تشير دلائل إلى أن العلاقات بين غالبية المؤسسات الصحافية ووزارة الثقافة والإعلام تتجه إلى التأزم، بعدما بدأ العاملون في الصحافة يضيقون بمساعي الوزارة المستمرة لتضييق هامش الحرية الذي اجترحته الصحافة المحلية في ظل الإصلاحات التي يطبقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز. وعلمت «الحياة» أن دعاوى الوزارة طاولت أخيراً نحو عشرة من كتاب المقالات في صحف عدة لمؤاخذتهم على ما تعتبره الوزارة مخالفاً لتوجيهاتها. وقال رئيس هيئة الصحافيين السعوديين تركي السديري ل«الحياة» إن أحكام لجنة المخالفات الإعلامية التابعة للوزارة بحق الصحف «بعيدة عن الموضوعية». ووصف السديري عقوباتها بحق الصحافيين بأنها «في منتهى القسوة، وأجزم بأنها لا توجد في أي بلد عربي». وعلمت «الحياة» أن عدداً كبيراً من دعاوى وزارة الإعلام على الصحف وكتابها يتمحور أخيراً حول تناولهم لما نشر على نطاق واسع حول ما عرف بقضية «مؤخرة الدجاجة» التي نشرت في إحدى الصحف المحلية. يذكر أن تلك الصحيفة نشرت خبراً عن حكم على وافد ذُكِر أنه دين بتهمة سرقة مؤخرة دجاجة، ما أثار ردود أفعال متباينة في أعمدة صفحات الرأي، وإن كان الخبر تم نفيه لاحقاً. وطاولت قرارات اللجنة باستدعاء الصحافيين وطلب إفاداتهم عشرات الكتاب والصحافيين لمواجهة دعاوى ناجمة عمّا يكتبون من آراء وأفكار. ويجمع الصحافيون على أن الصحافة نجحت خلال السنوات الماضية في توسيع هامش الحرية، مع استمرار التزامها بالمهنية والصدقية، ومراعاة الضوابط الشرعية والنظامية، ولن يكون بوسع الوزارة إلغاء ذلك التقدم الإيجابي بأحكام على الصحافيين والكُتاب تتسم بالقسوة، وبأنها لا يسندها سند من توجهات الدولة والمصلحة العليا للوطن. ودعا رئيس هيئة الصحافيين السعوديين الزميل تركي السديري وزارة الثقافة والإعلام إلى ضرورة إعادة تشكيل لجنة النظر في المخالفات الإعلامية، بعد إصدارها أحكاماً تجاه الصحف، وصفها بأنها بعيدة عن الموضوعية». وقال السديري ل«الحياة»: «الحقيقة أننا في الصحف وجدنا أنفسنا أمام وضع معاكس لما تريده الدولة أن يتحقق من خلال المرونة في التعامل مع الإعلام، وذلك بعد تحويل محاكمة الخطأ الصحافي من المحاكم إلى الوزارة، والسبب أن لجنة المخالفات أصدرت أحكاماً غير عادلة وبعيدة عن الموضوعية». وأضاف السديري: «كيف للجنة أن تأتي وتضع رئيس التحرير في أولوية من يستحقون العقوبة؟! رئيس التحرير لا يتحمل كل الأخطاء التي تقع في صحيفته، لأنه قد يكون أساساً غير موجود طوال الوقت لتعدد التزاماته، وقد يكون مشاركاً في منتدى أو ندوة، فكيف يتم إصدار العقوبة بشكل مباشر، خصوصاً أنه من غير المعقول أن يكون رئيس التحرير مطلعاً ويقرأ الصفحات بأكملها في صحيفته». وقال السديري: «الذي يحدث مع الأسف أن الصحف تفاجأ بعقوبات في منتهى القسوة، وتصل عقوبة الصحافي إلى دفع 50 ألف ريال، وعقوبة أخرى على الصحيفة بحدود هذا الرقم، وكل ذلك من أجل خبر عادي، حتى لو كان غير عادي فهو حتماً ليس جريمة، خصوصاً أن 80 في المئة من العاملين في الصحيفة رواتبهم الشهرية لا تتجاوز 10 آلاف ريال». وأضاف: «هذه القرارات يجب أن توقف، لأن فيها قسوة على الصحافة، وأجزم بأنها لا توجد في أي بلد عربي آخر». لكنه أشار إلى أنه منذ مجيء وزير الإعلام الحالي عبدالعزيز خوجة تم خفض هذه القرارات بشكل نسبي، ملفتاً إلى أن الحرية في الصحافة السعودية موجودة حالياً، وتختلف عمّا كانت عليه قبل عشر سنوات.