شدد السفير الفرنسي لدى لبنان دوني بييتون على ان «في هذه المرحلة التي تطرح فيها جميع شعوب المنطقة تساؤلات عن مستقبلها، فإن فرنسا ستبقى الى جانب لبنان للدفاع عن الرؤية المتعلقة بدولة ديموقراطية، سيدة، مستقرة، ومتحررة من الوصايات الخارجية»، مؤكداً ان فرنسا «مقتنعة بأن بناء لبنان قوي ومستقل ومتصالح مع نفسه سيمر عبر الدفاع عن الحق والعدالة، فالإفلات من العقاب ألد اعداء الديموقراطية، والتقيد بالقوانين المشتركة في صلب اي ميثاق وطني. وفي هذا النضال الهادف الى بناء دولة قانون، لطالما كان باستطاعة لبنان الاتكال على مساعدة فرنسا». وكان بييتون يتحدث خلال مأدبة غداء اقامها البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد احيائه القداس السنوي التقليدي على نية فرنسا، في بكركي في حضور اركان السفارة والنائب الفرنسي جاك بارو، ومشاركة الكاردينال نصر الله صفير. وقال الراعي في عظته: «نحن اليوم وأكثر من اي يوم نشدد ونحرص على الحفاظ على هذه العادة التي تنبع من قدم العلاقات الوطيدة بين فرنسا والبطريركية المارونية وصلابتها. كما اننا نريد الحفاظ على هذه العادة بمتابعة تطور هذه العلاقات الثنائية في ضوء المعطيات والحاجات الجديدة». وأمل بأن «ينير الرب عقول المسؤولين في بلادنا ويملأ قلوبهم بنور القيامة ويساعدهم على اتمام المصالحة والسلام بين الشعوب، واحترام حقوق الانسان والجماعات وكرامتهم». وخلال الغداء التكريمي، شدد الراعي على «العلاقة المميزة بين فرنسا والبطريركية، وعلى الاهتمام الذي تحوطون به بلدنا، والجهود التي امتدت طيلة هذه السنوات الاخيرة التي قام بها الشعب الفرنسي، ورئيس الجمهورية والحكومة وأنتم انفسكم كي تساعدوا لبنان على استعادة استقلاله وسيادته وهنائه، وأشير الى التضحيات التي ارتضيتموها من خلال المشاركة الفرنسية في القوات الدولية «يونيفيل» وبالمهارة والحكمة التي تدير بها القيادة العلاقات مع ابنائنا في الجنوب. ليضع الرب حداً لكل هذه التضحيات والجهود ويقوّي الصداقة اللبنانية - الفرنسية». ولفت الراعي الى «ضرورة تطوير علاقاتنا في ضوء المعطيات والحاجات الجديدة، والتي من بينها ان نحو 200000 لبناني في فرنسا، غالبيتهم حصلوا على الجنسية الفرنسية وهم منخرطون في المجتمع الفرنسي، اكثر من ثلث هؤلاء موارنة لهم الحق في ان ينتظروا من بطريركيتكم تأمين الخدمة الرعائية والليتورجية الضرورية لهم. من هنا نشكر جمعية الاساقفة الفرنسية لأنها ازالت الموانع لإنشاء ابرشية مارونية لأوروبا». بييتون وردّ السفير بييتون قائلاً: «ان الصفات الكبرى، الروحية والرعوية وتلك المتمثلة بالتمسك بالقيم الانسانية، التي اتاحت لغبطتكم الوصول الى هذا المنصب، يعرفها ويقدّرها الجميع في لبنان والخارج، وأود ان أعبّر عن بالغ سروري لانتخابكم الذي حمل الى سدة البطريركية رجل حوار يحظى بتقدير الجميع». وحيّا الديبلوماسي الفرنسي الكاردينال صفير «الذي تولى بحزم طوال 25 سنة المنصب الرفيع الذي تشغلونه اليوم، وعمل بلا كلل او ملل من اجل السلام في لبنان سيد ومستقل. وما رسائل التقدير التي لا تحصى والتي تلقاها في الاشهر الاخيرة