كان الحشد الضخم في ساحة المشهد الحسيني المواجهة لمسجد الحسين في قلب القاهرة، خلال الاحتفال بذكرى ميلاد النبي محمد بمثابة رسالة من الصوفيين في مصر إلى المتطرفين، مفادها أن الهجمات المسلحة التي استهدفت مزاراتهم وأتباعهم وبلغت ذروة الدموية في مسجد قرية الروضة في شمال سيناء، لن تُرهبهم. صباح أول من أمس احتشد أكثر من ألف شخص في مسجد الروضة في بئر العبد الذي يتبع الطريقة الصوفية الجريرية وشهد مجزرة خلال صلاة الجمعة قبل الماضية، قُتل فيها أكثر من 310 مصلين. وجال شيخ الأزهر أحمد الطيب بعد الصلاة على بيوت القرية لتعزية عائلات الضحايا. وفي المساء احتشد عشرات الآلاف لإحياء ذكرى ميلاد النبي التي يُطلق عليها في مصر «الليلة الكبيرة»، في رحاب الحسين، في احتفال ديني سيطرت على أجوائه مظاهر تحدي الإرهاب. الاحتفال الشعبي الذي تقوم على ترتيباته مشيخة الطرق الصوفية جرى وسط إجراءات أمنية مشددة، وتدقيق لافت من قوات الشرطة التي طوقت «المشهد الحسيني»، من كل الاتجاهات، وسُمح للزوار بدخول ساحة المشهد عبر بوابات إلكترونية للكشف عن المعادن، فيما تراصت آليات الشرطة في مواجهة مسجد الحسين، تُقل مئات الجنود المدججين بالسلاح. ومن على مسرح ضخم أنشد نقيب المبتهلين محمود يس التهامي مقطوعات في حب النبي، وسط تمايل المريدين والمحبين طوال ساعات الليل، وتواصلت الاحتفالات حتى مطلع الفجر، في سكينة وهدوء لافتين، رغم الزحام. وتشهد ساحة الحسين منذ بضعة أيام احتفالات وفاعليات كان ختامها أول من أمس، كون منطقة الحسين مركز الطرق الصوفية في مصر. ونظمت طرائق عدة مسيرات مساء أول من أمس في محيط جامع الحسين، يتقدمها حاملو رايات كل طريقة، وخلفهم مريدو كل طريقة. وتوافد آلاف من أتباع الطرق الصوفية ومن الجمهور غير المنخرط في تلك الطرائق، من مختلف محافظات مصر على ساحة الحسين. وتواصلت حلقات الذكر في أرجاء الساحة حتى الصباح. وظهر أن الصوفيين أرادوا جعل الاحتفال بمثابة رد على الهجوم على مسجد الروضة، فنظموا حشدًا غير مسبوق في الاحتفال مساء أول من أمس، ورفع بعضهم لافتات مُنددة بالإرهاب في شمال سيناء، فيما سيطر الهجوم على نقاشات زوار المشهد الحسيني خلال الاحتفال. وقتل عناصر «داعش» أكثر من 310 مصلين في مسجد الروضة وحطموا أضرحة صوفية في شمال سيناء، وخطفوا وذبحوا قبل شهور الشيخ سليمان أبو حراز، وهو إمام الصوفيين في شمال سيناء. وتوعد زعيم «داعش» في سيناء الصوفيين بالقتل، واصفاً إياهم ب «المبتدعة». وقال الشيخ التهامي بعد وصلة من التواشيح والأناشيد الدينية في احتفال الطرائق الصوفية بميلاد الرسول أن الحشد الكبير الذي اجتمع وسط حالة من الأمن والأمان «هو بمثابة رسالة من الشعب المصري للعالم أجمع تعكس إرادة الشعب المصري وإقباله على الحياة، وتحديه كل الصعاب». وأضاف: «رغم ما تواجهه مصر من إرهاب خسيس، فإن الاحتفال بذكرى الميلاد النبوي جرى في موعده من دون خوف. لن يستطيع أحد أن يكسر إرادة المصريين أو يمنعهم من حب النبي وصحابته وآل بيته الأطهار الأبرار». من جهة أخرى، افتتحت في أجواء احتفالية أمس» كاتدرائية مار جرجس والشهداء» في مدينة طنطا في الغربية، في الدلتا، بعد ترميمها نتيجة هجوم نفذه انتحاري من تنظيم «داعش» قُتل فيه عشرات المُصلين في الكنيسة في نيسان (أبريل) الماضي، خلال احتفالات المسيحيين ب «أحد السعف». وأقامت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية احتفالاً في الكنيسة أمس، حضره قيادات تنفيذية وعسكرية وأمنية، وشيوخ من الأزهر ووزارة الأوقاف. وقال أسقف طنطا الأنبا بولا في كلمته خلال تدشين الكنيسة أن «يد البناء أقوى من التخريب، وسيبقى المصريون يدا واحدة لبناء مصر». ورُسمت صور ضحايا الهجوم الذين دفنوا في موقع الهجوم، على أعمدة الكنيسة.