انتقد وكيل وزارة الخارجية السعودي للعلاقات المتعددة الأطراف الأمير تركي بن محمد الكبير الممارسات الإيرانية في المنطقة، خصوصاً «التدخلات الفارسية السافرة في شؤون الدول العربية»، متهماً إيران بالعمل على تصدير «الثورة» إلى الدول المجاورة، وشدد على رفض السعودية الاعتداءات على بعثاتها الديبلوماسية في إيران، مهدداً بإجراءات أخرى، وقال: «ستكون هناك إجراءات أخرى لو تكررت الاعتداءات، وأتمنى ألا تضطر الرياض لسحب بعثاتها الديبلوماسية في حال تكررت الاعتداءات عليها من أي طرف في إيران». وحذّر الأمير تركي بن محمد، في ندوة بعنوان «المملكة والعالم... رؤية استراتيجية للمستقبل» عقدت في الرياض أمس، على هامش مهرجان «الجنادرية 26»، من المساعي الإيرانية لتطوير مفاعلاتها النووية، و«مما قد يسببه وجود أحد المفاعلات النووية الإيرانية بالقرب من منطقة الخليج من كارثة بيئية لدول المنطقة في حال وقوع حادثة أو تسرّب». وتساءل: «لماذا تريد إيران أن تكون دولة نووية؟ هل تريد محاربة أوروبا وأميركا؟ بالتأكيد لا تستطيع ذلك، وإنما تريد ذلك لأهداف إقليمية، من أجل فرض مزيد من السيطرة على المنطقة، من خلال حيازة سلاح الدمار الشامل». وأضاف: «نسعى إلى أن تكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وليس من مصلحتنا أن يكون هناك تسابق على هذا السلاح المدمّر، فلا توجد دولة تقبل أن تكون مهددة، ومن حقها اتخاذ الإجراءات لحماية مصالحها وأمنها وشعبها». وقال: «لم نتدخل في الشأن الإيراني، على رغم وجود المتغيّرات التي تمكّن من التدخل في شأنهم الداخلي، ولكننا نحجم عن ذلك»، وطالب إيران بأن تكف عن التدخل في شؤوننا الداخلية الخليجية والعربية، «فنحن أدرى بمشكلاتنا وأهل مكة أدرى بشعابها، وقضايانا نحلها من منطلق معتقداتنا ومبادئنا ومفاهيمنا، وليس من خلال فرض رؤى ومصالح خاصة لديهم». وأضاف: «إيران تسعى للسيطرة على الدول المجاورة من خلال محاولة إذكائها للطائفية في العالم العربي والإسلامي، وهو الأمر الذي لم يكن موجوداً قبل وصول الخميني للحكم». واتهم إيران «بمحاولات تصدير مفهوم الثورة للدول المجاورة عبر استغلالها للطائفية واتخاذها مطية لتحقيق أهداف سياسية». وأوضح أن ما حصل في البحرين من مطالبات شعبية كان سيكون إيجابياً لولا التدخلات الخارجية، إذ بدأت بمطالب شرعية ولا خلاف على ذلك، وفتحت الدولة باب الحوار، وكان هناك قبول مبدئي، ولكن حدث تغيّر مفاجئ في المواقف، وارتفع سقف المطالب من خلال المطالبة بإزالة الحكومة وإنشاء الجمهورية الإسلامية، وتساءل: «أليس من حقنا الوقوف أمام هذا التدهور، خصوصاً أن أمن واستقرار دول الخليج هو خط أحمر لنا في السعودية، ولن نقبل بأي حال من الأحوال التعرّض لها من إيران وغيرها». وقال: «نحن ضد الطائفية الدينية أو السياسية، خصوصاً أنها لا تخدم مصلحتنا، فنحن كلنا عرب ومسلمون سنة أم شيعة في هذا الوطن العربي الكبير، ويجب أن نسعى وفق هذا المنظور سواءً سنة أم شيعة، مضيفاً: «للشيعة منا كل التقدير والاحترام، ويجب أن تكون المطالبات دائماً ضمن الإطار الوطني، سواءً هم أو غيرهم، فطالما أني مواطن فلي حق التساوي مع الآخرين، ويجب أن يكون ولائي لوطني وليس لغيره، وإذا كانت هناك مشكلات فيجب أن تعالج