من جميع الطوائف اللبنانية ومن الخارج ايضاً، إلا ابلغ دليل على الاحترام الذي يحظى به. وأود ان اؤكد له من جديد تقدير فرنسا وصداقتها الوفية تجاهه». وقال بييتون: «اثبتت الصداقة التي لا تتزعزع بين لبنان وفرنسا قوتها على مر التاريخ ومآسيه والقداس المقام اليوم رمز قوي من رموزها. فحتى في احلك ساعات الحرب التي فتكت بالوطن اللبناني، وعلى رغم المخاطر، لم نخرج يوماً عن التقليد المتمثل بهذا اللقاء السنوي الحافل بالمعاني، ولطالما لعبت الطائفة المارونية الكريمة دوراً بالغ الاهمية لتعزيز العلاقة المميزة التي تجمع بلدينا». وأكد «التزام فرنسا الثابت دعم مسيحيي الشرق الذين عانوا الكثير في الاشهر الاخيرة، كما يشهد على ذلك استقبالنا على اراضينا لضحايا الاعتداء المشين ضد كنيسة سيدة النجاة في بغداد. وأؤكد لكم اشد التأكيد اننا سنبقى دائماً على التزامنا الحازم والقوي من اجل الدفاع عن استمرار وجود المسيحيين في الشرق وهو وجود يرقى الى آلاف السنين. ان مستقبل مسيحيي الشرق لا يمر عبر الهجرة، التي تشكل معاناة بالنسبة الى العائلات وتؤدي الى إفقار المجتمع». وأضاف قائلاً: «ان العلاقة المميزة التي تجمع ما بين فرنسا ولبنان ليست إرثاً فحسب، بل ايضاً رابط حي، يتجلى خصوصاً في التعاون المثمر الذي يشمل ميادين عدة ويرتكز الى علاقات ثقة متبادلة. لا داعي لتعداد كل المشاريع التي يقودها بلدانا في شكل مشترك والتي تعود بالنفع الكبير على شعبينا. ولكنني اود ان اشدد على ان فرنسا فخورة على نحو خاص بالتعاون القائم في مجال التعليم. ونعلم ما هو فضل المدارس والمعاهد الموضوعة تحت سلطتكم علينا في ما يتعلق بنشر الفرنسية، هذه اللغة التي تجمعنا، وهي لغة متجذرة بعمق في ثقافة لبنان كما انها تفتح امام الشباب، مهما تنوعت اصولهم وظروفهم، آفاقاً فكرية ومهنية جديدة. وأود ان أشدد امامكم على تمسكنا بهذا التعاون التربوي وعلى رغبتنا في مواصلته وتعزيزه». وحيّا المبادرات التي اطلقها الراعي «من اجل تعزيز الحوار بين المجموعات المسيحية». وقال: «ان التسامح والعيش المشترك قيمتان في صلب الميثاق الوطني اللبناني كما انهما ضمانة للسلام. وبصفتكم رمزاً للوحدة الوطنية يحظى باحترام الجميع، انتم مدعوون الى ان تلعبوا دوراً جامعاً بهدف مواصلة الحوار بين ممثلي الطوائف المختلفة، ولا سيما من اجل تعميق الحوار الاسلامي - المسيحي. ان القمة الروحية بين الاديان التي من المتوقع ان تعقد في تاريخ 12 أيار تشكل منذ الآن محطة مهمة من محطات توليكم السدة البطريركية يا صاحب الغبطة. وأود التعبير عن اطيب التمنيات بأن تؤدي الى نقاشات هادئة وبناءة». وتابع قائلاً: «في هذا الزمن الذي تسمع فيه الشعوب صوتها في كل انحاء المنطقة، يجب ان نعير الانتباه الى النداءات المنبثقة من كل طبقات المجتمع لتجاوز المواجهات الطائفية والسياسية التي غالباً ما اعاقت، للأسف حسن سير الديموقراطية اللبنانية. ويشكل هذا المطلب مطلباً قوياً للشباب الذين يطمحون الى التحكم بمستقبلهم في شكل افضل والى التوفيق ما بين تحقيق الذات شخصياً وجماعياً. والقوى الحية في هذا البلد مدعوة الى ان تأخذ في الاعتبار