مصراتة (ليبيا) - أ ف ب - يتنقل حسن بلا توقف بين مراكز التفتيش في سيارة الإسعاف التي يقودها، فيسلك الأزقة المتشابكة التي تحمل آثار الرصاص لتفادي القناصة أثناء جولته في مدينة مصراتة التي تحاصرها قوات معمر القذافي منذ أسابيع. ويقول الطبيب محمد الجالس إلى جانب حسن ويبدو عليه التعب الشديد: «أحتاج إلى النوم. أريد أن أنام في مكان لا تدور فيه حرب». وتتعرض مدينة مصراتة الساحلية الكبيرة الواقعة على مسافة 200 كلم شرق طرابلس منذ نهاية شباط (فبراير) الماضي إلى قصف كثيف من القوات الموالية للقذافي. وازدادت حدة القصف منذ بضع ليال، ليسقط عدداً متزايداً من الضحايا ويحرم الطواقم الطبية من النوم. ويصادف حسن على طريقه فجوات جديدة كل يوم نتيجة استمرار القصف، غير أن الخطر الأكبر ناجم عن القناصة الذين يستهدفون المارة والسيارات، لا سيما قرب شارع طرابلس، المحور الرئيس في المدينة التي باتت أشبه بمدينة أشباح. وتمكن الثوار من السيطرة على هذا الشارع بعزله عن الجبهة بواسطة شاحنات من جانب سوق الخضار، لكن الطبيب محمد أشار إلى أن «القناصة قابعون في عمارة التأمين في الطرف الآخر من شارع طرابلس. ومن هناك يمكن رؤية مصراتة بكاملها». وفي موقع للثوار أقيم في مشغل مطبعة قديمة، يلجأ المقاتلون الشباب الذين حملوا السلاح بين ليلة وضحاها بعدما كانوا مواطنين عاديين قبل الانتفاضة، إلى استخدام مرايا لمراقبة شارع طرابلس. وتواصل سيارة الإسعاف دورتها، وبعد مسافة قصيرة يخرج ثوار إلى العراء في شاحنة صغيرة مجهزة برشاشات ليطلقوا النار على مبنى يشتبه بأنه يؤوي قناصة، فيما تنفجر قذائف هاون. ومعظم المقاتلين لا خبرة لهم في القتال وأسلحتهم الوحيدة بنادق صيد بسيطة وأحياناً رشاشات كلاشنيكوف استولوا عليها من مستودعات الجيش النظامي. ويقول أحد الثوار ساخراً إنه بالنسبة إلى المدنيين، فإن «الأسلحة محظورة في ليبيا، هذا هو القانون». غير أن مصراتة تبدو منظمة قدر الإمكان مقارنة بمدن أخرى من البلاد سيطر عليها الثوار وتعمها الفوضى. ففي مصراتة تنتشر مراكز مراقبة تحدد مناطق الخطر، فيما يبدو المقاتلون الشبان منضبطين. وأقيمت حيث أمكن الأمر ممرات خاصة لطواقم الإغاثة مثل حسن ومحمد، ما يسمح لسيارات الإسعاف بتفادي الفجوات والمطبات التي زادت في بداية المواجهات من خطورة بعض الإصابات أثناء نقل المقاتلين والمدنيين الجرحى إلى المستشفى. ويقول طبيب التخدير الإيطالي باولو غروسو الذي أرسلته منظمة «ايميرجنسي» إن السبت الماضي «كان صعباً جداً، كان هناك الكثير من الجرحى» بمن فيهم أطفال. وسقط السبت ما لا يقل عن ستة قتلى و31 جريحاً في مصراتة، بحسب مصادر طبية. وزاد من عدد الضحايا استخدام قوات القذافي قنابل عنقودية محظورة منذ عام 2010. وأجلت منظمة «أطباء بلا حدود» 99 جريحاً، عشرة منهم في حال «حرجة» من طريق البحر، وهو الطريق الوحيد الذي يربط مصراتة بالعالم.