أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية لتشغيل مركز الأطراف الصناعية في مأرب    شراكة تعاونية بين جمعية البر بأبها والجمعية السعودية للفصام (احتواء)    المملكة تشارك في اجتماعات الدورة ال29 لمؤتمر الدول الأطراف لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي    السفير الجميع يقدم أوراق اعتماده لرئيس إيرلندا    توقيع مذكرة لجامعة الملك خالد ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    هدنة لبنان.. انسحابات وإعادة انتشار    وزير الموارد البشرية: إنجازات تاريخية ومستهدفات رؤية 2030 تتحقق قبل موعدها    انتقادات من جيسوس للتحكيم بعد مواجهة السد    وزير النقل: انطلاق خدمة النقل العام بتبوك منتصف العام القادم    المؤتمر العالمي للموهبة والإبداع يختتم فعاليات نسخته الثالثة بالرياض    الأونروا تحذّر من وصول الجوع إلى مستويات حرجة في غزة    بدء تشغيل الخطوط الجوية الفرنسية Transavia France برحلات منتظمة بين السعودية وفرنسا    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    وزير الصناعة: 9.4 تريليون ريال موارد معدنية في 2024    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    هؤلاء هم المرجفون    المملكة وتعزيز أمنها البحري    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آراء واجتهادات حول مفاهيم النظام التعددي وأسسه وانعكاسات ذلك على مجتمعنا

كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن الديموقرطية والنظام السياسي التعددي ابتداءً من التصريحات الصادرة مؤخراً من الرئيس الأمريكي جورج بوش وبعض المسؤولين الأمريكيين والغربيين، مروراً بعدد كبير من السياسيين والمفكرين والكتّاب في عالمنا العربي.
وقبل أن نحاول أن ندلو بدلونا في هذا المضمار لعل من الأجدى الرجوع لقاموس «وبستر» للحصول منه على التعاريف أو المعاني المتفق عليها عالمياً لهذا المصطلح (الديموقراطية) في عالمنا اليوم باعتباره أهم مصطلح سياسي يدور في أذهان الناس وتتداوله ألسنتهم.
يوجد في القاموس التفسيرات التالية المترابطة - من حيث معانيها وأهدافها - باصطلاح الديموقراطية - ذي الأصل اليوناني في الأساس: حكومة من الشعب: شكل من الحكومات التي تكون السلطة العليا فيها نابعة من الشعب وتمارس من قبلهم أو من قبل ممثليهم فيه: تمثل حالة اجتماعية تتميز بالمساواة في الحقوق والامتيازات: المساواة السياسية والاقتصادية: الروح الديموقراطية بين العامة من الناس وارتباط ذلك بقوتهم السياسية.
فإذا تأملنا كل هذه المعاني التي يشتمل عليها هذا الاصطلاح لوجدناها من حيث الجوهر لا تختلف عن قيم ديننا الحنيف الأساسية وما تنص عليه تعاليمه في معالجة حق الإنسان المسلم في حياة كريمة ومثمرة لأن المؤمنين اخوة وجميعهم سواسية أمام الله في الحقوق والواجبات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وفق ما تحدده أحكام الشريعة نفسها.
البدايات الأولى في الغرب:
عرفت كل من أثينا واسبارطة باليونان ومن بعدهما مدينة روما نمطاً من الحياة الديموقراطية إلا انها كانت في جوهرها مقصورة على المواطنين الأحرار فقط، وقد تمت ممارسة النظام الديموقراطي عن طريق مجالس لممثلي الشعب تقرر فيه أمور البلاد المهمة سواء في السلم أو الحرب.
إلا أن صدور إعلان الماجنا كارتا (MAGNA CHARTA) يُعد حجر الأساس في بداية التحول نحو النظام الديموقراطي في انجلترا ومنها إلى بلدان أخرى ومنها دول العالم الجديد الواقعة على ضفاف المحيط الأطلنطي الغربية، وكان صدور الماجنا كارتا نتيجة لضغوط تمت في عام 1215م من مجموعة ثائرة من النبلاء بعد أن تمكنوا من اجتياح مدينة لندن بتشجيع من ستيفن لانجتون مطران (ارشبشوب) كانتنبري.
ثم جرى تعديل الماجنا في إعلان جديد صدر في عام 1216م من قبل وليام مارشال سيد(بيمبروك) الذي كان عضواً في مجلس الوصاية على الملك الصغير هنري الثالث، ومن أهم ما احتواه الإعلان من بنود ما يلي:
- إنشاء مجلس عمومي للبلاد.
- تحديد العلاقة بين الملك والنبلاء.
- تحديد صلاحية الدوائر الرسمية والوزراء وأساليب العمل الاداري.
- إعداد نظام لأسلوب توارث العرش.
- ضمان حقوق المواطن من الايقاف والسجن أو اعتباره خارجاً على القانون أو نفيه خارج البلاد إلا بحكم قانوني من قبل أمثاله (بالنسبة للنبلاء)، أو بحكم نظام البلاد بالنسبة للعامة.
نخرج من ذلك كله باستنتاج مهم، ألا وهو أن الأنظمة الديموقراطية التي تمارس أو تتحكم بطبيعة الحياة السياسية في العالم الغربي ومناطق أخرى كثيرة من العالم، ليست وليدة الأمس بل هي نتاج تجارب وعمليات تحوّل وممارسات استغرقت قروناً وحقبات طويلة من السنين، وكانت أفكار ومبادئ التجربة الإنجليزية من ضمن ما حمله معهم ركاب سفينة (المي فلوورز) MAY FLOWERS باعتبارهم أول الجماعات المهاجرة من انجلترا للعالم الجديد أي الولايات المتحدة الأمريكية في عصرنا هذا، حيث شرعوا منذ وصولهم ووصول من لحق بهم من المهاجرين في إنشاء مراكز استيطان لهم لتتحول بعد مضي عقود من الزمن إلى المدن والمراكز السكانية التي نعرفها اليوم في الولايات المتحدة وكندا والتي كانت تحت حكم التاج البريطاني إلى أن نالت (باستثناء كندا) استقلالها في عام 1776م.
وقد استمر انسياب أعداد هائلة من القادمين الجدد للعالم الجديد نحو الغرب الأوسط الأمريكي لتصل فيما بعد إلى شواطئ المحيط الأطلسي التي قد سبقهم إليها الأسبان إلا أن هؤلاء أجبروا على التخلي عن أجزاء واسعة منها للقادمين الجدد بقوة السلاح وإن احتفظت المدن التي قام الأسبان بإنشائها كلوس أنجلس وسان فرانسيسكو وسان دييجو بأسمائها الأصلية.
وقد طبقت الحكومات المحلية في جميع هذه المراكز السكانية مبادئ النظام الديموقراطي بما يتلاءم مع ظروفها في مواطنها الجديدة كمجتمعات محلية مشتتة.
