لم تكَد لجنة الإدارة والعدل في البرلمان اللبناني تقر اقتراح قانون الحدّ من التدخين في الأماكن العامة المغلقة وفي المقاهي والملاهي ومنع الإعلانات عن التدخين في وسائل الإعلام، حتّى بدأت ردود الفعل السلبية تتوالى من قبل شركات التبغ والمؤسسات المعنية بالقانون كالمقاهي والملاهي. إلا أنّ الأنظار كانت تتجه الى فئات شعبية أخرى هي الشباب، الذين تصل نسبة المدّخنين بين من تتراوح أعمارهم بين 13 و 15 سنة الى 60 في المئة. وتعتمد هذه الأرقام المرعبة على دراسة أجرتها مجموعة أبحاث التدخين في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت بالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية والبرنامج الوطنيّ للحدّ من التدخين، لرصد ردّ فعلهم تجاه هذا القانون الذي بات تطبيقه قريباً. ولم تكن النتيجة غير متوّقعة ، فالانقسامات التي تحكم الشباب اللبنانيّ في العديد من المجالات انتقلت الى تأييد أو رفض هذا القانون المتوّقع إصداره قريباً ليصبح حكماً ملزماً على جميع المؤسسات والأفراد. ويوجز إبراهيم خليل الناشط في حملات عدة للحد من التدخين مشكلة القانون بالآتي: «كما أنه لا يمكن تحقيق إجماع كامل حول أي موضوع في لبنان، كذلك قانون التدخين هو موضوع جدليّ بالنسبة الى الكثير من الشباب». وبحسب إبراهيم، فان اقتناع الشباب اللبنانيّ المُدخِّن بجدوى منع التدخين سيتطلب وقتاً طويلاً نسبياً، إلا ّأنّهم «سيضطرون الى مواجهة الواقع والرضوخ له والتخلّي تدريجاً عن هذه الآفة تماماً كما ستضطر المؤسسات الى الالتزام بالقانون». غير أنّ الواقع يظهر أنّ صوت الشباب المُحبّين للسهر يمكن أن يكون أعلى من أصوات مديري المقاهي والملاهي، إذ يجدون في هذا القانون استهدافاً لهم بما أنّه يمنعهم من التدخين في أماكن الترفيه. وهذا الرأي غير مرتبط بفئة صغيرة من الشباب، فقد أظهرت دراسة نشرتها «الدولية للمعلومات» مطلع 2011 أنّ 44 في المئة من الشباب الجامعي يسهر ليلياً خارج المنازل و41 في المئة منهم يسهرون مرتين في الأسبوع، فيما لم تزد نسبة الذين لا يسهرون إطلاقاً عن 1 في المئة. لذا فإنّ الفئة الشبابية التي ترتاد المقاهي والملاهي باحثة عن لحظات من اللهو تشكّل نسبة عالية يجب أخذها في الاعتبار لمساعدتها على فهم أهمية هذا القانون وضرورة إقراره، بدل دفعها الى معاندته ورفض تطبيقه. ومنذ اللحظات الأولى التي أعلن فيها إقرار مشروع القانون، بدأ مديرو المقاهي والملاهي الاستعداد لبداية التطبيق، على رغم أنّ القانون أعطى مهلة سنة لهذه المؤسسات قبل أن يصبح سارياً. غير أنّ الإجراءات لن تكون سهلة أبداً بحسب ريمون بيطار، الذي يعمل مسؤولاً عن الموّظفين في أحد مقاهي وسط بيروت, المشكلة ستكون في طريقة التعاطي بين النادل والزبون. ويقول ريمون: «حين يصبح القانون نافذاً سنطّبقه حتماً، لكن أكثر ما نخشاه هو المشاكل التي ستبدأ مع الزبائن الذين سيسألون عن النرجيلة والسيجارة، ولن نستطيع تلبية مطالبهم وخصوصاً الشباب منهم الذين نحبّذ عدم الدخول في جدل طويل معهم». وبدأ ريمون التحضير مع الموّظفين لتحديد طريقة التعامل مع الزبون المُدخِّن وكيفية إخباره بأنّ التدخين ممنوع من دون إثارة جلبة في المقهى. غير أنّ ريمون لا يبدو متوجساً من نتيجة إقرار هذا القانون على أرباح المقهى، إذ يرى أنّ هناك فئات غير مُدّخنة ستبدأ ارتياد المقاهي بعدما كانت هَجَرتها بسبب الدخان الكثيف المنبعث من السجائر والنرجيلة. هذه النظرة السوداوية تجاه قانون الحدّ من التدخين الذي تمّت إحالته الى الهيئة العامة لمجلس النوّاب، يقابلها العديد من الآراء الإيجابية خصوصاً من قبل الشباب غير المدخّنين والذين يبدون انزعاجهم من تحوّل المقاهي والملاهي كما الإدارات الرسمية والمؤسسات والمدارس والنقل العام وحتى المستشفيات الى «مداخن» تنبعث منها الروائح والدخان المؤذي. وتلفت الطالبة في كلية الصحة العامة في الجامعة اللبنانية كارلا سلامة الى أنّ الوضع الصحيّ في لبنان لم يعد يحتمل التأجيل، وبالتالي هذا القانون هو أكثر من ضروريّ لوقف التدهور الصحيّ لدى اللبنانيين مهما كانت طبيعة المعارضة ضدّه. وتؤكد الدراسات ما تقوله كارلا، إذ أظهرت الدراسة التي أنجزتها الجامعة الأميركية في بيروت أنّ التدخين السلبيّ (أي التعرّض لدخان تبغ صادر عن الآخرين) يعرّض الشخص ل5000 عنصر كيماوي بينها 172 عنصراً مضراً ومنها 67 مادة مسرطنة. وأمام هذه الأرقام لا يعود مفاجئاً أن يكون معدّل حالات السرطان في لبنان يفوق معدّلات دول المنطقة كافة. وبالتالي، فإنّ توعية الأفراد الرافضين لمثل هذا القانون من خلال إطلاعهم على هذه الأرقام التي تحمل دلالات مهمة تبدو السبيل الأفضل لوقف الجدل الحاصل حول الحدّ من التدخين في الأماكن العامة.