طغت حقبة الاستعمار الفرنسي على زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الجزائر أمس، إذ أكد أنه «ليس متناقضاً مع ذاته» في شأن موقفه من «ملف الذاكرة»، داعياً الجزائريين إلى تقبل الذكرى المشتركة بين البلدين والمضي نحو المستقبل. وقال ماكرون الذي زار الجزائر للمرة الأولى رئيساً للجمهورية، إن «العلاقات الجديدة التي أودّ بناءها مع الجزائر والتي أقترحها على الطرف الجزائري، هي علاقة شراكة من الند إلى الند، نبنيها على أساس الصراحة والمعاملة بالمثل والطموح». ورأى ماكرون الذي دامت زيارته 12 ساعة، أن «على فرنسا أن تبني مع الجزائر محوراً قوياً، أساسه حوض البحر المتوسط ويمتد إلى أفريقيا». واستدرك: «هناك صعوبات، لكن يجدر بنا أن نتجاوزها مع كل الفاعلين في مجتمعينا. ومن أجل ذلك، علينا أن نعمل معاً في مجالات التربية وتطوير الاقتصاد والتبادلات الثقافية». كما تطرق إلى ملفات إقليمية ودولية أخرى، إذ عبّر عن رغبته في رؤية حلول «سياسية» تتحقق في ليبيا. وشدد على أن «استقرار الخليج أمر أساس، وفرنسا تدعم الوساطة الكويتية للخروج من الأزمة من خلال الحوار والتفاوض». وكان ماكرون الذي زار الجزائر من دون زوجته، التقى نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، بعدما استقبله في المطار رئيس مجلس الأمّة (البرلمان) عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة أحمد أويحيى ووزير الخارجية عبدالقادر مساهل. وزار «مقام الشهيد» في العاصمة، حيث يترحّم عادةً الزوار على أرواح شهداء الثورة الجزائرية، وتمشّى حوالى ساعة في شارع العربي بن مهيدي وسط العاصمة، وصافح خلالها عشرات المواطنين، الذين طالبه بعضهم باعتذار عن حقبة الاستعمار، فيما طلب آخرون تسهيل ملفات الحصول على تأشيرة إلى فرنسا والتقطوا صور «سلفي» معه. وغابت الملفات الاقتصادية في شكل لافت عن زيارة ماكرون، لتبدو زيارة «مجاملة» للدولة الجزائرية، بعدما نال دعماً كاملاً من سلطاتها لدى زيارته البلاد مرشحاً للرئاسة. واكتفى بالقول إن «العلاقات الجزائرية- الفرنسية ستكون لبناء مستقبل مشترك يخدم الطرفين»، مبدياً مقداراً من التفاؤل بتغيير نظرة الجيل الجديد من الجزائريين إلى فرنسا، بعد الاستقبال الذي حظي به من المواطنين. أما وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الذي رافق ماكرون، فذكر أن قضية الصحراء الغربية شكّلت محور نقاش في لقاءات الرئيس الفرنسي مسؤولين جزائريين، في ظل خلاف واضح بين البلدين في شأن هذا الملف، إذ تعتبر الجزائر أن باريس تعطّل فرص التسوية بعدم إتاحة حق تقرير المصير للصحراويين. واستبق ماكرون وصوله إلى الجزائر بقوله إن فرنسا تقف «على مسافة متساوية من الطرفين، وموقفنا معروف ولم يتغير، ولن يتغير. الحوار بين الجزائر والمغرب حول هذه المسألة أمر أساس». وأضاف: «على البلدين، بدعم من المجتمع الدولي، أن يعملا لتسوية هذه الأزمة التي يُعدّ حلّها تحدياً كبيراً من أجل اندماج المغرب العربي، إذ إنها سبب انسداد اقتصادي كبير في المنطقة. وأتمنى أن يتمكن المغرب والجزائر من تجاوز خلافاتهما من أجل بناء صرح مغاربي قوي وموحّد ومزدهر». أما عن الأزمة الليبية، فقال إن بلاده اقترحت «مخططاً صادق عليه برلمان طبرق»، وزاد: «علينا الآن أن نقنع جميع الأطراف بأن الحلّ الوحيد للأزمة الليبية هو سياسي، وبأن من مصلحتهم إعادة إطلاق المسار السياسي تحت راية الأممالمتحدة». وتطرق ماكرون إلى الأزمة الخليجية، لافتاً إلى أن «استقرار الخليج أمر أساس، وفرنسا تدعم الوساطة الكويتية للخروج منها بالحوار والتفاوض»، معتبراً أن «التنافس بين دول الخليج وإيران مقلق، وهنا أيضاً يُعد الحوار السبيل الوحيد للتقليل من حدة التوترات». وزاد أن «فرنسا تود أن تؤدي دورها بوصفها قوة تهدئة ووساطة». وتابع: «الحوار بين فرنساوإيران حازم وصارم، من أجل التقليل من حدة التوترات في المنطقة. الواقع يقول إن إيران قوة إقليمية، لكن عليها أن تؤدي دوراً بناءً في حل أزمات المنطقة». ويُفترض أن يُجري الرئيس الفرنسي اليوم زيارةً خاطفة لقطر، وعلى جدول أعماله مناقشة عقود ضخمة وأزمة الخليج ومكافحة الإرهاب. كما يزور قاعدة «العديد»، مقر القيادة الوسطى الأميركية التي تدير العمليات ضد المتشددين، حيث سيلتقي القادة الأميركيين والقوات الفرنسية المتمركزة هناك. ثم يجتمع مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ويعقد مؤتمراً صحافياً معه.