دعت حكومة إقليم كردستان المجتمع الدولي إلى التدخل لرفع ما وصفته ب «العقوبة الجماعية» التي تفرضها بغداد على الأكراد على خلفية خطوتهم الانفصالية، فيما شدد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على أن قرار المحكمة الاتحادية ببطلان الاستفتاء ملزم وإن «لم يقتنع البعض». وكانت المحكمة الاتحادية العليا قضت ببطلان استفتاء انفصال إقليم كردستان والنتائج المترتبة عليه، إلا أن الحكومة الكردية اعتبرت أن القرار «أحادي» ودعت المجتمع الدولي للتدخل كطرف ثالث «لإنهاء اللغط في تفسير مواد الدستور». واتهمت الحكومة الكردية نظيرتها الاتحادية في بيان أمس «بممارسة سياسة التقييد ضد الإقليم في انتهاك لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والإنساني، وتفرض عقاباً جماعياً ضد مواطنين عراقيين من خلال خفضها موازنة الإقليم بقرار أحادي وإغلاق مجاله الجوي، ما يعرقل وصول المساعدات الإنسانية لأكثر من مليون ونصف المليون نازح في الإقليم وكذلك عمليات إغاثة الزلزال الذي ضرب الإقليم أخيراً، وهذا من شأنه إلحاق الضرر بالسلم والاستقرار»، داعيةً المجتمع الدولي إلى «التدخل لحض بغداد على رفع العقوبات الجماعية من دون شروط مسبقة». وتستبعد المصادر قبول حكومة الإقليم والقوى الكردية رسمياً بقرارات المحكمة الاتحادية وإعلان إلغاء نتائج الاستفتاء «تجنباً لفقدان ما تبقى لها من صدقية لدى الشارع الكردي، وقد يكون بمثابة انتحار سياسي يطيح بثقلها ويضعها أمام مسؤولية تاريخية، بعدما تعهدت للجمهور بتحقيق حلم الاستقلال». واعتبر زعيم «الديموقراطي الكردستاني» الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني في بيان قرار المحكمة، أنه «فردي وسياسي في وقت تلتزم المحكمة الصمت حيال الخروقات السياسية تجاه الإقليم وتتصرف وفق الأهواء، في حين أن هذه الخروقات دفعت الإقليم لممارسة حقوقه الديموقراطية لإجراء الاستفتاء وفقاً للدستور، ونتساءل كيف وبأية مادة دستورية يتم إلغاء أصوات 3 ملايين شخص؟». وطالب بارزاني المحكمة «بتفسير المادة الدستورية التي تم بموجبها قطع حصة الإقليم في الموازنة منذ شباط (فبراير) عام 2014 بإمضاء شخص واحد (في إشارة إلى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي)»، واتهم المحكمة ب «خرق 55 مادة دستورية منها إلغاؤها نتائج الاستفتاء وهي تتخذ قرارات من دون أي أساس قانوني أو دستوري، لكونها تشكلت قبل إقرار الدستور، وكان يفترض حلها وتشكيل أخرى جديدة وفق المادة 92». وقال رئيس الجمهورية فؤاد معصوم في تصريحات للصحافيين في اختتام زيارته إلى الكويت، إن «قرارات المحكمة باتة وتكون هي المطبقة والأساس وإن لم تقنع البعض، ومن كان من الأكراد مع الاستفتاء تراجع اليوم عن موقفه وقبل بقرار المحكمة، لكن قد تستمر الخلافات السياسية». واستدرك: «إلا أن الأكراد لا يشعرون بالانكسار جراء تبعات الاستفتاء ويبقون مواطنين عراقيين، لكن بعض الأحزاب التي تبنت الاستفتاء لم تعتمد على الجغرافية بل على التاريخ»، وشدد على «ضرورة إجراء تعديلات على الدستور، لكن يصعب ذلك حالياً، لأنه كتب في وقت حساس». في المقابل، دعت رئيسة كتلة «التغيير» في البرلمان سروة عبد الواحد «الذين أقدموا على إجراء الاستفتاء إلى تحمل عواقب فشله بعد أن أصبح قرار المحكمة ملزماً، أم أنهم سيلجأون إلى التلاعب بمشاعر المواطنين بأسلوب آخر». وتساءلت في بيان: «ماذا قدم هؤلاء الذين كانوا يخرجون علينا في الشاشات ويعتبروننا خونة وعملاء لأننا قاطعنا الاستفتاء الفاشل، وهل هناك أمور أخرى يحاولون من خلالها التغطية على الفشل وما تم اقترافه بحق الآخرين؟»