التعددية في منطقتنا من العالم العربي:
بعد أن حققت دول الحلفاء انتصارها على الامبراطوريات الثلاث: ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية بنهاية الحرب العالمية الأولى في عام 1918م، أقرت عصبة الأمم التي انشئت بعد الحرب ما سبق أن اتفقت عليه كل من بريطانيا العظمى وفرنسا في معاهدة سايكس بيكو عام 1917م على تقاسم تركة السلطنة العثمانية بينهما، ففرضت بريطانيا الحماية على كل من مصر والعراق وانتدبت على فلسطين، بينما كانت كل من سوريا ولبنان من نصيب فرنسا بصفة دولة منتدبة عليهما من قبل عصبة الأمم.
وكان الهدف المعلن من وراء سياسات الانتداب أو الحماية هذه هو تأهيل هذه الدول عن طريق تطوير التعليم والإعداد السياسي والاجتماعي والاقتصادي فيها وتحويلها إلى دول ذات أنظمة ديموقراطية على النسق الغربي. وكان أول برلمان انشئ في مصر عام 1866م، إلا انها اصبحت ترزح تحت الاستعمار البريطاني منذ عام 1882م بعد معركة التل الكبير، فقد عانت مصر الكثير من تحكم بريطانيا في مصيرها سياسياً واقتصادياً مما دفع بالشعب المصري إلى إعلان ثورته الشعبية العارمة في عام 1919م تحت زعامة سعد زغلول، وتبلورت نتائج هذه الثورة في إعلان الاستقلال عام 1922م وتتويج الملك فؤاد في ظل نظام ملكي دستوري وحكومة برلمانية.
إلا ان حزب الوفد الذي انشأه سعد زغلول ثم خلفه من بعده في رئاسته مصطفى النحاس كان يحوز على تأييد الأكثرية الشعبية واستمر يواجه تحديات قوية من بريطانيا، التي كانت قواتها لاتزال تمسك بزمام الأمور في قناة السويس وعدد من القواعد الأخرى طوال السنوات التي سبقت ثورة الجيش المصري بقيادة الضباط الأحرار في عام 1952م، وكان زعيمهم اللواء محمد نجيب الذي ألغيت في عهده الملكية ليصبح أول رئيس للجمهورية في مصر، ثم أعقبه البكباشي جمال عبدالناصر القائد الحقيقي للضباط الأحرار بعد اطاحته باللواء محمد نجيب في عام 1954م.
أما العراق فقد أعقب ثورته الشعبية العارمة عام 1921م إعلان الملك فيصل الأول ملكاً دستورياً على العراق في ظل نظام برلماني تعددي وذلك في عام 1936م، واستمر هذا النظام في عهد كل من غازي ثم ابنه فيصل إلى ان أطيح بالأخير في ثورة قام بها الجيش العراقي في عام 1958م بقيادة عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف.
أما لبنان فقد تحول تحت الانتداب الفرنسي إلى جمهورية دستورية في عام 1926م إلا ان فرنسا بقيت فيه بصفتها دولة منتدبة إلى أن تم جلاؤها في عام 1946م.
وفي حالة سوريا، تم انتخاب السيد محمد العابد في عام 1932م بوصفه أول رئيس للجمهورية في عهد الانتداب الفرنسي، وكان انتخابه قد تم من قبل أول مجلس للنواب انشئ فيها، إلا أن أول رئيس جمهورية لسوريا في عهد الاستقلال كان السيد شكري القوتلي وذلك في عام 1946م أي بعد جلاء الانتداب الفرنسي عنها.
نستنتج من ذلك كله أنه بالرغم من مضي عقود عديدة من الحياة السياسية الديموقراطية في هذه الدول فإن ضعف القاعدة الشعبية التي تستند عليها هذه النظم نتيجة لقصور الوعي العام في المجتمع بل وبسبب الأمية لدى نسبة كبيرة من أبناء هذه الشعوب قد أدى إلى تولد شيء من الالتباس في المفاهيم تجاه ما يحدث على المسرح السياسي. فكان من السهل على المتربصين بالأنظمة التعددية القائمة أن يصوروا أي قصور أو تجاوزات أو أخطاء ناجمة عن الممارسات القائمة وفق طبيعة اللعبة السياسية المعتادة في الأنظمة الديموقراطية على انها قصور في الأنظمة ذاتها، سواء كانت ملكية دستورية كمصر والعراق، أو جمهورية دستورية كحالة سوريا وليست بسبب ممارسات فردية أو نعرات اجتماعية أو اقليمية أو سواها، لهذا رأينا الجماهير المحتشدة بكثافة تهتف بحياة رجال الثورة في مصر عام 1952م وما تلاها عندما أعلن قيام الجمهورية، ثم تزداد كثافة الحشود عندما صدر قرار إلغاء الأحزاب السياسية وإلغاء حرية الصحافة، إلخ. والشيء نفسه حدث في العراق بعد حركة الجيش الذي أطاح بالنظام الملكي الدستوري.
ويتشابه الوضع في العراق مع ما حدث في سوريا منذ انقلاب حسني الزعيم الذي أسقط النظام الجمهوري الدستوري التعددي في عام 1948م وما تلاه من انقلابات لينتهي المطاف بقيام نظام الحزب الواحد - أي حزب البعث العربي الاشتراكي - إلى سدة الحكم ليدير سوريا وفق ما يراه من مبادئ ومفاهيم خاصة به. فالعراق بعد ثورة 14 يوليو في عام 1958م التي قادها كل من: عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف مر بعدد من الحركات والانقلابات وما صاحبها من مجازر لا حصر لها بين الفئات المتصارعة وخاصة ما حدث بين البعثيين والشيوعيين، انتهى الأمر فيه بأن تؤول السلطة إلى يد أقلية حزبية عشائرية لأكثر من 35 سنة أكلت الكوارث التي حلت به بسببها الأخضر واليابس فيه. فحري بنا القول إن امكانات العراق الاقتصادية وثرواته الطبيعية المائية والنفطية اضافة إلى تميز أبنائه العلمي والثقافي كانت تؤهله ليكون بمصاف دولة كأسبانيا أو كوريا الجنوبية لولا بطش قياداته السابقة بأبنائه وما تسببوا فيه لهذا البلد العظيم من فتن ومغامرات عسكرية وحروب سحقت كل قدراته العلمية والاقتصادية والبشرية. هذا ومازال العراق يعاني من الويلات والدمار الكثير منذ الاحتلال الأمريكي له في ابريل من عام 2003م.
