تتوقع وكالة الطاقة الدولية، في حال استمرار مستوى أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل خلال العام الجاري، ان يرتفع الريع النفطي لدول منظمة «أوبك» إلى مستوى قياسي يبلغ نحو تريليون دولار هذا العام. ومعروف ان أسعار النفط الخام تجاوزت مستوى 100 دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة. أسباب هذا الارتفاع كثيرة. فهناك أولاً، الزيادة المستمرة في الطلب على النفط من الدول الآسيوية الناشئة (الصين، الهند وكوريا)، إضافة إلى ارتفاع الطلب من بعض الدول الصناعية الغربية (خصوصاً الولاياتالمتحدة الأميركية). ثم الثورات والاضطرابات المتلاحقة في الدول العربية، النفطية منها أو غير النفطية. وتخوفت الأسواق في بادئ الأمر من احتمال إغلاق قناة السويس بسبب الثورة في مصر (بقيت مفتوحة للشحن البحري من دون توقف على رغم الاضطرابات والاعتصامات في مصر). ثم انتقل الخوف عند انقطاع الإمدادات من ليبيا (وقد توقفت لمدة 18 يوماً بالفعل لكن تم تعويضها ولم يحصل نقص في الأسواق). وهناك الآن مخاوف من استمرار القلاقل في الشرق الأوسط، بخاصة احتمال توسع الخلافات الخليجية – الإيرانية وإمكان التصعيد. وطبعاً، أثرت النتائج المأسوية للزلزال المدمر في اليابان، في أنواع الطلب على الوقود. وأخيراً، هناك تهديدات الثوار في نيجيريا بتدمير المنشآت النفطية، وتهديد موظفي شركات النفط العاملة في دلتا النيجر أثناء الانتخابات التي ستجرى في البلاد خلال الشهر الجاري. لقد أقلقت المتغيرات أعلاه أسواق النفط، ودفعت الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الى توقع ارتفاع الأسعار إلى نحو 150 دولاراً للبرميل. يؤكد بسام التميمي (الشركة العربية للاستثمارات البترولية - ابيكورب) في محاضرة له أمام ملتقى أساسيات صناعة النفط والغاز لمنظمة «اوابك» في الكويت في أواخر الشهر الماضي، انها بلغت بين عامي2000 و 2009، نحو ثلاثة تريليونات دولار. كما يشير الى أن الناتج المحلي للدول النفطية العربية ارتفع خلال العقد الماضي من 678 بليون دولار في عام 2000 إلى أكثر من 1713 بليوناً في عام 2009، أي أكثر من 250 في المئة. وتقوم مؤسسة «ابيكورب» بدراسات متواصلة لتحديث معلوماتها سنوياً. والسؤال الثاني الواجب طرحه هنا: ما هي كمية الأموال المطلوبة لتحديث الدول العربية؟ ونطرح السؤال طبعاً في ظل التغييرات الأساسية والقلاقل الواسعة النطاق على المستوى العربي عموماً، وفي ظل ثقافة الفساد التي تعم بلداننا، والغياب الفاضح للأمن الإنساني، كتوفير المتطلبات الأساسية للمواطن، من مياه وكهرباء وتعليم حديث وعلاج طبي متطور، ناهيك عن الحريات الأساسية والمساواة أمام القانون. اما السؤال الثالث الذي لا بد من طرحه فهو: هل يمكن تحديث المجتمعات في ظل ما هو قائم من فساد وخلل في أنظمة الحكم، والعجز عن التغيير السلمي في الإدارة؟ وهل ستفرق بضعة ملايين او حتى تريليونات من الدولارات في تغيير النمط الحياتي للمواطن العربي من دون تغيير أساسي في تعامل المسؤولين مع المواطنين، واحترام واحدهم الآخر؟ ما هي الطرق لمعالجة الوضع المأسوي؟ طبعاً لا تفيد شكاوى المواطن اليومية، لأن لا أحد يسمع إلا عند الثورات. فخير طريقة للتعامل مع الأمر سلمياً هي تواجد سلطة تشريعية (مجالس نواب أو شورى) تراجع الموازنات العامة بدقة، كما تحرص على مراقبة طرق الصرف ومجالاتها. فمن دون دور فعال لمجالس تشريعية قديرة وفعالة، من الصعب أو من المستحيل تقييد تصرفات الحكومات التي يتوافر لديها الريع النفطي القياسي. وثانياً، يتوجب تخصيص نسبة محددة ومحدودة من الريع النفطي للمعاشات الحكومية. لقد أفلتت الأمور في بعض الدول، وتحول أكثر من 80 في المئة تقريباً من الدخل النفطي لتغطية رواتب موظفي الدولة. بينما يجب تخصيص نسبة عالية من الريع النفطي لمشاريع الإعمار والتحديث، وعدم الاستمرار في عملية التوظيف والبطالة المقنّعة، من اجل كسب ولاء المواطنين، من دون نتائج اقتصادية مثمرة. إن الاستمرار في سياسة التوظيف المفتوح من دون قيود يجلب الويلات على الجميع، بمعنى ان الدول المنتجة ستعتمد أكثر فأكثر، إما على ارتفاع الإنتاج، أو زيادة الأسعار، او كليهما، ما يعني أن لا حدود لحاجة الدول الى الريع النفطي، ويقودها الى الإدمان المستمر على الأسعار العالية للنفط، والإسراف في صرف ما هو متوافر حالياً على أمور غير منتجة. إن الانعتاق من الديكتاتوريات والحكومات المستبدة لا يعني فقط الولوج في دورات انتخابية. فمن الواضح ان المجالس النيابية العربية قد فشلت في أداء مهماتها كما يجب. ومجتمعاتنا، كما هو معروف، تتشكل غالبيتها من الشباب (أكثر من 60 في المئة في بعض الدول). وهؤلاء لهم كل الحق في الحصول على التنظيم من طريق منظمات المجتمع المدني (النسائية والتربوية والصحية)، وعلى الدعم كي يشاركوا بدورهم في مراقبة أداء الحكومات والمساهمة في العطاء لبلادهم. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة