دمشق، عمان - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - شيّع آلاف السوريين جثامين قتلى سقطوا اول من امس، وسط أنباء عن سقوط 4 قتلى وجرحى في جبلة، في وقت تحدثت منظمة حقوقية وناشطون عن حملة اعتقالات في مدن سورية عدة على رغم رفع حال الطوارئ. وأفاد شاهد لوكالة «فرانس برس» أن «مجموعة من القناصة ورجال الأمن اطلقت النار في شوارع جبلة بعد زيارة قام بها محافظ اللاذقية الجديد عبدالقادر محمد الشيخ إلى المدينة للاستماع إلى مطالب السكان، ما أسفر عن مقتل شخص على الأقل وجرح العشرات». وأضاف «إن الوضع سيئ جداً الآن»، موضحاً «أن جبلة كانت هادئة ومستقرة صباحاً والحياة تجري بصورة طبيعية حيث زارها المحافظ وقابل وجهاءها في جامع الإيمان واستمع إلى مطالب السكان وأخذها على محمل الجد». وتابع: «بعد خروج المحافظ، تم تطويق جبلة من جميع الأطراف، وانتشرت عناصر من الأمن وبدأت بإطلاق النار». وفي نوى الجنوبية، هتف آلاف المشيعين السوريين مرددين: «الشعب يريد اسقاط النظام»، و «ارحل ارحل». في هذه الاثناء، قال ناشط لوكالة «رويترز» إن قوات الأمن في حمص اعتقلت منصور العلي، وهو شخصية بارزة من الأقلية العلوية الحاكمة بعدما عارض علناً إطلاق قوات الأمن النار على المحتجين المطالبين بالتغيير الديموقراطي. وقال ناشطون حقوقيون امس ان الشرطة السرية السورية دهمت منازل قرب دمشق ليل السبت - الاحد حيث اقتحم رجال امن مسلحون ببنادق ويرتدون ملابس مدنية، منازل في ضاحية حرستا بعد منتصف الليل مباشرة، واعتقلوا ناشطين في المنطقة المعروفة باسم الغوطة. وذكر شهود لوكالة «فرانس برس» ان طرقاً مؤدية الى بعض المدن التي تشهد احتجاجات في ريف دمشق أُغلقت، خصوصاً مساء السبت، واقيم على مداخلها مراكز تفتيش تم فيها التحقق من هويات العابرين. كما أشار المرصد السوري لحقوق الانسان الذي يتخذ من لندن مقراً له في بيان الى حملة اعتقالات التي جرت الجمعة شملت «العشرات في مدن سورية»، مشيراً خصوصاً الى ادلب (شمال) حيث جرت الاعتقالات «على خلفية التظاهرة التي خرجت الجمعة في مدينة سراقب» القريبة، وحلب (شمال) وجسر الشغور (شمال غرب) والرقة (شمال شرق). في الوقت نفسه، افرجت السلطات السورية امس عن رئيس لجان الدفاع عن الحريات في سورية دانيال سعود الذي اعتقلته اول من امس من منزله في بانياس شمال غربي البلاد. وأفاد رئيس المنظمة الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان عمار القربي لوكالة «فرانس برس» ان «السلطات الامنية افرجت اليوم (الاحد) عن دانيال سعود»، مشيراً الى ان «الاعتقال الذي تم من منزله بمداهمة ومن دون اذن او مذكرة قضائية وبواسطة الامن، يجعل من رفع حال الطوارئ خديعة». وأضاف: «استغرب اعتقال سعود رغم انه كان يمارس دور تهدئة في بانياس»، مشيراً الى انه «ينتمي الى خلفية شيوعية». وفي محصلة جديدة لضحايا الاحتجاجات، قال ناشطون في بيان امس ان عدد قتلى الجمعة والسبت ارتفع الى 120 شخصاً، متهمين السلطات السورية بقتل المتظاهرين العزل والاستهانة بحرمة الاموات بإطلاقها النار على مواكب التشييع. وأوردت «لجنة شهداء ثورة 15 آذار» التي تحصي ضحايا قمع الحركة الاحتجاجية في سورية في بيان تسلمت وكالة «فرانس برس» نسخة منه أسماء 13 قتيلاً جديداً سقطوا الجمعة، منهم 4 في دمشق وريفها، و3 في حمص (وسط)، و6 في مدينة حماة (وسط). كما ذكرت أسماء 25 قتلاً سقطوا السبت بنار رجال الامن اثناء مشاركتهم في تشييع المتظاهرين الذين قضوا الجمعة. وقالت ان 18 منهم قتلوا في درعا (جنوب) وواحد في حمص وستة في دمشق وريفها. وبذلك ترتفع حصيلة القتلى ليومي الجمعة والسبت الى 120 شخصاً. ونقلت «الوكالة السورية للانباء» (سانا) امس عن «مصدر مسؤول» في القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة قوله ان «عدد الشهداء الذين استشهدوا برصاص المجموعات الإجرامية المسلحة بعد ظهر (اول من) أمس في بلدة نوى التابعة لمحافظة درعا (جنوب البلاد) من قوى الأمن، ارتفع إلى سبعة شهداء». وأشار الى «استشهاد عنصرين من القوى الأمنية أحدهما في بلدة المعضمية، والثاني في مدينة حمص». كما أعلنت وزارة الداخلية أمس أن «عدد