أما لبنان فبالرغم من وجود مستوى عال من النضوج والوعي الاجتماعي إلا أن الطائفية المترادفة مع الحزبية السياسية دفعت بالنظام الديموقراطي اللبناني إلى كابوس الحرب الأهلية التي دامت أكثر من 15 سنة وأدت إلى موت أكثر من 150 ألفاً من اللبنانيين والفلسطينيين بخلاف عشرات الألوف ممن هاجروا إلى ديار الغربة تجنباً لعمليات القصف والقتل على الهوية. إلا ان الديموقراطية اللبنانية وإن كانت في غيبوبة إلا انها لم تمت كلية ولايزال لبنان يحاول إصلاح ما خربته الحرب الأهلية تحت نظام تعددي لاتزال الطائفية والاقليمية والعشائرية فيه تلعب دورها المألوف في حياة هذا المجتمع ذي الحيوية البالغة.
الأنظمة السياسية التعددية وأهم العوائق التي تقف أمامها في منطقتنا:
سبق الإشارة إلى أن روح الحياة السياسية الديموقراطية لم تولد بين يوم وليلة في بريطانيا وسواها من الدول الغربية وغير الغربية التي تبنت الديموقراطية التعددية في حياة شعوبها السياسية، وهذا الجانب يجب أن يؤخذ في الاعتبار بحد ذاته عند الحديث عن مستقبل النظام الديموقراطي التعددي في دول المنطقة سواء تلك الدول التي سبق ان عرفتها فيما مضى من الزمن أو الدول التي لم يسبق لها تجربة أو ممارسة العمل السياسي التعددي.
نستنتج من ذلك أن علينا، عند بحث هذا الموضوع، ان نأخذ بالاعتبار أن النظام السياسي التعددي ذا النسق الغربي وتطبيقه في مجتمعنا هنا لا يشبه بأي حال من الأحوال عملية استيراد جهاز الكتروني أو أي جهاز آخر متطور والعمل على تشغيله بعد اجراء التركيبات المتطلبة لعمله، والسبب في هذا الاختلاف يعود إلى ان التطبيق الحقيقي للنظام السياسي التعددي وامكانية تحقيقه لنسبة جيدة من النجاح لابد أن نأخذ في الاعتبار التركيبة التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغير ذلك من الأمور المتصلة بطبيعة المجتمع وتقاليده وقيمه السائدة. والعناصر التالية يمكن أن تساعد في توضيح بعض ما نهدف إليه في هذا المضمار:
1- باستثناء دولة الهند ودول أخرى محدودة فإن معظم الأنظمة الديموقراطية في الدول التي نالت حريتها، بعد عقود طويلة عاشتها تحت ربقة الاستعمار الأوروبي في كل من قارتي آسيا وافريقيا، انتهت تجربتها السياسية الديموقراطية بالفشل إما بسبب نشوء ثورات وصراعات داخلية لأسباب سياسية أو طائفية أو قبلية، أو نتيجة لانقلابات عسكرية ذات صلة بالظروف السابقة أو سواها مما حوّل حياة هذه الشعوب إلى جحيم لا يطاق، بل ان الكثير من أبناء هذه الشعوب ربما تمنوا عودة الحكم الاستعماري من فرط معاناتهم وتدهور اقتصادياتهم وأمنهم خاصة وأن بعض أنظمتهم انشغلت بالخلافات والحروب الحدودية مع دول الجوار لإشغال مواطنيها عن شقاء حياتهم اليومية ومآسيها.
والسبب في ذلك يعود إلى انعدام النضوج السياسي الحقيقي لدى غالبية أبناء هذه الأمم وبالتالي استحالة نشوء الفكر والوعي بمزايا الحياة السياسية التعددية كحرية الرأي واحترام آراء الآخرين والوصول إلى الحلول الوسط والتسليم بمواقف الغالبية.. الخ. فالديموقراطية بالنسبة لغالبيتهم ليست سوى اصطلاح لمفهوم غريب ودخيل يصعب استيعاب مداخيله ومعانيه الحقيقية، وهذا ما سهل على المغرضين أو ممن تطمح نفوسهم لسلطة الحكم من الجماعات السياسية من أبناء هذه الشعوب، وضع اللوم فيما يحدث من قصور أو مصاعب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية يعانون منها على النظام الديموقراطي نفسه وليس على الأفراد أو الجماعات التي تتولى السلطة وتمارس عملها بأساليب لا تمت بأي صلة لأساليب العمل السياسي الديموقراطي السليم.
ففي مثل هذه الدول التي وجدت نفسها داخل دوامة الحياة السياسية الديموقراطية كان من الطبيعي أن تتواجد فيها فئات مناوئة للوضع القائم، إما بسبب تجاوزات فردية في أسلوب العمل السياسي أو بسبب طموحاتها ورغبتها في الانفراد بالسلطة التي تتفق مع مبادئها وأهدافها كأن تكون نابعة من مبادئها اليسارية أو اليمينية المحافظة أو المذهبية وخلاف ذلك، وبالتالي فإنها تتجه لحمل السلاح ومناوئة الحكم القائم والسعي لإسقاطه وليس لغرض تصحيح مساره السياسي، وغالباً ما يتحول النظام الجديد إلى حكم دكتاتوري متسلط، أو تكون الحركة نفسها مجرد استهلالة لسلسلة حركات مناوئة أخرى ذات «أجندات» وأهداف خاصة بها، وإن ما حدث في منطقتنا وفي الكثير من دول آسيا وافريقيا في الخمسين سنة الأخيرة يعد أمثلة حية على ما نقول هنا.
أما الدول التي قطعت أشواطاً بعيدة في مسيرة الحياة السياسية الديموقراطية وأغلبها في الغرب فإن حدوث المشاكل والخلافات السياسية يعد أمراً طبيعياً ويتمشى مع قواعد اللعبة السياسية وتتم معالجته وفق الأساليب والقواعد الدستورية، وفي الحالات القصوى بموجب تعديلات دستورية تجريها المجالس النيابية أو المحاكم الدستورية العليا أو عن طريق الاستفتاءات الشعبية.
2- اضافة إلى كون الديموقراطية مصطلحاً لأسلوب محدد في سياسات الحكم وأساليبه لا يمكن استيراده أو تطبيقه عن طريق فرضية من قبل مرجع ما سواء كان داخلياً أو خارجياً بهدف تحويل مسيرة المجتمع المستهدف وطبيعة نظامه السياسي والاجتماعي، فإن هناك أيضاً حقيقة أخرى لا جدال فيها وهي استحالة تطبيقه كنظام للحياة السياسية ما بين ليلة وأخرى في مجتمع لم يعتد على هذا النمط من أسلوب العمل السياسي في الحكم، وإن جرى تطبيقه فمن الصعب للمرء أن يتصور إمكانية تحقيقه لنسبة ولو ضئيلة من النجاح، كما حدث في الكثير من الدول التي طبقت فيها الأنظمة السياسية الديموقراطية بعد استقلالها من استعمار حكم الدول الأوروبية لها والتي تحول معظمها كما أشرنا سابقاً إلى أنظمة الحزب الواحد الاستبدادية أو إلى الدكتاتورية العسكرية أو كليهما معاً.