هذه التطلعات القوية والمشروعة. فحتى اليوم، غالباً ما حال الجمود والصدامات السياسية دون تلبية تطلعات الشعب المشروعة، بصفتكم ضميراً وطنياً بامتياز، سيكون صوتكم مسموعاً من اجل توجيه رسالة الى جميع اللبنانيين والدفاع عن مفهوم فائق الاهمية في اي ديموقراطية، ألا وهو مفهوم المصلحة العامة. كثيرة هي التحديات وليس في الامكان مواجهتها من دون ارادة يعبّر عنها كل الاطراف اللبنانيين وتقضي بالعمل سوية من اجل التوصل الى حلول عادلة ومنصفة والدفاع عن الكرامة البشرية وحقوق الانسان والقيام بالإصلاحات الاجتماعية والبيئية وتأمين التطور الاقتصادي في البلاد». وقال بييتون: «نعيش اليوم مرحلة تشهد تغيرات كبرى في العالم العربي وتعكس تطلعات عميقة لدى الشعوب الطامحة الى التجدد والحرية. تحمل كل من فرنسا ولبنان مسؤولياته في كنف الأسرة الدولية من اجل مواكبة هذه التحركات، من خلال التقدم بالاشتراك مع المملكة المتحدة بالقرار 1973 لمجلس الأمن الذي يجيز القيام بضربات جوية في ليبيا بهدف حماية المدنيين. ويأتي تجنيد امكاناتنا العسكرية ليترجم في شكل ملموس التزامنا الى جانب اولئك الذين يقاتلون لتحرير بلدهم». وشدد على ان فرنسا «بناء على قراري مجلس الأمن 1559 و1701 تقدم دعمها كاملاً الى الدولة اللبنانية من اجل الدفاع عن سيادة البلاد وضمانها. ولن نساوم ابداً في ما يتعلق بأمن لبنان، الذي يجب ألا يظل خاضعاً للمصالح الاقليمية المتنافسة، والتزامنا في اطار قوات «يونيفيل» منذ عام 1978 يظهر ان هذا الموقف يتخطى الكلمات والوعود المبهمة». وقال: «ان الدولة هي اول من يضمن سيادة لبنان، ورئيس الجمهورية ميشال سليمان يجسد سلطتها. ولضمان قيام دولة قانون في خدمة اللبنانيين جميعاً، لا بد من ان تتمكن القوات المسلحة اللبنانية، وهي وحدها المخولة الدفاع عن ارض الوطن، من احتكار استخدام القوة. ومهما جرى، فإن فرنسا ستنقل هذه الرسالة بحزم، ذلك ان البحث عن حل لمسألة السلاح في اطار الحوار الوطني ضروري لأمن لبنان والمنطقة. وبناء على قرارات مجلس الامن، ان فرنسا تقدم كذلك كامل دعمها الى المحكمة الخاصة بلبنان. وحدها الحقيقة في شأن الاغتيالات السياسية التي ألمّت بلبنان قادرة على تحقيق المصالحة بين جميع اللبنانيين ونحن مقتنعون بذلك». وأشار بييتون الى ان رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري «الذي انتخب بغالبية كبيرة عام 2009، اضطلع بسياسة شجاعة بهدف تعزيز دولة القانون، فمد يده الى جميع الاحزاب ضمن اطار حكومة وحدة وطنية، ووضعت الحكومة خطة عمل طموحة متعلقة بالاصلاحات المؤسساتية والاقتصادية، ونشطت بعزم في مجال المالية العامة في شكل خاص من اجل انجاز حسابات الوطن. واليوم نتمنى ان تشكل بسرعة حكومة من قبل رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي الذي تجمعنا به منذ زمن بعيد علاقات قائمة على التقدير والثقة لتتمكن هذه الحكومة من مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الملحّة التي تعترض البلاد». وأمل بأن يتمكن الراعي «وفقاً للتقليد المتبع من زيارة فرنسا قريباً بناء على دعوة الرئيس ساركوزي».