، وأعربت عن أملها «بأن لا يجد هؤلاء باباً آخر للعبور ومحاولة دغدغة مشاعر الناس والعودة للحديث السابق كأنهم ملائكة ونحن الشياطين». في غضون ذلك، أكد وزير البيشمركة في حكومة الإقليم وكالة كريم سنجاري، عقب اجتماعه بوفد من قوات «التحالف الدولي»، على أن «المفاوضات مع وزارة الدفاع العراقية لم تتمخض عن نتائج، لكنها مستمرة، والتحركات العسكرية هدأت». من جهته، أفاد رئيس اللجنة العليا للمتابعة والرد على التقارير الدولية في الحكومة الكردية ديندار زيباري، بأن اللجنة «أبلغت الأممالمتحدة وواشنطن وبغداد عن قلقهم حيال انتهاكات الحشد الشعبي في كركوك وطوزخورماتو، وتم إحراق أكثر من 450 منزلاً لمواطنين أكراد ونزوح 18 ألفاً، وتم قتل 400 آخرين، لكن لم نتلق أي استجابة للتقصي في الأمر». وعقد مجلس كركوك أمس أولى جلساته منذ سيطرة القوات الاتحادية على المحافظة وانسحاب قوات البيشمركة في 17 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وذلك بعد اكتمال النصاب إثر إنهاء أعضاء الكتلة الكردية مقاطعتهم باستثناء أقرانهم عن الحزب الديموقراطي الكردستاني. وعُقدت الجلسة بضغط من قبل مكتب بعثة الأممالمتحدة، وقدمت الكتلتان العربية والتركمانية ورقة مطالب منها إقالة رئيس المجلس وكالة ريبوار طالباني (كردي)، والاتفاق على التخلي عن مطلبهما لحل المجلس. وفي الإقليم، بدأ رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني ونائبه قباد طالباني سلسلة اجتماعات مع قيادات القوى السياسية لإعادة توحيد البيت الكردي الذي يعاني الانقسامات و «اجتياز المرحلة»، تمهيداً للدخول في مفاوضات مع بغداد، إذ تطالب قوى مؤثرة، وهي «التغيير» و «الجماعة الإسلامية» و «الاتحاد الإسلامي» و «العدالة والإصلاح» و «الجيل الجديد»، بحل الحكومة التي تحملها تبعات أزمة الاستفتاء، في حين يعصف الانقسام في داخل قيادة حزب «الاتحاد الوطني» الذي كان يتزعمه رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني. وأكد القيادي في «التغيير» أسو محمود في مؤتمر صحافي بعد اجتماع مع رئيس الحكومة، أن «اللقاء كان تشاورياً فقط، ولم تصدر أي قرارات، وبدورنا قدمنا مشروعنا لحل الحكومة الحالية وتشكيل أخرى موقتة لحين إجراء الانتخابات في ظل رقابة أممية وتأمين رواتب الموظفين». وأضاف: «نرى أن التأخير في حل الأزمة مع بغداد ينعكس سلباً على مواطني الإقليم ومن الأهمية حلها قبل نهاية العام». من جانبه، قال نيجيرفان إنه اتفق مع الحركة على «توحيد الصف لاجتياز المرحلة ومواجهة التحديات، والجميع متفق على هذه الرؤية»، وشدد على «رفض فكرة العودة بالإقليم إلى نظام حكم الإدارتين، ويجب أن تكون حكومة الإقليم الطرف الوحيد للتفاوض مع بغداد». وشدد قباد طالباني في بيان على أن رحيل طالباني «ترك فراغاً كبيراً على الساحة السياسية في الإقليم والعراق، واليوم يواجه الإقليم الأخطار بحيث من الصعب الصمود أمامها من دون أن يكون الحزب قوياً وموحداً، لذا يجب إعادة تقييم وضعه، وتحديد موعد لتنظيم المؤتمر الداخلي ليحمي وحدته، وليس من أجل تغيير وجوه أعضاء المجلس القيادي الخمسين بوجوه جديدة فقط، بل يجب أن يكون المؤتمر عاملاً لمراجعة شاملة للهيكلية وشكل العمل والقرار ونهج الحزب وبرنامجه». وأضاف: «نحن لا نريد عقد مؤتمر للانتقام ومحو الآخرين، إنما نريد مؤتمراً تصبح نتائجه عوامل لتقوية الحزب.