بعيداً عن وعود أمانة محافظة جدة وملاحظات وتطلعات المراقبين، ما زال عشم أهالي المدينة الساحلية في قضاء عام خالٍ من تسلل مخاوف الإصابة بالضنك، كعشمهم في هطول أمطار من دون حدوث كارثة سيول بعدها. وأفصح عباس الزاهر بأن تعويله على تحرك أمانة جدة بطريقةٍ أكثر «ديناميكية» بدء بالتلاشي يوماً بعد آخر، خصوصاً أن الأصوات بحت وهي تطالب بتحركٍ عاجل لوقايتهم من أخطار السيول وما يتبعها من تداعيات. وقال ل «الحياة»: «أضحى التعويل الأساسي الآن على الأهالي أكثر من الجهات الأخرى لكونهم المتضررين»، مطالباً إياهم بالتحرك في حل معضلتهم، والتخلص منها عبر إسهام كل واحدٍ منهم بمكافحة المياه في منزله، ومحيطه قدر الإمكان. ويوافقه في الرأي سعيد منصوري الذي يشدد على أن جدة باتت تلفظ أنفاسها الصحية الأخيرة، إن لم تفعّل الأمانة آلياتها في مكافحة الضنك، وحماية المحافظة من الضنك. ونادى منصوري أمانة جدة ووزارة الصحة والجهات المعنية كافة، بتخطي «البيروقراطية» التي لا تضر أحداً سوى الأهالي، وبعبارات يائسة، تساءل منصوري: «هل يجد كلامنا، آذاناً صاغية وجهوداً فاعلة؟». وفي حين أعلنت أمانة جدة اتخاذها حزمةً من التدابير للحيلولة دون عودة انتشار الضنك كما حدث قبل عامين، أكدت سعيها للتخلص من تجمعات المياه داخل المنازل بغية القضاء على البيئة التي تتيح توالد البعوضة المصرية المعروفة علمياً ب «Aedes aegypti» الناقلة ل «الفايروس» المسبب لحمى الضنك. وتمثلت التدابير التي أعلنتها الأمانة في تغيير الماء في أواني الزهور ومساقي الطيور مرةً في الأسبوع على الأقل، ورش بيض البعوض العالق على حواف الأواني قبل ملئها بالماء النظيف، والتخلص من المياه الموجودة في الأواني التي توضع تحت «أصص» النباتات، والقضاء على البيض العالق على حوافها، وتفريغ محتوى أوعية نقل الماء الأخرى من الماء، وحفظها في أماكن جافة مع تغطيتها أو وضعها مقلوبة، وتفريغ إطارات السيارات القديمة من المياه، وحفظها تحت أسقف لمنع تراكم مياه الأمطار أو المياه الناتجة من رذاذ رش الحدائق فيها. وألزمت أمانة العروس فريق الاستكشاف الحشري إلى جانب دوره في التخلص من أماكن توالد البعوض الناقل ل «الضنك»، بتدريب المواطنين كيفية التخلص من أماكن التوالد بأنفسهم، والتنبيه عليهم بمراعاة تجنب الري الزائد عن الحاجة للنباتات المزروعة في الأوعية، وتغطية المعدات المهملة في حدائق المنازل المأهولة، والمهجورة بأغطية من البلاستيك أو حفظها تحت أسقف لمنع تراكم المياه فيها. وقالت الأمانة: «على رغم أن الكثير من التجمعات المائية تكون عادةً من صنع الإنسان وموقتة، لكنها كأماكن مفضلة لتوالد هذا النوع من البعوض». ومن زاوية بيئية، يرى الخبير البيئي الدكتور علي عشقي أن مدينة جدة بأكملها غارقة في يمٍ تلوّث جمّ، نجم عن معضلة «الصرف الصحي» التي أدت إلى تلوثها أرضاً وجواً وبحراً، مبيناً أن لديها600 مخرج للمياه الجوفية ومياه الصرف الصحي، وأن إحدى المناطق في جنوبها تقذف 400 ألف متر مكعب يومياً من مياه الصرف الصحي من دون أي معالجة. وتكهّن عشقي باستحالة العيش في جدة عقب عقدين من الزمان (20 عاماً) وفقاً للمنظورين البيئي والصحي، في حال لم يتحسن وضعها البيئي، خصوصاً في ما يتعلق بقضيتي مياه الصرف الصحي الطافحة والمياه الجوفية الراكدة.br / وفي وقت أسِف فيه الخبير البيئي من افتقار جدة لبنى تحتية تحميها من مخاطر التلوث البيئي الذي يطوّقها، طالب بنقل التجارب البنغالية والهندية والصينية، التي تمكنت على الرغم من شح مواردها المالية من التعامل بنجاح مع مياه الصرف الصحي ومياه الأمطار، الراكد منها، والواقع في مجاري السيول. واستطرد عشقي: «لا يخفى على الجميع أن تفشي المستنقعات، وانتشار طفوحات مياه الصرف الصحي أسهما في تلوث جدة، إلا أنني أتعجب من صب المياه المعالجة وغير المعالجة في مجاري السيول والأودية، في تصرف لا يراعي حقوق البشر قبل البحر، فهذه المياه تطلق تفاعلات حيوية ينجم عنها غاز «الميثان» السام وغاز «كبريتيد الهيدروجين» ما يضر بصحة الإنسان، ولم يراع فيه أيضاً حقوق البحر، إذ لم تحسب أضرار الثروات الطبيعية داخله».