قال الرئيس بشار الأسد في خطاب توجيهي إلى الحكومة الجديدة إن «المناعة الداخلية الموجودة ترتبط بالإصلاحات التي سنقوم بها وبحاجات المواطنين»، وإن نجاح الإصلاح يحصن سورية من الرياح الدولية العاتية، لافتاً إلى أن «الدماء التي هدرت» في سورية خلال الأيام الماضية «آلمتنا جميعاً، ونعتبرهم شهداء جميعاً، سواء أكانوا مدنيين أم شرطة أم من القوات المسلحة». وأكد ضرورة أن تنجز الحكومة القوانين الممهدة ل «رفع» حال الطوارئ الأسبوع المقبل، قائلاً: «رفع حال الطوارئ سيؤدي إلى تعزيز الأمن في سورية. الأمن مع الحفاظ على كرامة المواطن». وكان الأسد ترأس الاجتماع الأول لحكومة عادل سفر بعد أداء أعضائها اليمين الدستورية، إذ وضع برنامج عمل لها في الفترة المقبلة، سواء بإعداد مشاريع القوانين في المجال السياسي أو الاقتصادي والخدمي. وقال في خطاب مسجل بثه التلفزيون السوري مساء امس انه أمضى «أسبوعاً حافلاً» بلقاءات مع الفعاليات الشعبية من المحافظات السورية المختلفة خلال الأسبوع الماضي «لأنني أردت أن أستمع من هذه الوفود لرأيها في المرحلة التي تمر بها سورية اليوم، ورأيها بالنقاط التي تعتقد أنها يجب أن تكون أولويات بالنسبة إلينا في الحكومة وفي الدولة عموماً». وأضاف: «بالنسبة إلى المواطنين، فإن الحكومة الجديدة تعني دماء جديدة، والدماء الجديدة تعني آمالاً جديدة وكبيرة»، لافتاً إلى أن «التحديات المطروحة أمامنا وأمام الحكومة كبيرة جداً بكبر الآمال المعلقة من المواطنين على هذه الحكومة، وهي كبيرة بكبر حجم التحديات الموجودة أمامنا سابقاً وحاضراً، ولا تستطيع أي حكومة أن تحقق أي إنجاز في أي ظرف إلا إذا كان هناك دعم شعبي»، مشيراً إلى ملاحظة وجود «فجوة بدأت تظهر بين مؤسسات الدولة وبين المواطنين، ولا بد من إغلاق هذه الفجوة ومن إيجاد أقنية بيننا وبين المواطنين تعمل باتجاهين. نوسع هذه الأقنية ونكثفها. نستطيع أن نملأ هذه الفجوة، لكن نملؤها بشيء وحيد هو الثقة، ثقة المواطن بمؤسسات الدولة». وقال إن سورية «تمر بمرحلة دقيقة جداً»، موضحاً: «هناك المؤامرة، وهناك الإصلاحات، وهناك الحاجات. المؤامرة دائماً موجودة طالما أن سورية تعمل باستقلالية، وطالما أنها تتخذ قراراتها بمنهجية لا تعجب الكثيرين، وطالما أن هناك خصوماً أو أعداء، فلا بد أن تكون المؤامرة من الأشياء الطبيعية المحيطة بنا، لذلك لا نركز كثيراً على هذا المكون». وأكد: «المهم المناعة الداخلية الموجودة داخل سورية، وهذه المناعة ترتبط بالإصلاحات التي سنقوم بها وترتبط بالحاجات، حاجات المواطنين». وتابع: «الاقتصاد هو المشكلة الأكبر والحاجات اليومية المعاشية هي المشكلة الأكبر، لكن المواطن بحاجة إلى خدمات وأمن، وكرامة، وكل هذه العناصر مرتبط ببعضه البعض. الكرامة لا تعني بالضرورة أن يهان الشخص بشكل مباشر من شخص آخر في الدولة أو خارجها، وإنما قد تعني إهمال المواطن، قد تعني تأخير معاملة له