وغالباً ما يعود السبب في ذلك إلى أن النظر إلى الديموقراطية في هذه المجتمعات اعتبرها منطلقاً مثالياً ونموذجياً لمسيرة الحياة السياسية، وهي تعيش فجراً جديداً من الحرية والاستقلال، بينما يوجب الأمر بأن تؤخذ الديموقراطية بحد ذاتها كهدف مثالي لمسيرة طويلة تنطوي تحت مظلتها عناصر شتى من عمليات الاعداد الذهني والنفسي والثقافي والتعليمي لكل أبناء المجتمع وخاصة للأجيال الصاعدة منهم ممن ستقع على كواهلهم مسؤولية تحمل أعباء الحياة السياسية التعددية وتعقيداتها وفق المفاهيم الجديدة.
فالهدف العام هو ايجاد صحوة أو وعي مرحلي عام، الأمر الذي قد يستغرق عقداً أو عقدين وربما أكثر من السنين، فكون الدول الغربية استغرقت فيها تجارب تطبيق المفاهيم الديموقراطية مئات السنين لا يعني أن الدول الآخذة في النمو لابد أن تمر بذات التجارب وذات الفترة الزمنية.
بعض السلبيات التي تتصف
بها نسبة كبيرة من الأفراد في مجتمعنا مما قد لا يتواءم مع أسس وروح النظام السياسي الديموقراطي
1- الروابط الأسرية والعشائرية والاقليمية.
لاشك ان قوة الروابط الاجتماعية المتعددة من أسرية وعشائرية واقليمية وطائفية أو عرقية في مجتمعنا وبعض المجتمعات العربية لها تأثيراتها الايجابية البالغة الأهمية مما لا يستطيع أحد إنكاره، فعن طريقها تمكنت هذه المجتمعات من المحافظة على ترابطها وعلى قيمها وتقاليدها الدينية والثقافية والاجتماعية، كما انها كانت سبباً قوياً خلال عصور مضت في توطيد مستوى مقبول من الأمن المحلي في محيط مليء بالنزاعات والمغازي والحروب التي لا تكاد تنتهي حتى تثور من جديد، إلا انها بمجملها وبغياب مستوى معقول من التفتح والوعي الوطني العام، تحمل في طياتها الكثير من السلبيات التي لابد أن تشكل نسبة محسوسة من العقبات والعوائق أمام امتداد مسارات المفاهيم الديموقراطية وفي مقدمتها عدم تمكن الغالبية من الأفراد والمواطنين من أبناء المجتمع - بحكم قصور الوعي العام بينهم بمصالح أمتهم الدينية والوطنية والقومية الحقيقية من النظر في الأمور العامة للمجتمع وقضاياه المصيرية بمستوى معقول من التجرد والحيادية وعدم الانقياد للعاطفة تبعاً للحساسيات والروابط الاقليمية أو الطائفية أو العشائرية.
إن انخفاض مستوى الوعي الوطني العام هذا سيحد بلاشك من الاستعداد الفردي للتمييز بين القضايا المطروحة لمعرفة ما يخدم منها الصالح العام وما يحقق أهدافه أو ما لا يخدمه، وينطبق الأمر ذاته على مدى مقدرة المواطن على التمييز بين الصالح والطالح من المرشحين واختيار الأصح لتمثيله في الهيئة النيابية، وهنا لابد أن يثار موضوع الأحزاب وأن وجودها كفيل بمعالجة هذا الفراغ في الوعي الوطني العام وانها ستكون صلة الوصل بين المواطن البسيط وبين ما يتطلبه المعترك السياسي التعددي، والاحتمال وارد بأن الأحزاب ستساعد في هذا الشأن إلا ان الاحتمال أيضاً وارد بصورة أكثر وضوحاً. انها ستكون ميداناً فسيحاً للصراعات السياسية والتطاحن على المصالح الفئوية والتحالفات التي قد لا يكسب الوطن منها سوى النزر اليسير وذلك اعتماداً منها على المستوى المتدني للوعي العام لدى المواطن وقوة التأثيرات الاقليمية والعشائرية في محيطه الاجتماعي كما أشرنا سابقاً.
ويمكن أخذ لبنان مثلاً حياً على ما نعنيه هنا بالرغم من الفارق الكبير في الوعي السياسي العام بين المجتمع اللبناني ومعظم المجتمعات بالمنطقة والذي مر عليه ما يقارب الثمانين عاماً من التجارب في ممارسة العمل السياسي التعددي.
2- الأمور الشخصية ودورها المؤثر:
من الأمور التي لفتت انتباهي في مناسبات كثيرة كالاجتماعات واللجان والمجالس والمقابلات المختلفة وسواها ان الأمور الشخصية تلعب دوراً مؤثراً في مجتمعنا وفي تقييمنا للأمور ذات الصبغة العامة، وفي حكمنا على القضايا مدار البحث بالرغم من توفر مستوى جيد من الثقافة لدى من لهم علاقة بالمواضيع المطروحة للمناقشة.
ولضيق المجال للدخول في تفاصيل ما أعنيه سأكتفي بالتنويه عن ذلك في الملاحظات التالية:
- لاحظت من مشاهداتي أو مشاركاتي أن هناك نسباً من المشاركين، تقل أحياناً وتزيد أحياناً أخرى يعطون الأمور الشخصية اهتماماً ملحوظاً في الاجتماعات والمناسبات المختلفة التي تدور فيها بعض المناقشات، سواء ما له علاقة ببعض الأفراد من المشاركين أو ما يدخل في طبيعة المواد المعروضة للبحث والدراسة، وذلك على حساب القضية أو الأمور المعروضة للبحث ذات الصلة بالشأن العام، وغالباً ما تتجلى هذه السلبية إما:
- في محاولة كسب اهتمام أو رضى أحد من الحضور المشاركين أو أكثر مما قد يكون له (أو لهم) مصلحة أو علاقة خاصة بالأمر المراد بحثه.
- أو في إبداء وجهة نظر قد لا تتمشى مع متطلبات المصلحة العامة إلا أنها تخدم موقفاً لشخص معين أو فئة ذات علاقة ومصلحة بموضوع البحث وإن لم يكن من ضمن الحضور، وبمعنى آخر فإن الحرص على المحافظة على حسن العلاقة الشخصية كثيراً ما يكون على حساب ما يتطلبه الشأن العام، والعكس في ذلك وارد تماماً إذا كانت هناك مشاعر من انعدام المودة أو حتى العداوة بين واحد أو أكثر من المشاركين في هذه الاجتماعات ومن له علاقة أو مصلحة بالقضية المطروحة، سواء من المشاركين في المناقشة أم ممن كانوا خارجها، حتى وإن كان هذا الموقف المناوئ قد يلحق ضرراً بأمر أو أكثر من الأمور ذات الصلة بالصالح العام.