الجرحى والمصابين من عناصر قوى الأمن الداخلي الذين استهدفتهم المجموعات الاجرامية المسلحة منذ بداية الأحداث التي تشهدها سورية حتى أمس السبت وصل إلى 286 جريحاً». وأشارت الى ان «قائمة بأسماء الجرحى من عناصر الشرطة الذين أصيبوا نتيجة الاعتداء عليهم من هذه المجموعات الاجرامية في عدد من المحافظات، تضم 31 جريحاً». ودعت وزارة الداخلية امس «أصحاب المحال التجارية إلى عدم الاستجابة للدعوات التي يقوم بها أشخاص ينتحلون صفات أمنية لإغلاق محالهم». كما دعت المواطنين أصحاب المحال التجارية «إبلاغ السلطات المختصة عن أي شخص يتوجه بمثل هذه الدعوات فورا». في هذه الاثناء، قال ناشطون ان المحتجين الداعين الى الديموقراطية في سورية لن ترضيهم خطوات الاصلاح التي يقوم بها النظام، مشيرين الى ان ارتفاع اعداد القتلى يظهر ان الاصلاحات التي اعلن عنها الرئيس السوري، بما في ذلك رفع حال الطوارئ والغاء محكمة أمن الدولة، جوفاء. وقال القربي لوكالة «رويترز»: «ما حصل الجمعة هو نقطة تحول. لقد فشل النظام في اختبار الاصلاحات. فشلوا فشلاً ذريعاً واثبتوا ان تلك الاصلاحات كانت على الورق فقط وليس في الشارع». وأضاف: «ان الشعب السوري نفد صبره مع كل يوم. لقد تعبوا من الوعود. الناس اعطت السلطات الوقت الكافي، لكنها لا تزال تستخدم سياسة القمع». وقال: «اخشى ان يكون كل ما يريده الشعب الآن هو إسقاط النظام». واعتبر ناشط من خارج دمشق ان السلطات يجب ان توقف التعامل بالطريقة الامنية، مضيفاً: «الله وحده يعلم الى اين نتجه الآن»، فيما رأى ناشط آخر ان عدم وجود شخصية او مجموعة واحدة وراء الاحتجاجات يعني أن ما يحركها هو الغضب والرغبة في تحدي السلطات بقدر ما تحركهم مطالبهم. وقال محام يعمل في مجال حقوق الانسان في دمشق: «الناس الذين يحركهم الغضب لسقوط قتلى لن يعودوا الى ديارهم في هدوء. الاوضاع مخيفة. المستقبل غير واضح». ورأى احد الناشطين: «لن نتبع النموذج المصري (في الثورة) ... اذا تصاعدت الامور هنا، فإننا ننظر الى نماذج اليمن وليبيا والبحرين. ليس اي منها جيداً». في المقابل، رأت صحيفة «تشرين الحكومية امس ان المتظاهرين «يريدون عبر هذه الاحتجاجات (...) إنهاء نهج المقاومة العربي من خلال إنهاك رأسه المتمثل بسورية». وقالت: «عفواً ايها المتظاهرون، اذا كانت نياتكم حسنة، وهي كذلك بالتأكيد لدى اغلبكم، فهناك بين ظهرانيكم من باع نفسه للخارج ودرب فكرياً ودينياً وعسكرياً من اجل انهاك سورية والتفريق بين ابنائها واحداث فتنة طائفية ومذهبية فيها». ودعت صحيفة «الثورة» الى التهدئة، وقالت ان «الجهود الحكومية تنصب حاليا باتجاه استعادة ثقة المواطن بها وبعملها من خلال الخطوات المتسارعة التي تقوم بتنفيذها». وأضافت: «في المقابل، المطلوب من المواطنين اليوم الانصات الى صوت الحق ومنح الفرصة والوقت الكافيين للحكومة لتقوم بواجباتها على الوجه الاكمل، بالتزام التهدئة والابتعاد عن التشويش والاذى بقصد او غيره». اما صحيفة «الوطن» الخاصة والمقربة من السلطة، فقالت ان الاعلان عن اجراءات الاصلاح «شكل صدمة مؤلمة لمن يسمون انفسهم معارضة سورية في الخارج قبل الداخل ولمن يريدون السوء بهذا البلد بعد ان خططوا وحرضوا وجيشوا». وأضافت ان «الدليل على ما نقول بات واضحاً للجميع»، مشيرة الى ان «ما كان يطالب به هؤلاء في السابق (...) لم يعد ضمن قائمة مطالبهم بعد ان تحقق معظمه». وتابعت ان المتظاهرين «تحولوا من المطالب الاصلاحية الى مطالب اخرى ترفضها الغالبية العظمى من الشعب ولا ترضى بها لانها تتقاطع في شكل مكشوف مع اجندات خارجية عربية او اجنبية متضررة جداً من بقاء النظام السوري». ورأت ان اسباب ذلك «تتعلق بمواقفه القومية ودعمه لنهج المقاومة واصراره على استرجاع الاراضي المحتلة والحقوق المشروعة وقوة دوره الاقليمي والحضاري وليس لأسباب داخلية تتعلق بمصالح الشعب السوري». وأكدت ان «من يريد مصالح سورية وشعبها (...) يشجع ويشكر القيادة السورية على كل خطوة عملية من خطوات الصلاح وينتظر بقية الاصلاحات التي قررها النظام بعيداً من التشكيك باستكمالها والكف عن الكذب والتحريض وبث الفتنة ومطالبة ابناء سورية بمخالفة القانون والنظام».