لم يخل استهداف الإرهابيين مسجد الروضة في شمال سيناء أخيراً، من اعتبارات مذهبية، فبعدما سبق ل «داعش» أن هاجم مساجد شيعية في السعودية والكويت خلال عامي 2015 و2016، استناداً إلى أن الشيعة، يعتبرون من وجهة نظر التنظيم، أشد كفراً ونفاقاً من المسيحيين واليهود؛ «لأنهم حرّفوا تعاليم الدين الصحيح»، بدأ التنظيم الإرهابي، يستهدف؛ في تحوّل لافت، مساجد السنّة، مِن الذين يعتبرهم الفكر العقائدي السائد لدى جماعات السلفية الجهادية، «على ضلال وينبغي قتلهم»، لكونهم لم يبايعوا «داعش»، «التي تمثل الخلافة الإسلامية الصحيحة». ولما كان «داعش» يكفّر الصوفية ويعتبرها «فئة ضالة خارجة على الدين وأصحاب بدع»، كما يعتبر مساجدهم «مساجد ضرار»، لم يخل استهدافه مسجد الروضة من حسابات ودوافع مذهبية، إذ دأب على وصف الطريقة «الجريرية» التي أسّسها عيد أبو جرير؛ شيخ عشيرة الجرارات من قبيلة السواركة، والتي يرتاد مريدوها المسجد نفسه، بأنها «أشد الطرق كفراً وأكثرها قرباً من الشيعة». ومن شأن إقحام المتغير المذهبي أو الطائفي في نشاط «داعش» في سيناء؛ أن يزيد من تعقيد الظاهرة الإرهابية في مصر خلال مرحلة ما بعد «داعش» سورية والعراق. بموازاة ذلك، يبدو الإرهابيون وكأنهم يضحون بالنزر اليسير الذي حصلوا عليه، بشِق الأنفس، مِن حاضنتهم الاجتماعية في سيناء. ذلك أن استهداف المساجد والمدنيين كفيل بأن يوغر صدور مواطني سيناء ضد الإرهابيين، وأن يولد لدى القبائل هناك رغبة عارمة في الثأر، خصوصاً أن قبائل مثل الترابين والسواركة التي تقطن قرية الروضة، وترتاد مسجدها المستهدف، أعلنت من قبل التصدي للإرهاب إلى جانب الأجهزة المعنية وتحت إشرافها. لذلك، أراد الإرهابيون معاقبتها على هذا الدور الوطني عبر إرهابها وإخافة بقية القبائل والمواطنين مِن أن يحذو حذوها. غير أن اللافت في هذا الخصوص هو أن السحر انقلب على الساحر، إذ أفضت عملية الروضة إلى تبديد رواسب الحساسيات وسوء الفهم المزمنة بين الدولة وبعض بدو سيناء، والتي عكف الإرهابيون على استثمارها في ما مضى لإيجاد حاضنة اجتماعية، إذ أسفر استهداف المصلين عن غضب شعبي عارم حيال الإرهابيين، كما ولّد لدى الناس رغبة ملحة في التقارب مع السلطات ودعم جهودها لاستئصال شأفة الإرهاب. وجاء رد القبائل سريعاً وحاسماً في آن، إذ هرعوا لتعزيز التعاون مع الدولة وتقديم معلومات للسلطات ساعدت في توجيه ضربات جوية سريعة وموجعة للإرهابيين؛ رداً على هجوم مسجد الروضة، كما أغلقت قبيلة الترابين طرقاً وممرات جبلية عدة في المنطقة الشرقية في شمال سيناء، إضافة إلى إغلاق ممرات تؤدي من تلك الطرق المعبدة إلى قلب الصحراء الجنوبية المتاخمة لمدينتي رفح والشيخ زويد، فيما عُهد إلى مسلحين يتبعون قبيلة السواركة، التي يتحدر منها غالبية ضحايا الهجوم؛ بالانتشار في المنطقة الغربية، لحماية الممرات الجبلية، وقطع أي طرق محتملة لفرار أو تسلل المسلحين الذين يلوذون بجبال سيناء. وفي السياق ذاته، جرت اتصالات بين مشايخ وقيادات قبائل سيناء بغية توحيد جهودهم بشأن التصدي للتنظيمات المتطرفة المسلحة في مناطقهم، وتعزيز التعاون في ما بينهم من جهة ومع المؤسسات الأمنية والعسكرية المعنية بمكافحة المسلحين في سيناء من جهة أخرى. كما عقد مشايخ القبائل اجتماعاً في منطقة البرث في رفح، معقل قبيلة الترابين، أصدروا في أعقابه بياناً يتوعد التكفيريين بالانتقام. الأمر الذي يؤكد أن العملية الإرهابية الجبانة فشلت فشلاً ذريعاً في إخافة مواطني سيناء أو كسر إرادتهم وإجبارهم على التخلي عن دورهم الوطني في التعاون مع السلطات لمحاربة الإرهاب. لم يبتعد حادث مسجد الروضة كثيراً عن الصراع الذي احتدم أخيراً بين تنظيمي «داعش» و «القاعدة»؛ على النفوذ في المنطقة، وتطلع الأخير إلى استعادة هيمنته، بعد لملمة شتاته وإنهاء مرحلة الارتباك وفقدان السيطرة المركزية على فروعه الإقليمية، والتي تفاقمت عقب مقتل زعيمه أسامة بن لادن في أيار (مايو) 2011. ويسعى تنظيم «القاعدة» إلى استيعاب المنشقين عن «داعش»، وإعادة تنظيم الصفوف وسط حاضنة اجتماعية يأمل في نيل دعمها عبر خطاب أقل تطرفاً حيال المدنيين، محاولاً استثمار تردّي أوضاع «داعش» بعد دحره في سورية والعراق، واعتقال قادة السلفية الجهادية داخل غزة وتدمير الأنفاق، ودخول بعض قبائل سيناء على خط المواجهة، وهو ما قطع الكثير من محاور إمدادات التنظيم الداعشي اللوجيستية. وتمظهر الصراع القاعدي- الداعشي على قيادة دفة الإرهاب في ملامح عدة، أبرزها: الاشتباك الذي جرى في سيناء في وقت سابق من هذا الشهر، بين تنظيم «جُند الإسلام»؛ الموالي ل «القاعدة»، وتنظيم ولاية سيناء التابع ل «داعش»، إذ أصدر الأول بياناً تبنى خلاله الهجوم على الأخير، الذي سمّاه ب «خوارج البغدادي» في سيناء، كما دعا أعضاءه إلى الانضمام للقاعدة. وبينما تداولت مواقع محسوبة على تيارات تكفيرية بياناً، لم يتسنّ التأكد من صحته، منسوباً إلى تنظيم «ولاية سيناء» التابع ل «داعش»، يعلن فيه تبني الهجوم، أصدرت جماعة «جند الإسلام» المحسوبة على «القاعدة»، بياناً تبرأت فيه مِن الهجوم على مسجد الروضة وانتقدت منفذيه. تبقى الإشارة إلى أن سرعة رد الدولة المصرية على حادث مسجد الروضة الإرهابي، إنما تؤكد إصرارها على استئصال شأفة الإرهاب مهما بلغت قدراته وأياً كان داعموه. * كاتب مصري.