وبمعنى آخر، فإن الكثير منا قد لا يستطيع التجرد تماماً عند تقييمه للأمور العامة بل يبقى أسير رؤاه الخاصة أو مشاعره أو عاطفته عند تقييمه لما هو مطروح أمامه للبحث في الأمور العامة.
ومما يؤسف له أن بعض من يشاركون في مثل هذه الاجتماعات سواء كانت لجاناً أو مجالس أو خلافه لا يكلفون أنفسهم التحضير للأمور المعروضة للمناقشة ودراستها لإعطاء أحكام سليمة عند البت فيها، مما يؤثر على نتائج هذه الاجتماعات من الأساس.
- كما نجد أن هناك من المشاركين في مثل هذه المناسبات ممن لديهم دراية جيدة بالأمور المعروضة على جدول الأعمال إلا أنهم على غير استعداد للدخول في مناقشات وخاصة إذا كانت مناقشات حادة لألا يؤدي ذلك إلى تولد إشكالات شخصية لهم مع بعض المشاركين الآخرين. فهم هنا يتناسون أن الخروج بأحسن النتائج يتطلب الدخول في سير النقاش حتى وإن كان محتداً لأن الهدف الرئيس من الاجتماع لن يتحقق إذا لم يناقش الموضوع من مختلف جوانبه، وأن كلاً من المشاركين لا بد أن يدلي بدلوه حسب ما لديه من علم أو خلفية بجوانب المسألة المعروضة ليكون هناك حصيلة طيبة من المشاركات والآراء التي لا بد أن تؤدي في النهاية إلى الخروج بأفضل النتائج وأقربها للوصول للهدف المنشود.
- يتصف بعضنا بالحساسية المفرطة. فكثير مما يحدث، أثناء المناقشات التي تدور في الاجتماعات ذات العلاقة بالأعمال وسواها من المناسبات المماثلة، هو أن يثور شخص أو أكثر من المشاركين فيها لمجرد أن ترد ملاحظة على لسان أحد الحضور وقد تكون غير مقصودة وليست بذات شأن من الأساس أو أنها ذات صلة بالموضوع المطروح للنقاش ولكن ليس لها علاقة بأي جوانب شخصية، إلا أن الحساسية واستعدادات الكثير منا للتأثر والانفعال وأخذ الجانب الشخصي البحت من الأمور بدلاً من النظر للاحتمالات الأخرى التي يمكن أن تفسر بها الملاحظة التي أثارت كل ردود الفعل هذه يؤدي إلى إشغال وقت الحضور بأمر ليس له أدنى علاقة بموضوع الاجتماع وبالتالي إلى فشل الاجتماع وعدم تحقيق الهدف من انعقاده.
- إن هذه الحساسية الزائدة لدى البعض منا ليست في تصوري وليدة بيئتنا فقط بل غالباً ما تكون صفة عامة لدى معظم أبناء عالمنا العربي، ولربما تكون من ضمن أسباب كثيرة أخرى - تفسر عدم جدوى الكثير من الاجتماعات التي تعقد لمناقشة قضايا مختلفة، وقد يكون من بينها قضايا في غاية الأهمية. ويحتمل أن المرء منا سيجد أن كل ما أثاره قد لا يستحق كل هذا الانفعال لو أنه نظر للأمور من زاوية مختلفة، أي أن يضع نفسه طرفاً ثالثاً ليتمكن من الحكم بكل تجرد، وسيجد أن العقل والمنطق يتطلبان ردة فعل مغايرة تماماً، وأن الحساسية الشخصية أو العواطف لا لزوم لها البتة في هذا المضمار.
- تولَّد لديَّ قناعة من مشاهداتي وبعض من تجاربي الشخصية أن الكثير منا لا يقرن القول بالفعل في حياته وممارساته اليومية، بل إننا في معظم الأحيان نقول ما لا نفعل ونفعل ما لا نقول. فطالما التقيت أشخاصاً من ذوي المكانة العلمية والاجتماعية، وكان سبب الكثير من هذه المقابلات يتعلّق بطلبات تنطوي على طلبات استثناء من القواعد النظامية المعمول بها خاصة فيما يتصل بتعيين الفتيات المتقدمات للعمل في الدولة وتقديم من ليس لهن أسبقية على من لهن أسبقية وفق التعلميات المتبعة.
- لم أعد بحكم التجربة استغرب الغرض المرجو تحقيقه من قبل معظم من التقيت بهم من المراجعين، لذا فإنه بالرغم من الاستقبال الطيب والمجاملة المعتادة وصرف جهد ووقت لشرح وجهة نظر الإدارة وما نعاني منه في هذا المضمار وأن هناك الآلاف من الخريجات على قوائم الترشيح وأن العدالة ودور الخدمة المدنية الحيادي يتطلب التجرد التام من جهود الترشيح على الوظائف العامة، فإن العديد من أصحاب هذه المراجعات، غالباً ما ينصرفون من المكتب وهم غير راضين لأن مطالبهم لم تتحقق. بل إن البعض منهم يغادر المكان وهو يحمل مشاعر النقمة التي ربما تبقى في نفسه سنين طويلة، أي أن التمسك بتطبيقات القواعد النظامية في التعامل مع عشرات الآلاف من المتقدمين أو المتقدمات للخدمة المدنية يعد عند هؤلاء من الأمور الخارجة عن المألوف، متناسين في الوقت نفسه متطلبات العدالة والتجرد من قبل كل من يخدمون في هذه الدولة المجيدة، وأن جهاز الخدمة المدنية بالذات أعطي هذه المسئولية وسواها في هذا المجال الحساس وفق متطلبات برنامج الإصلاح الإداري الذي تبنته الدولة سعياً وراء الحيادية والعدالة والتجرد التام أمام جميع المتعاملين والمتعاملات معه من المواطنين والمواطنات، وأن مبدأ الجدارة هو المحك الحقيقي وفق التعليمات النظامية على الجميع. أي أنها ليست طلاسم غامضة لا يعرفها سوى القائمين على العمل وهو ما يجب أن يكون الأمر عليه في جميع أعمال الدوائر العاملة في مجال الشأن العام في بلادنا الغالية.
- هناك فئات من الناس في مجتمعنا، وأنا على ثقة بأنهم متواجدون في المجتمعات العربية الأخرى، وإن كانوا لا يمثلون مجموعات كبيرة، إلا أنهم ليسوا بقلة أيضاً، وهم ممن تسمعهم يتشدقون بخصائص الشرف والأمانة والنزاهة وما وما يصدر عنها من قصص وروايات تنصب كلها في هذا المضمار، وغالباً ما تجدهم يخصون نفراً من الناس هنا أو نفراً هناك ممن قد لا يرقون إلى هذا المستوى من الخلق بما يحاك حولهم من أقاويل أو شبهات في أمانتهم.
