واقعة أنا بين شاقوفي صديقتي البدوية ومسز كلينتون! فصديقتي البدوية لا تعجبها هيلاري كلنتون! وأنا أعرف أن هيلاري كلينتون غير معجبة بصديقتي البدوية، لأن هيلاري لا تعرف صديقتي إلا في الخيال والبحوث والدراسات، بينما صديقتي تفهم هيلاري في الظاهر والباطن وتعرف خفايا أمورها وفضائح زوجها التي لا تحدث أو قد تحدث في غرف الحريم على ما صورها المستشرقون صدقاً وكذباً وبهتاناً. هناك فرق شاسع بينهما في العقليات والخلفيات والفرص المتاحة لكل منهما. إذن هذه مفارقة غريبة تضعني بين شعورين متناقضين تناقضاً رهيباً، نعم هناك فرق واسع من أن تتمكن مسز هيلاري من كونها امرأة وقد وصلت إلى منصبها هذا، في حين أن البدوية الشديدة الحنكة والذكاء لا تستطيع حتى لو استخدمت جميع التدابير والحيل إلا مناقشتي وفرض أفكارها وعقوبتها علي، أنا وحدي جمهورها، في الوقت الذي تستطيع مسز كلينتون فرض عقوبتها على دول، وأفكارها، وإن كانت حتى بائسة ويائسة، لفرضتها على أمم. المشكلة أنني معجبة بصديقتي الجالسة في البيت بقدر إعجابي بالمسز كلينتون التي تلف العالم سبع لفات، وكان في ودي لو أن صديقتي تأخذها كلمتين على جنب، وتفهمها فن التعامل مع الرجل وأخلاقيات التعامل مع الشعوب والحكومات السابقة واللاحقة، لأنني أشعر أننا نمر في مرحلة صاخبة ومحيرة ومشحونة بأشد الأخطار بسبب انعدام الأخلاق. وعلى رغم ذلك فالناس كلها تتحدث عن الفساد فقط وكأنهم كلهم مصلحون، وما زلت في اعتقادي الساذج أؤكد أن الأغلبية مفسدون شرقاً وغرباً لا فرق بين عربي وغربي، لذا لا أصدق أحداً، لا إن تظاهر ولا إن تفاخر ولا إن قتل ولا إن اقتتل. لا أصدق هذا العالم برمته لأن العالم فقد أخلاقه، ولأنني مسبقاً لم أكن لأصدق أية حركة سياسية، ولم أرد لنفسي أن أقع في أي شرك من هذا، أريد الأخلاق في الواقع وفي المتاح، لأن السعادة تكمن في الحصول على المتاح، فكفوا عن الفلسفة والتفلسف، الحياة هي العفو والعافية واللقمة الهنية، وهي العدل و الأمن والاستقرار. ولذا لن أمشي على حبال الوهم والشعارات والمثاليات في أي موضوع كان حتى لو كان حباً كبيراً، لأنني حين مشيت في طريق مثاليته وجدته هو الآخر لا يقل فساداً عن الفساد الذي تتكلمون عنه، ولأن سرقة القلوب لا تقل فساداً عن سرقة الأموال، حتى الحب فيه نهب؟ نعم هو النهب في عينه واللي مضروب على عينه! وإن كان لكائن ما أن يعترض في هذه الكرة المدورة، فهي المرأة عامة والعربية تحديداً لما يقع عليها من ظلم ومن فساد مثل صديقتي البدوية التي لا تعطى لها الفرص، ولا هي تعلمت كيف تأخذها، ولو أعطيت الفرصة لوضعت مسز كلينتون في خرجها. ولأنني أود أن أكتب ما أريد، فإنني أقدم الصفح والغفران مسبقاً ومن كل قلبي إلى أي رجل اضطهدني، يا أخي مش فارقة كثير، دعونا نطوي صفحة الماضي لنتطلع إلى طريقة ما للعيش المشترك بين الرجل والمرأة في زماننا هذا المفتوح كلياً على كل شيء، أعيد كل شيء، وكلمتي هذه دعها تدوي لأنني أعنيها صرخة أكثر مما هي صف كلمات. فالمرأة ليست نصف العالم وحسب، بل قلب العالم وضميره، ولذا فإن الإخاء والمساواة في علاقة الرجل معها ستضمن لك علاقات مبينة على اللطف واللباقة في المجتمع برمته، إذ لا يصلح مجتمع تشعر فيه امرأة بأنها مقهورة ومهمشة ومدفوعة إلى الغضب. ولذا فإنني أسأل كل واحد يمشي في هذه الشوارع أن يفحص ضميره أولاً، ويسأل نفسه عن أي كفاح يخوض وهو مذل للمرأة، بل يجهد نفسه في إهانتها واضطهادها. وأعيد بأنني لا أفرق هنا بين شرق الأرض وغربها، ولو ادعى الغرب أنه لا يعاني مثلنا من الجهل وهو محق في ذلك، إلا أنه واقع هو الآخر في فساد وضلال أخلاقي، ولو كان لي كلمة أقولها لناسي أو من يسمعني، فإنني سأطلب رجاءً واحداً وهو أن يبدأ كل واحد بلمسة صغيرة في تغيير نفسه من دون مظاهرة ومن دون حشود جماهيرية، يعني تدريجيا، بأخلاق وإنسانية وانسيابية، وأول التغيير أن يحسن التعامل مع المرأة. صحيح أن هيلاري تفوق صديقتي البدوية علماً وطباً واقتصاداً، لكنك لو أعطيت صديقتي حقوقها لأعطتك نتائج مماثلة في الإدهاش تفوق دهشتك في الأميركية، علماً أن الاثنتين قد عانتا على مر التاريخ من الرجل وعمايله! ولذا في ودي أن أسأل مسز كلينتون بعد اللي شافته، أي الرجال عنده أخلاق أكثر، البدوي أم الغربي؟ ولا يغرنّكم جوابها، ألم أقل لكم إن هذا العالم في حاجة إلى ثورة أخلاقية. [email protected]