وتحصر داخل الإطار الوطني». ولخص وكيل وزارة الخارجية للعلاقات متعددة الأطراف الأمير تركي بن محمد الكبير أبرز مبادئ السياسة الخارجية للمملكة، «في الاهتمام بتعزيز مصالحها ومكتسبات شعبها وأمنه واستقراره، والسعي إلى تطوير قدراتها الاقتصادية وبناء نهضتها الشاملة من أجل تقدم شعبها ونهضته ورفاهيته، والدفاع عن مصالح الأمة العربية والإسلامية وقضاياها العادلة في المحافل الدولية، وإبراز الوجه الحضاري المشرق للحضارة الإسلامية وأسسها التاريخية والثقافية والإنسانية العريقة، والمساهمة مع المجتمع الدولي في تحمل مسؤوليات تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين، وفق مبادئ وميثاق الأممالمتحدة وبقية المواثيق والاتفاقات الإقليمية والدولية وقواعد القانون الدولي العام، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، مع عدم السماح للغير بالتدخل في شؤونها». وأضاف: «قبل هذا جميعه تأتي الثروة البشرية حيث يعد سكان المملكة من أكثر دول العالم شباباً، وتمثل شريحة الشباب 60 في المئة من إجمالي السكان، وتنفق حكومة المملكة بسخاء على تطوير الكادر البشري ورفع مستواه التعليمي والمهني، وبالتأكيد فإن تمتع المملكة باستقرار سياسي وتطور اقتصادي يساعد في المضي في مسيرتها التنموية وتطوير علاقاتها الخارجية»، مبيناً أن المتتبع لمسار السياسة الخارجية للمملكة في الوقت الحاضر «لا بد أن يلحظ الدور العظيم الذي يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إذ حرص دائماً على تعزيز علاقات المملكة مع المجتمع الدولي والهيئات الدولية وبناء هذه العلاقات على أسس واضحة من الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة». وقال إن جميع تحديات السياسة الخارجية ليست مرتبطة بالعلاقات بين الدول، «بل إن منها ما يرتبط بالظواهر الدولية التي لا ترتبط بدول محددة، مثل ظاهرة العولمة والتي تعاني من تياراتها العديد من الدول والشعوب، على رغم ما لها من منافع بطبيعة الحال تجاه نقل المعارف والتكنولوجيا ورفع الكفاءة الاقتصادية والتمثيل الأمثل للموارد»، موضحاً أن صياغة تعريف دقيق للعولمة «ليس أمراً هيناً لارتباطه بعوامل ثقافية وفكرية عدة، إلا أنه يمكن تعريفها بصورة عامة باعتبارها ترتبط بالتغيرات والمستجدات التي ينجم عنها تراجع حاد في الحدود الجغرافية والاقتصادية والثقافية وانكماش العالم نتيجة لذلك». وأوضح الأمير تركي بن محمد الكبير أنه نظراً لهيمنة الغرب على توجيه دفة العولمة والقيم والمبادئ الغربية التي تروج لها، «فقد نظر إليها كثير من المفكرين خصوصاً في الدول النامية بصفتها حركة تغريبية مناوئة للثقافات المحلية. وقد حذّر كثير من الباحثين من أن العولمة تهدد الكثير من الدول من حيث تقويضها لأركان سيادة الدولة والهوية الوطنية، ولم تقتصر الشكوى من آثار العولمة على الدول النامية، بل طاولت حتى العديد من الدول الغربية مثل كندا في القارة الأميركية والعديد من الدول الأوروبية، والتي سارعت إلى اتخاذ احتياطاتها لحماية خصوصياتها وثقافاتها من الاندثار تحت الهجمات المدمرة للثقافة الاستهلاكية التي تجلبها رياح العولمة المدفوعة بقوة من التكنولوجيا، والمحمية من الدول الكبرى والشركات المتعددة الجنسيات العملاقة».