في دائرة، وقد تعني طلب الرشوة منه، وهذه إهانات للمواطن السوري علينا أن نتخلص منها بشكل نهائي، وهذه العناصر مرتبطة ببعضها بعضاً. الاقتصاد مرتبط بالخدمات، والخدمات مرتبطة بالكرامة، والاقتصاد بالكرامة، والأمن بكل هؤلاء، يعني كل هذه العناصر متداخلة ويجب أن نحققها بشكل متواز وبالوقت نفسه». وقال الأسد: «إن الدماء التي هدرت في سورية آلمتنا جميعاً، آلمت قلب كل سوري، حزناً على كل شخص فقدناه، وعلى كل جريح نزف دماً، وندعو الله أن يلهم أهلهم الصبر والسلوان، ونعتبرهم شهداء جميعاً، سواء أكانوا مدنيين أم شرطة أم من القوات المسلحة. وعلى كل الأحوال، لجنة التحقيق تستمر في عملها لمعرفة أسباب ما حصل، وتحدد المسؤولين، ولاحقاً تحاسبهم». وتحدث بعد ذلك على العناصر المتعلقة بالبرنامج الإصلاحي في البلاد، قائلاً إن «قانون منح الجنسية للأخوة الأكراد صدر منذ نحو أسبوعين، وهذا القانون من شأنه أن يعزز الوحدة الوطنية في سورية، ولا يبقى على الحكومة الجديدة سوى أن تتابع الإجراءات من أجل إنجاز مضمون هذا القانون». وعن النقطة المتعلقة ب «رفع» حال الطوارئ، قال إن لجنة تشكلت ورفعت حزمة من المقترحات المتكاملة لقوانين «تغطي رفع حال الطوارئ ضمن المعايير الدولية المتبعة في كل دول العالم. تم الانتهاء من درسها منذ أيام قليلة، وسيتم رفع هذه المقترحات إلى الحكومة من أجل تحويلها إلى تشريعات كي تصدر فوراً». وزاد: «الحد الأقصى لإنجاز هذه القوانين المتعلقة برفع حال الطوارئ الأسبوع المقبل، وإذا تمكنا من إنجازها هذا الأسبوع، سيكون أمراً جيداً. عدا عن ذلك، يجب أن تنجز في الأسبوع المقبل كحد أقصى، وأنا أعتقد أن رفع حال الطوارئ، بعكس وجهة نظر البعض الذي يعتقد أن هذا الرفع سيؤدي إلى خلل في الأمن ... أنا أعتقد بالعكس تماماً أن رفع حال الطوارئ سيؤدي إلى تعزيز الأمن في سورية. الأمن مع الحفاظ على كرامة المواطن». وأشار إلى أن بين القوانين المقترحة واحداً لقانون السماح بالتظاهر «لأن الدستور السوري يسمح بالتظاهر، لكن لا يوجد لدينا قانون ينظم عملية التظاهر. وهذا الإجراء عملياً هو تحد لأن الشرطة لم تهيأ في سورية لمثل هذه المواضيع، فلا بد من تهيئة جهاز الشرطة بشكل أساسي ودعمه بالعناصر والمعدات وربما بالهيكلية وإعادة النظر بالهيكلية لكي تتماشى مع الإصلاحات الجديدة، فمن مهمات الشرطة أن تقوم بحماية المتظاهرين، وفي الوقت نفسه حماية الأشخاص الآخرين والأملاك الخاصة والعامة من أي محاولة للتخريب أو للعبث بأمن المواطنين». وزاد: «عندما تصدر هذه الحزمة لا تعود هناك حجة لتنظيم التظاهرات في سورية، والمطلوب مباشرة من الأجهزة المعنية، خصوصاً وزارة الداخلية، أن تطبق القوانين بحزم كامل، ولا يوجد أي تساهل مع أي عملية تخريب»، لافتاً إلى انه «بهذا القانون نكون قد فرزنا بين الإصلاح والتخريب، وهناك فرق بين مطالب الإصلاح ونيات التخريب. وعلينا أن نطبق مباشرة