قد لا يكون مستغرباً أن يجذب ممثل أو ممثلة في مسلسل المشاهدين فيتابعوهما بشغف، جراء تعلقهم بهما وبأدائهما المحترف والمتقن على رغم عدم اقتناعهم بجو المسلسل وأحداثه وإخراجه وقصته عموماً. هذا ما حصل معي عند مشاهدتي حلقة من مسلسل «الحب الحقيقي» (أل بي سي) الذي تؤدي فيه الممثلة القديرة باميلا الكك دور البطولة، وهو دور فتاة تدعى نورا تنتمي إلى أسرة ثرية تعاني حالاً من الإفلاس، والدها جنرال متقاعد، وهو أب حقيقي طيب القلب (الممثل القدير أسعد رشدان) وأمها (الممثلة القديرة نهلة داود) امرأة تحب المال وتسعى إليه ولو كان الثمن خيانة زوجها... في مثل هذا الجو تطل نورا، التي تقع في حب دركي ذي رتبة عادية يدعى رامي (الممثل نيكولا معوض) لا ترضى عنه الأم الطماعة، وتحاول أن تعرقل هذه العلاقة عندما تعلم بها بطرق شتى، لاأخلاقية في أحيان، وتعهد إلى ابنتها الزواج من شاب ثري ترفضه الابنة قطعاً. تتشابك قصة المسلسل المقتبس -أو «المستنسخ» استنساخاً رديئاً- من مسلسل مكسيكي يحمل العنوان ذاته وتتقاطع أحداثه ووقائعه وشخصياته على الطريقة المكسيكية، لكنْ لبنانياً، أي عشوائياً وبحسب قدرة معدّة النص وكاتبة حواراته الممثلة لمى مرعشلي، التي تؤدي أيضاً دور فتاة ثرية ساذجة تقع ضحية احتيال يقوم به شقيق البطلة نورا بطريقة مفضوحة لا يمكن تصديقها إلا في الدراما اللبنانية الركيكة. ولعل الهوية الممسوخة للمسلسل المكسيكي– اللبناني أوقعته في الضعف والهزال، بل في السذاجة، فلم يكن لبنانياً ولا مكسيكياً، بل «مكتوم القيد» وضائع الهوية. كيف يمكن أن يهرب متهمان هما شرطيان، أو دركيان، أحدهما السجين رامي حبيب نورا، ويرتكبان جريمة ويتنقلان من بلدة إلى أخرى وينامان في الحقول والغابات ثم في بيت فخم تملكه غانية في بار ليلي تقع في حب رفيق رامي؟ بل كيف يمكن أن يتعرضا لحادث سيارة تهوي في أسفل الوادي ويُعلَن موتهما من دون أن تتحقق الشرطة من هذا الموت وتتأكد من وجود الجثتين؟ كيف يمكن أيضاً أن يكون أحد المراجع الأمنية الكبيرة في خدمة السيدة زوجة الجنرال الطماعة وأن يوافيها بمعلومات سرية؟ كيف يمكن أن يكون أحد المحافظين اللبنانيين، وهو مسؤول رسمي كبير في الدولة، رجل عصابات وشاذاً جنسياً، ويدير أعمال سرقة وتهريب ويرتكب جرائم بسهولة؟ يحفل المسلسل بالمفارقات العجيبة والغريبة التي يستحيل تصديقها ويعجز الإخراج «المقولب» عن إقناع المشاهد بها، بل الإخراج لا يهتم بالمشاهد ولا يحترمه ويقدم إليه ما ينص عليه السيناريو المكسيكي في شكل هجين واقتباس ركيك يحتاج إلى حِرَفية مفقودة تماماً. كل شيء ممكن في مثل هذا النوع من الدراما اللبنانية المنحطة، كل حدث ممكن ولو كان مستحيل الحدوث. شقيق مدير المزرعة التي تنتهي إليها نورا بعدما زوجتها أمها بصفقة مالية إلى الشاب الثري راكان، يقتل شقيقه بسهولة ويقتل أيضاً آخرين وينفذ بفعلته، فلا تأتي الشرطة ولا المحققون، والحجة دوماً أن طريق المزرعة محفوف بقطاع الطرق والمجرمين واللصوص الفالتين الذين لا يلاحقهم أحد. حتى راكان (جوليان فرحات) نفسه، وهو المزارع البسيط، يتحول فجأة ثرياً، بعد أن يورثه صاحب المزرعة كل أملاكه ويعترف له بأنه والده في لحظة احتضاره. ولا تلبث أمه أن تطل أيضاً بعدما كانت مسجونة ظلماً من غير أن تعلن له أنها أمه، فتعمل في مزرعته خادمة... كلها مفارقات عجيبة لا تحصل إلا في الدراما المكسيكية الملبننة في طريقة فادحة. حتى المزرعة لم يعرف المشاهد ما هي، ولا ما هو محصولها. أما الشركة التي ورثها راكان المزارع البسيط، الذي يقع في حب نورا ويتزوجها زواجاً مدبراً، فلا نعلم ما هو نوعها. قد لا يكون مهماً نقد هذا المسلسل إخراجاً أو تصويراً أو من ناحية الكتابة أو «الاستنساخ» النصي أو حتى من ناحية إدارة الممثلين، وهي أكثر ما تفتقده الدراما اللبنانية عموماً، فالمسلسل بعيد من الاحتراف كلياً، وخال من الأبعاد التقنية، على رغم حضور بعض الممثلين المهمين، مثل: أسعد رشدان، نهلة داود، ونغم أبو شديد... لكن الممثلة الكبيرة باميلا الكك استطاعت أن تشكل حالة خاصة في المسلسل، نتيجة أدائها المتقن والعالي، وبراعتها في تجسيد دور الفتاة العاشقة التي تحيا صراعاً داخلياً بين الوفاء لأبيها الذي هو مرجعها العائلي، على خلاف أمها التي زوجتها في صفقة مالية، وبين حبها الجارف الذي وقع في الالتباس منذ أن اتُهم حبيبها رامي بارتكاب جريمة هو بريء منها، وارتباطها بزوجها راكان أيضاً الذي تعيش معه مرغمة. تحيا باميلا هذه اللحظات عيشاً داخلياً بشفافية وبراعة، وتنجح في منح شخصيتها التعابير المفترضة والتلاوين التي تلائمها، متنقلة بين حالة وأخرى، بين خيبة وأمل، وممسكة بمتانة بالخيط الداخلي للدور الذي تؤديه. تثبت باميلا الكك مرة تلو مرة أنها ممثلة كبيرة حقاً، وأنها قادرة فعلاً أن تنقذ مسلسلاً هي بطلته من الوقوع في الرتابة والملل، مضفية عليه حضورها الساحر وقدراتها الكبيرة.