أصبحت مشاريع تحلية مياه البحر هي التحدي الأكبر أمام مصر في السنوات المقبلة، لمواجهة خطر النقص المائي في المستقبل، خصوصاً في ظل عدم الاتفاق مع إثيوبيا على آليات تشغيل سد النهضة، إثر توقف المفاوضات الفنية بين مصر وإثيوبيا والسودان حول اعتماد تقرير يتناول الآثار الفنية لبناء السد، مع بدء عملية ملء السد وتشغيله. وأصبح تحقيق مصر الاكتفاء الذاتي من المياه هدفاً حيوياً بعد أن باتت خياراتها محدودة، عقب فشل المفاوضات نتيجة تحفظ إثيوبيا والسودان على التقرير الاستهلالي الذي أعده المكتبان الاستشاريان الفرنسيان حول سد النهضة، في الوقت الذي تسعى مصر إلى الاستفادة من زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين إلى مصر في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، لرئاسة وفد بلاده في اجتماعات اللجنة العليا لحل الخلافات الخاصة بأزمة السد. وينص اتفاق إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة الذي وقعته مصر مع إثيوبيا والسودان في الخرطوم في آذار (مارس) 2015، على إخطار دولتي المصب بأي ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد، لضمان الاستمرارية والتعاون والتنسيق حول تشغيل سد النهضة مع خزانات دولتي المصب. وكان رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية اللواء كامل الوزير، صرح بأن مصر بدأت إنشاء أكبر محطات تحلية مياه البحر في العالم في منطقة العين السخنة شرق القاهرة، التي ستعمل على تنقية 164 ألف متر مكعب من المياه يومياً لتغذية المنطقة الاقتصادية بشمال غرب خليج السويس، إلى جانب 3 محطات عملاقة أخرى بطاقة 150 ألف متر مكعب يومياً في الجلالة (شرق بورسعيد) ومدينة العلمين الجديدة بمحافظة مطروح في الشمال الغربي، مشيراً إلى وجود تكليف بإنشاء محطات لتحلية مياه البحر في المدن الجديدة التي تم إنشاؤها في المناطق الساحلية. وأوضح الوزير أن الدولة نفذت محطات تحلية في منطقة مطروح والضبعة تعمل على تحلية 100 ألف متر مكعب يومياً، ومحطات في جنوبسيناء بطاقة 20 ألف متر مكعب يومياً للواحدة، إلى جانب محطة في الغردقة على مساحة 80 ألف متر مربع، لافتاً إلى أن «مجموع ما نعمل على تحليته اليوم بلغ مليون متر مكعب من مياه البحر فقط، وهذا الرقم سيرتفع مستقبلاً عقب الانتهاء من تنفيذ بقية المحطات. وأشار نور عبدالمنعم، خبير شؤون المياه والأمن القومي بمركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، أن محور الخلاف بين مصر وإثيوبيا في أزمة سد النهضة هو أن القاهرة تريد أن تحدد عدد سنوات ملء خزان السد كي لا تؤثر سلباً على موارد مصر المائية، ولفت إلى أنه كلما زادت مدة ملء الخزان قل التأثير السلبي على مصر، أما إذا تم امتلاء السد في 3 سنوات فسيكون التأثير المائي على مصر أكثر سلبية ويضعها في أزمة مائية في ظل تزايد عدد السكان. ورأى أن الدولة تسعى إلى تأمين احتياجاتها من المياه خلال العقود القادمة نظراً لزيادة الكثافة السكانية، حيث إن نصيب الفرد العالمي من المياه 1000 متر مكعب من المياه سنوياً، مشيراً إلى أن استهلاك مصر الحالي 75 بليون متر مكعب من المياه سنوياً، في حين أن حصة مصر من مياه النيل 55.5 بليون متر مكعب فقط، لافتاً إلى أن عدد سكان مصر بعدما أصبح 100 مليون يستدعي توفير 100 بليون متر مكعب من المياه. ونبه عبدالمنعم إلى أن مصر على أبواب مشكلة مائية صعبة جداً بسبب الزيادة السكانية الكبيرة، لافتاً إلى أنه من المتوقع أن يزيد تعداد سكان مصر إلى 150 مليون نسمة عام 2050 بحسب دراسات أخيرة، الأمر الذي يستدعي توفير 150 بليون متر معكب سنوياً من المياه، موضحاً أن مصر أصبحت تأخذ في الاعتبار أهمية توفير بدائل لزيادة واردتها المائية بالإضافة إلى حصتها الحالية من مياه النيل. وأوضح عبد المنعم أن الدولة وضعت استراتيجيات جديدة لتنمية إيراداتها المائية عن طريق التوسع في مشاريع تحلية مياه البحر وزيادة معدلات المياه الجوفية وترشيد استخدامات المياه الحالية والعمل على زيادة الوعي المائي لدى المواطن، والخطوات التي اتخدتها مصر في الفترة الأخيرة لزيادة إيراداتها من المياه، مؤكداً أن تحلية مياه البحر أصبحت ذات تكلفة عالية ولكن لا سبيل إلا للجوء لتلك الوسيلة لتجنب مخاطر النقص المائي.