة هذه الأيام. سحبت الولاياتالمتحدة 400 بليون دولار من إنفاق البنتاغون في العقد المقبل وربما يرتفع الرقم الى الضعف وقد يصل الى تريليون دولار في المستقبل القريب. وتخفض بريطانيا من صميم موازنتها الدفاعية في الأعوام الأربعة المقبلة ما يؤدي الى خسارة جدية في القدرة (الدفاعية). وقد ترغم فرنسا على أمر مشابه بعد الانتخابات الرئاسية العام المقبل. في غضون ذلك، يولد اتساع هذه التخفيضات مجموعة ثانية من المخاوف. وثمة خشية من أن تتآكل بسببها الروابط بين الولاياتالمتحدة وأوروبا في مجال الدفاع. وأميركا تواجه الصين التي تزداد ثقتها بنفسها من جهة، والضغط على الموازنة في الداخل، من جهة ثانية، ما يحول تركيزها الأمني بعيداً عن أوروبا. في الوقت ذاته، خفض الأوروبيون (موازناتهم العسكرية) الى الحد الذي لم يعودوا يملكون معه قدرات دفاعية للاهتمام ببلادهم أو «بحدائقهم الخلفية» من دون مساعدة الولاياتالمتحدة. برزت المشكلة أثناء الصراع الليبي. طلبت الولاياتالمتحدة من الأوروبيين قيادة العلميات القتالية. بيد أنهم اعتمدوا اعتماداً كبيراً على طائرات الاستطلاع الأميركية من دون طيار وعلى التقديمات الأميركية في مجالات المراقبة وإعادة التزود بالوقود والاستخبارات. في هذه الأثناء، كان الأوروبيون يتصارعون من أجل الحصول على عدد كاف من المقاتلات في الجو. يريد الأمين العام للحلف الأطلسي اندرس فوغ راسموسن معالجة مسألة تآكل القدرات الدفاعية علاجاً مباشراً. وضمّن خطاباً ألقاه الأسبوع الماضي برنامجاً لما دعاه «الدفاع الذكي»، وأقر فيه بأن دول «الناتو» لا تستطيع الإنفاق أكثر مما تفعل. عليها إذاً أن تُعمِل التفكير في كيفية تقليص الازدواج الهائل في الإمكانات بين الدول الأعضاء وكيف تحسن التعاون في ما بينها. وقال: «علينا أن نحدد أولوياتنا ونوزع الاختصاصات وأن نسعى الى حلول متعددة الجنسية». تبدو فكرة فوغ راسموسن عملية جداً. لكن ثمة إشارات مبكرة إلى انه سيجد صعوبات في حمل دول «الناتو» على تقديم أمثلة جدية على التعاون الدفاعي من الآن حتى قمة «الناتو» في شيكاغو الصيف المقبل. وهناك ثلاثة أسباب لذلك. الأول هو جعل رؤساء الحكومات يركزون على تعزيز التعاون الدفاعي الآن ليس سهلاً. بالنسبة للحكومات الغربية تكمن المسألة الكبرى في أزمة اليورو والاقتصاد العالمي. ويقول ديبلوماسي بريطاني: «لا يريد الرؤساء اتخاذ قرارات صعبة سياسياً في شأن الشراكة في المعدات الدفاعية الآن... وفيما يشتعل الاقتصاد، يبحث (الرؤساء) عن العزاء في المفكرة الأمنية». السبب الثاني أن الحكومات لا تتشارك في الإمكانات الدفاعية سوى عندما تثق ببعضها لنشر هذه الإمكانات عندما تدعو الحاجة. وبعد ليبيا، يبدو أن ثمة نقصاً في الثقة. وتعمق بريطانيا وفرنسا، الطرفان الرئيسان في المهمة التعاون الاستراتيجي بينهما، لكن ألمانيا وبولندا أثارتا غضب الحلفاء ببقائهما خارج العملية في ليبيا. ويتساءل مسؤولو الدفاع البريطانيون والفرنسيون ما إذا كانوا قادرين على الالتزام بالشراكة في القدرات مع الألمان. فوق كل ذلك، لا تريد حكومات أن ترخي القبضة التي تمسك بها مجمعاتها العسكرية - الصناعية. وبحسب ما صاغ الفكرة هذه، الباحث في المركز الأوروبي للإصلاح توماس فالاسيك: «تفضل حكومات أن تكون لديها جيوش مستقلة وعديمة الفائدة على أن تكون جيوشها قادرة ومتكاملة (مع جيوش أخرى). انهم يريدون قواتهم المسلحة وقاعدتهم الصناعية الدفاعية الخاصة بهم. واكتسب ذلك معنى عندما كانت الجيوش كبيرة، لكنه فقد المعنى بعدما أصبحوا ينشرون أعداداً صغيرة من القوات». باختصار، تبدو آفاق التعاون بالنسبة الى «الناتو» قاتمة. ويعتقد فالاسيك بأن الولاياتالمتحدة عازمة على سحب نصف قواتها في أوروبا والبالغ عديدها 80 ألف جندي. ويقول كريستيان مويلنغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن تراجع الإنفاق على البحوث والتكنولوجيا يعني أن أوروبا ستكون «أرضاً قاحلة تكنولوجياً بحلول نهاية العقد الحالي». وتحذر العناوين العريضة من أن مستقبل أوروبا الاقتصادي بات في موضع شك، بيد أن ثمة تشاؤماً عميقاً أيضاً بقدرة أوروبا المتهالكة في الدفاع عن نفسها. * صحافي، عن «فايننشال تايمز» البريطانية، 3/10/2011، اعداد حسام عيتاني