ولكن الويل لك والثبور إذا بانت منك بادرة أو مجرد إشارة تشكك في أمانة صديق أو قريب لأحد من هؤلاء الناس وأن ما ينقلونه عن الآخرين ينطبق أيضاً على هذا القريب أو الصديق. فالقيم والمبادئ شيء عند هؤلاء والعاطفة التي تنبع من علاقات القرابة أو الصداقة أو المصلحة الخاصة شيء آخر.
- أن الوسطية قاعدة أساسية في تراثنا الديني، إلا أن نسبة لا يستهان بها من أبناء هذا المجتمع (والمجتمعات العربية المماثلة) قد لا تأخذ بهذا المبدأ على الإطلاق، ففي غالبية ما مر بي أو شاركت فيه من مناقشات وحوارات تجد من النادر أن ترى أحداً يقر بخطأ موقفه أو عدم رجاحة الرأي الذي أبداه مهما كانت المؤشرات أو الدلائل المؤيدة لذلك. كما أن من النادر الوصول بيسر أثناء ما يدور من مناقشات إلى حل وسط في موضوع البحث إلا بمعجزة ما، أو إذا كان الشخص الذي يترأس الاجتماع من الكفاءة بحيث يستطيع لملمة أطراف النقاط أو وجهات النظر المختلف عليها ويقدم حلولاً ترضي الطرفين.
- إن التشدد في المواقف وانعدام الاستعداد لإعطاء وزن لوجهات النظر الأخرى وتبني الأصح منها حتى وإن كانت مناقضة لقناعات الأولى المطروحة في بداية المناقشة والرغبة في الوصول إلى الحلول العلمية التي تعالج الإشكالات القائمة بين وجهات النظر المختلفة، هذه الأمور وسواها يمكن اعتبارها من السلبيات التي تعيق تقدم أي وسط أو بيئة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو ثقافية لأنها تقف حجر عثرة أمام فرص التفاهم والتعاون والعمل المشترك في الوصول إلى الأهداف والنتائج المطلوبة في أي مجال من المجالات التي تهم الشأن العام.
3 - الربط بين الرجل والمنصب:
إن هذه الصفة ذات التأثير البالغ على طبيعة العلاقات الإنسانية في مجتمعنا، ولا بد أيضاً لدى المجتمعات الأخرى في شرقنا العربي، وربما في مجتمعات كثيرة غيرها، تعكس في بعض جوانبها نقاط الضعف أو السلبيات التي لا بد أن تترك أثرها، إذا أضفناها إلى مجموعة العوامل الأخرى التي أشرنا لها سابقاً، على طبيعة التعامل بين الأفراد أو حتى بين الجماعات، وبالتالي فإنها لا بد أن تكون من ضمن المعوقات التي تقف حجر عثرة أمام مدى سلامة حكمنا وقدرتنا على تقييم الرجال وتحديد الصالح منهم من الطالح لما يخدم الصالح العام أو ما لا يخدمه.
ففي نظر البعض منا أن قيمة الرجل الحقيقية لا يمكن أن تنفصم عن المركز الذي يشغله إذ انه في نظر هذه الفئة: الرجل هو المركز والمركز هو الرجل، وقد يكون السبب عائدا لحداثة عهدنا نسبياً بالتنظيمات والهياكل الإدارية وكون من يشغلون المراكز الإدارية عادة ما يمكثون مدداً طويلة فيها مما يجعل المركز وشغله يبدوان كجزء لا يتجزأ بأي حال من الأحوال، والأمر يختلف عندما يترك شاغل الكرسي منصبه. فهو يبدو للعديد منا، وكأن مخالبه قد قلمت أو أن مركزه المعنوي وقيمته الشخصية قد اهتزتا إلى حد كبير مهما كانت كفاءته الشخصية أو مدى ما حققه أو يمكن أن يحققه من فائدة لمجتمعه بغض النظر عن المنصب الذي كان يشغله.
والمسألة محصورة في طبيعة صفات البعض منا وأخلاقياتهم وهي من نقاط الضعف في مجتمعنا. كما قد لا يخلو مجتمنا من أفراد كثيرين تنحصر نظرتهم نحو الآخرين، سواء كانوا في مراكز وظيفية رسمية أو سواها، فيما إذا كان هناك ما يمكن أن يحققه من منافع أو فوائد شخصية عن طريق تعامله أو اتصاله بمثل هؤلاء الناس. وقد يكون هناك منهم من هو ذو صلة أو علاقة قوية ببعض الشخصيات ذات النفوذ والأهمية الاجتماعية وسواها مما يرجى تحقيقه من منافع ومصالح من ورائهم عن طريق التعرف عليهم والاحتكاك بهم.
وبالتالي فإن البعض منا (وربما الكثر) لا يقدر الآخرين أو يقيمهم لذاتهم، بل لمكانتهم الرسمية أو الاجتماعية أو المالية وخلافه.
عوامل قد تساعد في تقبل
مفاهم النظام التعددي
التربية والتعليم:
لا أحد ي يجادل في أن القائمين على التربية والتعليم في بلادنا يولون أو مولون جل اهتمامهم لغرس فكرة المواطنة الصحيحة في عقول النشء ونفوسهم، إلا أن المطلوب مضاعفة الجهد والتركيز على تحقيق المزيد من النتائج. وأن الاستمرار في رفع مستوى المواد وتحسين المناهج التي يتلقاها الطلبة والطالبات لا بد أن يتناسب مع مستويات الذكاء المرتفع التي يتمتعون بها كنتيجة طبيعية للتحسن الكبير في طبيعة الغذاء والسفر وانتشار المرئيات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة. كما أن مضاعفة الجهود المبذولة في الرفع من قدرات القائمين على النشاطات التربوية والتعليمية وأساليب أدائهم من الأمور الحيوية للغاية.
فالمدرسة مكملة للمنزل إن لم تكن أكثر منه أهمية. فعن طريق المدرسة وطاقمها التعليمي يمكن أن تتحقق مستويات عالية من النجاح في:
أ - تعميق مشاعرالولاء والمواطنة الحقيقية لدى الناشئة بمختلفة أعمارهم.
ب - تعويدهم على تقدير مشاعر الآخرين ووجهات نظرهم واحترامها مهما اختلفت عن مفاهيمهم.
ج - معالجة أسباب النزاعات والاختلافات البسيطة التي تحدث تلقائياً بين الصغار سواء بالنسبة لآرائهم أو مواقفهم بحكمة، لجعلهم أكثر استعداداً لتثمين روابط الزمالة والصداقة الحقة والتعاون المثمر بينهم في كل ما يعترض حياتهم المدرسية من شؤون وشجون.
