استيقظت ذات صباح على إشاعة تداولها موقع إلكتروني، هذه الإشاعة تتضمن إيقاف زميلة من الكاتبات في إحدى الصحف المحلية، فأرسلت لها رسالة أسألها عن صدق ما ورد فيها، فردت لي بجواب واحد لا تسمعه إلا عندنا «ليس بعد». ليس بعد، ربما يعني أن الدور قادم، وأننا كلنا في طابور لم يأت رقمنا المطلوب فيه. أما لماذا تقول زميلتي هذا الكلام؟ فلأنه قبلها وفي الصحيفة نفسها أُوقف أربعة أو خمسة من الزملاء، وجاء في صياغة وقفهم عن الكتابة «تمتعوا بإجازة مفتوحة»، وطبعاً هي إجازة إجبارية غير مدفوعة الراتب، وهذه الصياغة وإن كانت لا تعبّر عن أنها إجازة حقيقية، فإنها ربما تشير إلى أن مهنة الصحافة لدينا ليست سوى نزهة برية أو رحلة قنص. هذه العبارة «خذ إجازة مفتوحة» وصلت زملاءنا الموقوفين عن الكتابة، كما وصلتني منذ سنوات في مناسبة أخرى سعيدة، وأنا شخصياً لا ألوم الزميل ناقل هذه العبارة، فهو من الأدب بحيث لا يستطيع نقل مسوغات إيقافك، فماذا يقول لك؟ إنك لا تعرف تكتب، وهو الذي استكتبك، وربما سرقك من صحيفة كنت تكتب فيها آمناً حامداً نعمه، ثم يقوم الآن بإرسالك في إجازة مفتوحة؟ ماذا يقول لك؟ والله موقف محرج، عليك أن تتفهمه. المهم أن هذا الكاتب في إجازته المفتوحة فكّر كثيراً في حياته الصحافية في ما أمضاها، وفي حبره وفي ما أساله، وأي قضية أوقعته في كل هذه المتاعب؟ وحين لم يعرف جواباً، سمع إشاعة تقلل من كل ما حدث، تتلخص في أن سبب إيقافه هو مزاج صاحب الصحيفة، وهو «عاوز كدا». ومن حق صاحب الصحيفة أن يوقفك، عندك اعتراض؟ الصحافة لدينا تقدّر المزاج وتجله هذا صحيح، لكن السؤال هو: ما هي تنظيمات هذه المهنة التي يتسابق على صناعتها وجهاء ورجال أعمال، وهم يعرفون أهميتها وخطورتها، وأيضاً مكاسبها؟ وإن كانت الدعوى هكذا مزاجاً في مزاج، فلماذا توجد هيئة للصحافيين؟ لماذا الخسائر وضياع الوقت والاجتماعات؟ رخصة عمل، وبناء كبير، وقائمة تنظيمية ثارت من أجلها خلافات واحتجاجات، ويافطة مكتوب عليها هيئة الصحافيين، وكل اجتماع تظهر صور أعضاء مجلس الهيئة مجتمعين ومبتسمين؟ ولماذا حين يصادر حق صحافي أو يتم إيقافه، أو لا تلتزم صحيفة بتنظيم الحقوق لعامليها، تعتبر الهيئة أن هذا شأن داخلي؟ ولماذا حين يستخدم بعض خطباء المساجد المنبر في قذف الصحافيين، بل ويحدّد صحفاً بأسمائها ويحتج عليها الصحافيون، فإن المزاج الشخصي للهيئة لا يروق له الدفاع عنهم، ويقول للمهاجمين «روحوا الله يسامحكم». مزاج هيئة الصحافيين وجد مرة في حادثة تعرضت لها صحافية عربية التزاماً يدعوه لشجب ما حصل لها، واعتباره عملاً يمس أمن الصحافة وحريتها، بل وتبرع بمبلغ من المال لمساعدتها، هذا العمل لم يأت من باب التوسع في حفظ الحقوق الصحافية لبقية الزملاء العرب وإلا كنا دعمناه، لكنه للأسف جاء أيضاً من باب المزاج، وحين أعلنت منظمة «مراسلون بلا حدود» في عام 2008، أن الصحف السعودية في مؤشر «حرية الصحافة» احتلت منزلة هي الأسوأ من بين مثيلاتها، وصلت إلى المرتبة 161 من 168، فإن هذا كان مدعاة لأن يخرب المزاج، وأن تستنكر هيئتنا. وتغضب الحقيقة ما لهم حق، أقصد «مراسلون بلا حدود» طبعاً لأنهم خربوا المزاج. [email protected]