ما حدث في العراق قبل أكثر من ثماني سنوات من غزو واحتلال معترف به دولياً كان مؤشراً واضحاً على زيف أو عدم قدرة الأميركيين وحلفائهم على فهم واستيعاب حقيقة ان الديموقراطية كمفهوم ونظام سياسي وثقافة مجتمعية من المستحيل ان تفرض بالقوة العسكرية على أي دولة ومجتمع في العالم، خصوصاً الشعوب الشرقية التي يتكون نسيجها الاجتماعي وبناؤها الفكري من خليط من المفاهيم والمعتقدات المحافظة ولا تزال تخضع لعادات وتقاليد دينية وقبلية عشائرية تتحكم حتى يومنا هذا بتسيير مجتمعاتنا وفق ثقافة ضيقة ومتعصبة تتناقض في الغالب مع ثقافة الانفتاح والتحرر الفكري النابع من الثقافة الديموقراطية وبناء مجتمعات مدنية فاعلة. لقد أثبتت التجربة الأميركية فشلها الى حد ما بمفهوم نشر الثقافة الديموقرطية بالقوة، كما ان هذه التجربة أنتجت انعكاسات سلبية في مجتمعاتنا بتقبل الثقافة الديموقرطية وفق المفهوم الأميركي الغربي الذي تم تبنيه بالقوة العسكرية وإيجاد نموذج مشوّه كما هو اليوم في العراق، وهنا نقف عند جملة من التساؤلات التي لا تزال إجاباتها معلقة، فهل كان ضمن حسابات الأميركيين قبيل غزو العراق ما ستؤول اليه الأمور من تدهور أمني خطير بات يهدد حتى دول المنطقة حينما أصبح العراق محطة رئيسة لصناعة الإرهاب وتصديره وتحفيز النزعات العرقية والدينية وتنشيط النعرات الطائفية والمذهبية الضيقة التي تتقاطع كلياً مع الثقافة الديموقراطية، ناهيك عن التدمير الشامل لمفهوم الدول المؤسساتية وما لحقها من تفكك مجتمعي. بعد ثماني سنوات، هل لا يزال الأميركيون واثقين من جدوى فرض الديموقراطية بالقوة؟ هنا تكمن مشكلة أخرى حينما نتساءل هل إن الأميركيين يسعون فعلاً الى نشر الثقافة الديموقراطية في المنطقة، أم كما يرى البعض من الساسة والمفكرين بأن المسألة لا تتجاوز الكم الهائل من الترويج الإعلامي وأن جوهر الأمر لا يتخطى حدود المصالح الاستراتيجية لأميركا وحلفائها في المنطقة من خلال خلق حزمة من المبررات للتدخل بشتى الوسائل في شؤون دول الشرق ومنها العسكرية لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الوسط وفق المفهوم الاستراتيجي الأميركي.