د - دفعهم وتمكينهم من استيعاب الحقيقة الأخلاقية التي يأمر بها الدين الحنيف وهي أن لكل إنسان حقوقاً ولكن عليه أيضاً واجبات لا بد من تأديتها وهي الولاء لدولته ولوطنه بعد واجباته الدينية.
التوجيه والإرشاد الديني:
وهو أعم وأشمل إذ ينطبق على مختلف فئات الأعمار وطبقات المجتمع في كل ركن من أركان هذا الوطن الكبير.. والهدف هنا هو التركيز على الجوانب الدينية وأثرها في المواطنة الحقيقية عن طريق المحافظة على القيم الدينية كالأخلاق الفاضلة والصدق في المعاملة والتعامل مع الآخرين والتعاون معهم في كل صغيرة وكبيرة تخدم الوطن والمواطن واحترام حقوق الغير ومفاهيمهم وكل ما يخص شؤون حياتهم ما دامت ليست مصدر ضرر للمجتمع.
كما يجب ترسيخ أهمية اقتران القول بالعمل وأن تأدية الفروض والواجبات الدينية ليست بكافية إذا لم يصاحبها الصدق في النية والقول والعمل.
الإعلام ودوره في بث الوعي العام:
يتفق غالبية الناس أن ما يقوم به الإعلام من دور في مجال التوعية في الشؤون العامة للمجتمع قاصر إلى حد بعيد، وأن القليل الذي يقدم يبدو لجمهور المشاهدين أو المستمعين غير ذي جدوى ويبعث الملل في نفوسهم. ولربما مكنت الأعمال التنظيمية الأخيرة ومنها ضم الشؤون الثقافية للإعلامية هذا الجهاز البالغ الأهمية من تحقيق الأثر المرجو في المملكة العربية السعودية بمناطقها الشاسعة ومجتمعاتها الإقليمية المختلفة من حيث الطبيعة الجغرافية واللهجات والتقاليد وما إلى ذلك.
إن أهمية رسم سياسة إعلامية - ثقافية لهو في غاية الأهمية للرفع من مستويات الوعي والإدراك الوطني في المملكة في كل ما يخدم أبناءها ويرسخ من روابط وحدة المصير بينهم، كما أن هذه الهيئة يمكن أن تغطي، إذا تبنت مخططاً إرشادياً سليماً وفعالا، ما لا بد منه من قصور في أعمال ونشاطات التوعية الوطنية في المساجد والمدارس وسواها. ومما قد يساعد على ذلك، ولم يتم تنظيم ندوة علمية يشترك فيها نخبة من خيرة العقول المفكرة في الجامعات والمعاهد العلمية والشؤون الإسلامية والإعلامية وخلافها لتطرح تصوراتها في كل ما يحقق أهداف هذه القفزة الإعلامية والثقافية المرجوة.
التطبيق المرحلي لمفاهيم الفكر التعددي
يصعب التصور أن بإمكان أي مجتمع أن يتبنى بين يوم وليلة المفاهيم والنظريات الفكرية للحياة السياسية التعددية والعمل على تطبيقها في مرحلة زمنية قصيرة كما سبق أن نوهنا في بداية هذه الورقة.
إلا أنه عندما يكون هناك اتجاه وسعي جاد مبني على إرادة سياسية عليا معطية الإشارة الخضراء بالبدء في ممارسة التجربة الديموقراطية بشكل تدريجي فإن من الضرورة بمكان أن يتم ذلك وفق خطة طويلة الأجل يشرع في تطبيقها على أسس مرحلية، لضمان نسبة أعلى من توقعات النجاح في هذا المضمار، ومما لا شك فيه أن انتخابات المجالس البلدية الأخيرة في المناطق المختلفة تعتبر مثلاً حياً على ذلك باعتبارها بداية ومنطلقاً للمشاركة الشعبية المدروسة والمخطط لها جيداً. كما أن من الممكن السير في هذا الاتجاه عن طريق تبني منطلقات أخرى عديدة بحيث يتم الشروع بالأيسر والأجدى منها على النحو التالي:
المدارس والمعاهد والكليات والنوادي الرياضية والاجتماعية وسواها:
إن كلا منها يشتمل على أعداد طيبة من الطلبة أو المشاركين والأعضاء وبالتالي فإنهم يمثلون بمجموعهم خيرة اجتماعية مناسبة لغرس مفاهيم النظرية التعددية لديهم. فالمجال المتاح في مثل هذه التجمعات واسع. وكمثل على ما نعنيه هنا هو أن يطرح المشرف أو المسؤول أو الأستاذ موضوعاً ما للمناقشة الحرة ويترك للجميع فرصة المشاركة وإبداء ما لديه من رأي. وعندما يتبلور النقاش وتوضح وجهات النظر المختلفة يمكن حينئذ طرح الأمر للتصويت لمعرفة من يؤيد ومن يعارض نقاط البحث التي يدور الخلاف حولها، كما يتوجب على القائمين على شؤون هذه المؤسسات إبراز ما يعنيه رأي الأكثرية وأن يطلب من جماعة الأكثرية عدم الاستهانة بموقف الأقلية بالرغم من خسارتهم الجولة بل واعطاء شيء من التقدير لوجهة نظرهم ومبررات موقفهم ولكونهم قد يمثلون أكثرية قادمة في مناسبات أخرى للمناقشة.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا هو ضرورة إعطاء الشباب المشاركين الدور الأكثر في سير المناقشات وألا يتدخل المشرفون أو الأساتذة إلا عند الضرورة فقط أي أن تكون مشاركاتهم عند الحد الأدنى لضمان تمتع الشباب المشاركين بمجال واسع من حرية الرأي والقول.
المنزل والأسرة:
إن التربية المنزلية وأسلوب التعامل السليم بين أفراد الأسرة والاحترام المتبادل سواء طريقة معاملة الأب للأم أو العكس أو معاملتهما لصغارهما بخلاف نوع العلاقة والسلوك بين أفراد الأسرة وأقاربهم من أعمام وعمات وأخوال وخالات وأبنائهم وخلافه. فحسن التعامل هذا والذي يتمثل في كل صغيرة وكبيرة تدخل في حياة أفراد الأسرة وعلاقة بعضهم بالبعض الآخر لا بد أن يمتد تأثيره في المدى البعيد على حالة المجتمع بأكمله.
ويمكن على سبيل المثال إعطاء اهتمام أكبر إلى:
- احترام كل فرد من أفراد الأسرة ابتداء من الأب إلى أصغر طفل مشاعر كل فرد منهم.
- قيام كل فرد من الأسرة بمشاركة الأفراد الآخرين أتراحهم وأفراحهم بروح من المودة الصادقة - وهذا أمر يعتبر تحصيل حاصل بالنسبة لتقاليدنا الأسرية عامة في المملكة إلا أننا يجب أن نشجع أبناءنا على استمرارية هذه العادات المتوارثة.
