إذا صدف وعانيت من ظهور حكة واحمرار شديد على الجلد مع آلام حارقة في منطقة ما وفي طرف واحد من الجسم، تلاها بعد فترة وجيزة تشكل حبل من الفقاعات الصغيرة تغزو المنطقة المذكورة في مسار واضح، فليس من المستبعد أن تكون مصاباً بمرض الحزام الناري الذي سمي بهذا الاسم لأن المريض يعاني آلاماً تشبه لسع النار تسبق ظهور الفقاعات أو ترافقها. والحزام الناري مرض جلدي التهابي سببه فيروس هو نفسه الفيروس الذي يقود إلى جدري الماء، فبعد التعرض لهذا الأخير يختبئ الفيروس في العقد العصبية الحسية فترة طويلة قد تمتد سنوات، إلى أن تحين الفرصة الملائمة التي يستطيع فيها الفيروس أن ينشط مجدداً مثيراً العوارض الشهيرة التي أشرنا إليها. وهناك عوامل تشجع على اندلاع الحزام الناري، مثل إصابة سابقة بالجدري، والتقدم في السن، والتعرض للعلاج الشعاعي أو الكيماوي، وبعض الأمراض والأدوية التي تسبب ضعفاً في الجهاز المناعي. وتظهر الاندفاعات الجلدية في مرض الحزام الناري على هيئة سلسلة من الفقاعات المائية الصغيرة والكبيرة التي تأخذ عادة شكلاً مستديراً أو متفرعاً، وفقاً لمسار العصب الحسي المصاب الذي يقع عادة في الرأس أو الرقبة أو الوجه أو الصدر أو الظهر أو البطن، لكن دوماً في جانب واحد من الجسم. وتتراصف الفقاعات في خط واضح المعالم كالزنار، ويتزامن وجودها مع آلام تلسع كالحريق. وبعد أسبوعين تجف هذه الفقاعات مخلفة وراءها قشوراً تنهمر تباعاً لتزول نهائياً خلال فترة تراوح من أسبوعين إلى أربعة أسابيع. وليس مستبعداً الشكوى من عوارض أخرى خلال الإصابة بهذا الداء، فيعاني المصاب من تضخم في الغدد اللمفاوية وصداع وألم في المفاصل والبطن وسوء في الحالة العامة. ويتم تشخيص مرض الحزام الناري بناء على القصة السريرية والعوارض التي يشكو منها المصاب، ويسمح أخذ عينة من سوائل الاندفاعات الجلدية ومن ثم فحصها في المختبر في الكشف عن هوية الفيروس المسبب. ويرحل مرض الحزام الناري عادة من تلقاء نفسه، ويشفى الجلد تماماً، لكن قد يصدف أن تستمر الآلام الحارقة بضعة أشهر وربما سنوات، على رغم الشفاء الحاصل في الجلد، وهذا يعتبر من أكثر الأمور التي تسبب إزعاجاً للمصاب. وفي الماضي كانت الآلام، قبل اختراع الأدوية الحديثة، تدفع المريض إلى الانتحار نظراً إلى قسوتها واستمرارها وعدم استجابتها للعلاجات المسكنة. وإذا استمرت آلام الحزام الناري فقد يلجأ الطبيب المختص إلى حقن الأعصاب بمضادات الالتهاب النوعية. وتكمن خطورة الحزام الناري في إمكان حصول بعض المضاعفات، مثل فقدان حاسة التذوق، وفقدان النظر، وشلل الوجه، وفقدان حاسة السمع، وتكرار حدوث المرض، والتهاب السحايا والدماغ، والتهابات الجلد الثانوية. وإذا أخذنا بنتائج دراسة لباحثين كوريين جنوبيين فإن الحزام الناري قد يزيد من احتمال الإصابة بأزمات قلبية أو دماغية بنسبة 40 في المئة، من هنا تبدو أهمية الاستشارة الطبية العاجلة في الحالات الآتية: - إذا كان عمر الشخص المصاب 60 سنة أو أكثر، لأن خطر حصول المضاعفات يرتفع في شكل ملحوظ عند هؤلاء. - إذا ظهرت اندفاعات جلدية وآلام على مقربة من العين، لأن إصابتها قد تودي بصاحبها إلى العيش في ظلام دائم. - إذا كان المصاب يعاني من ضعف في الجهاز المناعي أو يتناول أدوية تؤثر فيه، كأدوية السرطان وكابحات المناعة. - إذا كانت الاندفاعات الجلدية قوية ومؤلمة ومنتشرة على مساحات واسعة من الجسم. ما هو علاج مرض الحزام الناري؟ لا يوجد علاج يشفي من المرض، لكن هناك أدوية تخفف من شدة العوارض وتحد من المضاعفات، ويفيد في بعض الحالات الصعبة إعطاء أحد مضادات الفيروس، مثل أسيكلوفير، وفالسيكلوفير، وفامسيكلوفير، فإذا ما أعطيت هذه خلال 24 إلى 48 ساعة من بدء ظهور الفقاعات فإنها تحد من ثورة الفيروس وبالتالي من حدة المرض. أيضاً قد يصف الطبيب عقاقير أخرى هدفها تسكين الآلام المرافقة ومكافحة الالتهابات الجرثومية الثانوية. في الختام نعرض عدداً من الملاحظات المهمة المتعلقة بالحزام الناري: 1- كثيرون يربطون بين ظهور المرض وتوتر الأعصاب العاطفي المنشأ، وفي الواقع لا علاقة بين الاثنين. 2- هناك من يعتقد بأن المرض عصبي، وهذا غير صحيح، فالمرض ليس عصبياً بل هو التهاب جلدي سببه فيروس جدري الماء الذي يعشق الأعصاب الحسية الموزعة في الجلد. 3- إن توقيت ظهور الآلام يختلف بحسب العمر، فهي تسبق الاندفاعات عند الكبار، أما عند الصغار فتكون أول عوارض المرض. 4- الحزام الناري وجدري الماء ينتجان عن فيروس واحد، لكنهما مرضان مختلفان. 5- يمكن للحزام الناري أن يصيب كل الأعمار حتى الأصحاء منهم، إلا أن أكثر من نصف المصابين به هم من الأشخاص الذين بلغوا الستين من العمر أو أكثر، خصوصاً الذين يشكون ضعفاً في المناعة. 6- ضرورة عدم لمس المريض وعدم مشاركته الأدوات المشتركة، للحد من انتقال الفيروس، خصوصاً من قبل الحوامل والمصابين بضعف في المناعة وحديثي الولادة، لأن جهازهم المناعي لم يكتمل بعد. [email protected]