القانون، ولا نريد أي تخريب وعبث بأمن المواطنين ... الشعب السوري شعب حضاري ... شعب ملتزم يحب النظام، ولا يقبل الفوضى أو الغوغائية». وأشار إلى قانون الأحزاب ووجوب أن تقوم الحكومة ب «درس هذا الموضوع ضمن جدول زمني معين وتقديم مقترحات ... طبعاً هذا الموضوع مهم جداً وله حساسية خاصة لأنه سيؤثر في مستقبل سورية بشكل جذري ... إما أن يؤدي إلى المزيد من الوحدة الوطنية، وإما أن يؤدي إلى تفكيك المجتمع، لذلك يجب أن تكون الدراسة وافية وناضجة، ويفضل أن يكون هناك حوار وطني. بما أن هذا الموضوع يمس مستقبل سورية، فلا يبقى على مستوى الحكومة ولا المنظمات ولا الأحزاب، وأن يطرح للحوار الوطني في سورية لنرى ما هو النموذج الأفضل الذي يناسب المجتمع السوري»، إضافة إلى قانون الإدارة المحلية وآخر للإعلام. وأشار إلى أن حزمة القوانين هذه ستؤدي إلى «توسيع المشاركة مع زيادة الحريات في سورية، لكن هناك شروطاً لنجاح عملية الإصلاح ... (التي) لا تنجح فقط من خلال التشريعات وإنما من خلال المؤسسات لأن النجاح لا يكون من خلال الإصدار وإنما من خلال التطبيق والتنفيذ ... المؤسسات في سورية بحاجة إلى الكثير من التطوير ... نجاح هذه الحزمة من الإصلاحات مرتبط بنجاح المؤسسات التي ستدير هذه الإصلاحات ... عندما نبدأ بالتطبيق، لذلك أنا أقول دائماً نسرع ولا نتسرع ... الزمن ضروري ... يجب أن نستعجل، لكن نريد نتائج تخدم البلد، ولا نريد أن نتسرع ونأتي بنتائج معاكسة في أي موضوع ... يجب أن يكون أي إصلاح مبنياً على الاستقرار الداخلي وعلى الأمن». وقال: «هذا الإصلاح إن نجحنا به نحصن الوطن ويجعلنا قادرين على مواجهة الرياح العاتية التي تأتي دولياً أو إقليمياً، وأنا امتلك ثقة كبيرة بالشعب السوري في هذا الإطار لأنه شعب يمتلك إرادة ... يمتلك تاريخاً ... يمتلك ديناميكية عالية، والأسابيع الثلاثة أو الأربعة الأخيرة التي مرت بها سورية «وكان الرهان الخارجي فيها على الشعب، جعلهم يفشلون». وتناول الأسد أيضاً مواضيع الاقتصاد الداخلي ومعالجة البطالة والفساد ومشاريع تنموية. استشهاد شرطي في حمص ميدانياً، أعلنت «الوكالة السورية للأنباء» (سانا) امس أن احد عناصر الشرطة «استشهد في حمص إثر الاعتداء عليه من جانب متظاهرين». ونقلت عن قائد شرطة حمص اللواء حميد اسعد المرعي انه بعد ظهر الجمعة «خرجت تظاهرة من أمام جامع خالد بن الوليد متجهة إلى مركز المدينة تخللها أحداث شغب واعتداء على رجال الأمن، واستشهد على إثرها مساعد اول في الشرطة». وأضافت أن رؤساء الكنائس المسيحية في حمص امس، اعلنوا أن احتفالات أعياد الفصح المجيد «ستقتصر العام الحالي على الصلوات والطقوس الدينية في الكنائس فقط نظراً للظروف الراهنة التي تمر بها سورية، وإكراماً لأرواح الشهداء والضحايا الأبرار الذين سقطوا في الأحداث الأليمة أخيراً، وتعبيراً عن وحدة أبناء الشعب السوري، وترسيخاً للوحدة الوطنية القائمة».