- عدم انتقاص آراء أي فرد من أفراد الأسرة، سواء من قبل أبويه أو إخوته الكبار، بل إضفاء الشعور لديه بأن الجميع يهمهم معرفة الرأي الذي يبديه، وتجري مناقشة ما قد يحتاجه الأمر معه بروح من المودة والتقدير لتحديد جوانب الضعف أو القوة في الرأي المقدم، إلى أن تتولد القناعة الحقيقية لديه بقوة أو ضعف ما يقدمه الفرد المعني من حجج دفاعاً عن رأيه.
- بعد إعطاء الفرصة لجميع أفراد الأسرة للتعبير عن آرائهم بحرية كاملة يمكن عندئذ أخذ الأصوات فيمن يؤيد أو يعارض، وذلك إذا كانت المسألة لها علاقة بأمور تهم الأسرة بعد معرفة وجهات النظر المؤيدة أو غير المؤيدة.
- التزام الصمت التام عندما يتحدث أحد من أفراد الأسرة والاستماع لكل ما يطرح من آراء وأفكار، وبعد انتهاء المتحدث مما لديه، عندئذ يمكن الاستئذان بطرح ما قد يكون هناك من أسئلة أو تعليقات أو خلافه حول ما تم الاستماع إليه من قبل المتحدث فرصة ليعبِّر عمّا لديه، عندئذ يمكن الاستئذان بطرح ما قد يكون هناك من أسئلة أو تعليقات أو خلافه حول ما تم الاستماع إليه من قبل المتحدث أو من يعبه في الحديث أو التعليق وهكذا. والهدف من ذلك إعطاء المتحدث فرصة ليعبِّر فيها عمّا لديه براحة تامة عندما لا يُقاطع من قبل أحد آخر مما يقطع سلسلة أفكاره ويؤثر على ثقته بنفسه ويعيق درجة الإصغاء لدى الآخرين لمايدور أمامهم من حديث.
في المجالس واللجان والهيئات:
من الأمور المألوفة في جلسات اللجان والمجالس والهيئات باختلافها أخذ الأصوات عندما تتبلور المواضيع المطروحة للمناقشة سواء بالنسبة لاختيار الأعضاء أو للموافقة على ما يتقرر في أمور البحث باختلافها. المهم هنا هو تشجيع التوسع في اللجوء إلى التصويت في كل ما له علاقة يسير أعمال هذه المجالس وسواها من اختيار الأعضاء إلى تبني المواضيع المطروحة للمناقشة، وهذا ينطبق على ما يدخل منها في القطاع الحكومي أو الأهلي. كما أنه يجب أن ينطبق ذلك على كل تجمعات مماثلة ابتداء من القرى فالمدن الصغيرة فالمدن الأكبر وهكذا. المهم أن يشعر كل مشارك أن له دوراً يقوم به وأن رأيه له ثقله حتى لو كان ضمن الأقلية. فالمهم هنا هو تثبيت عادة المشاركة الفعّالة التي تحدث ضمن هذا النمط من التعامل واتخاذ القرارات بين الأفراد المشاركين في مثل هذه التنظيمات. فإن ما يعتاده المشارك فيها سيكون له أثره البالغ على الفرد بالنسبة لمشاعره ونظرته لدوره كمواطن من كل ما يهم الشؤون العامة لوطنه.
تشجيع الاطلاع:
إن نشر الثقافة وحب المطالعة من الأمور البالغة الأهمية في رفع مستوى الإدراك والوعي العام لدى المواطنين الصغار. والواجب يقع على الآباء والمشرفين في المدارس والمعاهد والهيئات الحكومية والأهلية والنوادي الاجتماعية، وفي مضمار مدى القصور العام في قدرات مجتمعاتنا واهتماماتها بالاطلاع العام، إن ما يترجم في اليونان من الكتب الجديدة في سنة واحدة، هو أكثر من (100,000) كتاب، أي يفوق ما ترجم من الكتب الأجنبية في عالمنا العربي خلال عدد من السنين. كما أن ما يصدر عن دارين للنشر في نيويورك وبرلين في عام واحد يفوق ما تصدره دور النشر في عالمنا العربي كله في العام.
دور عمليات الاستفتاء في تنمية
الشعور بالمواطنة الحقة:
إن عمليات الاستفتاء هذه يمكن أن تتم في أمور كثيرة لا تتصل بشؤون السياسة. المهم هو تعود المواطن على تقييمه لنفسه وعلى دوره في إبداء المشاركة وإبداء حقيقة مشاعره في كل ما يعرض عليه من قضايا تهمه وتهم الآخرين بنسب متفاوتة حتى البسيطة منها.
فوزارة الاعلام مثلاً بإمكانها الاستفادة من عمليات الاستفتاء التي يمكن اتباع وسائل مختلفة لإجرائها كاستعمال الهاتف أو توزيع الاستمارات، والهدف منها معرفة مشاعر المواطنين حيال بعض برامجها أو أنشطتها الإعلامية.
والأمر نفسه يمكن أن تقوم به الوزارات الأخرى، كالزراعة، والبلديات، وحتى الدوائر الحكومية الفرعية في الأقاليم وغيرها.
ومع أن تجربة وزارة المياه والكهرباء التي تمت منذ بضع سنوات في هذا المضمار لم تحقق نتائج مرضية إلا أنها تعد بادرة جيدة من حيث المفهوم.
إن الفكرة من الاستفتادات هي الوصول إلى عينات ونسب من المواطنين سواء كانت صغيرة أو كبيرة حسب نطاق العملية وأهدافها وإشعار كل منهم أن رأيه يهم الدولة والمجتمع بصورة من الصور وأن الأمر المطروح للاستفتاء له علاقة بصالحه أو بصالح فئات كثيرة من المواطنين، وأن ما يريده هو أو ما لا يريده في هذا الشأن سيكون المعيار الذي يوصل إلى النتائج المستهدفة من عملية الاستفتاء.
وأخيراً، إن ما اشتملت عليه هذه الورقة ما هو إلا محاولة متواضعة لعل فيها ما يعين في تسليط الضوء على أن المفاهيم المتصلة بروح العمل السياسي التعددي لها محاذيرها الكثيرة بل والخطيرة إذا لم تؤخذ كل الأمور والعناصر السياسية والاجتماعية والثقافية والتاريخية والاقتصادية.. إلخ في الاعتبار عندما ينظر في تبنيها في محيطنا الاجتماعي والسياسي. ويمكن هنا تشبيهها بالطائرة التي لا يمكن أن تحلّق وتهبط إلا في مدرجات مهيأة لذلك وضمن محيط خال من الجبال أو التلال أو الأشجار التي تجعل عمليات الإقلاع والهبوط سلسلة لا تنتهي من المغامرات والأخطار.
والله الموفق،،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.