1 منذ مطلع هذا العام، لم تخلُ أي جلسة، رسمية أو «قهوية»، داخل اليونيسكو أو خارجها، من توجيه الأسئلة إليّ عما يجري في العالم العربي. مع أني أعرف أن معظمهم يعرف عمّا يجري أكثر ممّا أعرف! هم، في الحقيقة، لا يريدون رأيي بل يريدون مني، بصفتي مواطناً عربياً، أن يعرفوا ما أتمناه وما أخشاه! حين يتحدث الفرنسيون عن «الثورة»، أية ثورة، يُشعرونك بأنهم يتحدثون عن طبخة أو طبق فرنسي لا يجيد صنعه وضبط بهاراته وتمليحه سوى الفرنسيين. الفرنسيون يؤمنون بأن كل ثورة في العالم، حدثت من قبل أو ستحدث من بعد، هي مجسّم أو تمثال صغير لشخصية الثورة الفرنسية الكبرى. ولذا فهم عند الحديث عن أي ثورة في العالم ينسبونها إلى قادتها أو مواطنها التي وقعت فيها، لكن عند الحديث عن الثورة الفرنسية فيكفي إيراد كلمة «الثورة» وحدها لتدل على الثورة الفرنسية. تتكرر طريقة التفكير الفرنسية نفسها عند ذكر عام 1968، فذلك العام المكتظ بأحداث كبرى في العالم: حيث انطلقت موجة التمرد على جبروت الاتحاد السوفياتي عبر «ربيع براغ»، واهتزت هيبة الولاياتالمتحدة على أرض فيتنام، وبدأت حركات تمرد السود عقب اغتيال مارتن لوثر كينغ، وأخذت حركة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي منعطفاً جديداً في أعقاب نكسة 1967. كل هذه الأحداث الجذرية لا تطغى في الذاكرة الفرنسية على الحركة الطالبية الفرنسية، المهمة أيضاً، في أيار (مايو) 1968. كما أن أسماء مؤثرة برزت ذلك العام مثل مارتن لوثر أو ياسر عرفات أو الكسندر دوبتشيك، لا يمكن أن تصطف أبداً بجانب رموز الحركة الطالبية الفرنسية: سارتر وفوكو ودولوز. 2 لكن ذلك البريق الفرنسي ما عاد موجوداً، سوى في الخطاب الثقافي. أما الخطاب السياسي فهو الآن أبعد ما يكون عن أنفاس ثورة 1789 أو ثورية أيار 1968. فرنسا الآن منشغلة بالثورة «الساركوزية» على التاريخ الفرنسي العريق. لذا فلا عجب من الارتباك والتخبط اللذين تغشّياها إزاء ثورة تونس... البلد الفرنكوفوني، فكيف إزاء سواه؟! لننظر... أذاعت محطة تلفزيون «فرانس 24»، الأسبوع قبل الماضي، أن صادرات الأسلحة الفرنسية انخفضت بمقدار النصف في عام 2010 عن العام الذي قبله. ويرجع هذا الانخفاض إلى أن فرنسا قد واجهت صعوبة في بيع طائراتها المقاتلة (رافال) التي كانت فرنسا تعوّل عليها كثيراً في تحسين موازنة صادرات الأسلحة في العام الجديد. و (رافال) الآن هي إحدى أهم الطائرات التي تشن ضربات على ليبيا إثر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، الذي عملت الحكومة الفرنسية بقوة و «ضمير إنساني!» غير معهود، على جمع التأييد له وسرعة إنفاذه. من الجميل أن يُدحر القذافي ويُحمى الشعب الليبي من وحشية الكتائب القذافية، لكن من القبيح أن يكون الوطن العربي «دكاناً» لتصريف الأسلحة الغربية الكاسدة. 3 الفرنسيون يريدون أن يجعلوا الثورة الفرنسية «أيقونة» الثوريين... في كل مكان وزمان. لكن ساركوزي (شبه الفرنسي) يريد أن يبيع الأيقونة إلى ثوار أثرياء! * كاتب سعودي [email protected] www.ziadaldrees.com