استنفرت المعارضة المصرية لتأمين أكبر مشاركة ممكنة في التظاهرات التي دعت إلى تنظيمها غداً في إطار ما أطلقت عليه «جمعة المحاكمة والتطهير»، فيما سعت الدولة إلى اتخاذ خطوات لطمأنة الشباب إلى تلبية مطالبهم، إذ قررت حبس وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان الذي تحوم شبهات حول تورطه في قضايا فساد 15 يوماً على ذمة التحقيق معه، كما التقى رئيس الوزراء الدكتور عصام شرف وفداً من ائتلافات شباب الثورة أمس. وأفيد بأن شرف «طمأن الشباب إلى أن حكومته هي حكومة الثورة وأنها ماضية في تحقيق أهدافها»، كما أبلغهم بأن «الوقفات السلمية في أيام الإجازات التي لا تعطل المرور والأعمال لا تقلق الحكومة في شيء»، مشيراً إلى أنه يدعم «صحوة الشباب حتى تحقق الثورة كل أهدافها وتصل مصر إلى الديموقراطية». وعرض على الشباب الخطوات التي اتخذتها الحكومة في سبيل تحقيق هذه الأهداف. غير أن دعوات أطلقت على موقع «فايس بوك» لتحويل تظاهرات جمعة التطهير إلى اعتصام لا ينفض حتى يلبي المجلس الأعلى للقوات المسلحة كل مطالب الثورة، كما رفض ثلث أعضاء الائتلاف حضور لقاء شرف. وعقدت «اللجنة التنسيقية لجماهير الثورة» التي تضم شباباً من «الإخوان المسلمين» و «الجمعية الوطنية للتغيير» و «تحالف ثوار مصر» و «مجلس أمناء الثورة» و «ائتلاف شباب الثورة» و «ائتلاف مصر الحرة» و «حركة شباب 25 يناير»، اجتماعين أمس وأول من أمس من أجل الاستقرار على صيغة بيان يتضمن مطالب الثوار لتوزيعه في تظاهرات الغد. وحددت اللجنة ثمانية مطالب «ضرورية من أجل تطهير البلاد من الفساد»، على رأسها سرعة القبض على الرئيس المخلوع حسني مبارك وعائلته «وأعوانه الفاسدين» خصوصاً رئيس مجلس الشعب فتحي سرور ورئيس مجلس الشورى صفوت الشريف ورئيس ديوان رئيس الجمهورية زكريا عزمي ورئيس الوزراء السابق أحمد نظيف والتحقيق معهم «ومحاكمتهم على كل ما اقترفوه من جرائم في حق الشعب المصري». ورفع الثوار للمرة الأولى مطلب إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود «وتعيين جهاز قضائي مستقل حر ونزيه لمحاكمة رجال النظام السابق»، كما طلبوا إقالة نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيى الجمل «بعد سقطاته المتكررة وما أحدثه من فتن، وفشله في إدارة الحوار الوطني، وعلاقته ببعض رموز النظام السابق، ودعوته إلى مشروع مرسوم بقانون لتخفيف العقوبات عن الفاسدين»، وفق البيان. وأكد البيان «ضرورة إقالة ومحاكمة كل العناصر الفاسدة وكل من ارتكب جرائم في حق الشعب والمتظاهرين، وتطهير الأجهزة الأمنية والحكم المحلي منهم وسرعة الإفراج عن جميع السجناء السياسيين وتعويضهم وسرعة حل المحليات، الذراع الرئيسي للثورة المضادة والحزب الوطني الفاسد، وتحديد موعد قريب لإجراء انتخابات المحليات على أسس سليمة». وشدد على «ضرورة استكمال تطهير المؤسسات الإعلامية والصحافية وكل الوزارات والمؤسسات الرسمية والبنوك من رموز النظام السابق ومحاكمة الفاسدين منهم وإقالة رؤساء الجامعات وعمداء الكليات وانتخاب الأكفأ وإصلاح نظام التعليم»، كما طالب «بسرعة سن قانون لتحديد الحد الأدنى للأجور». وأهاب بالقوات المسلحة «عدم التباطؤ أكثر من ذلك في تنفيذ هذه المطالب حفاظاً على حقوق الشعب ومكتسبات الثورة وأن يبقي شعار الجيش والشعب يد واحدة هو الشعار السائد حتى يرد الجيش الأمانة الكاملة إلى الشعب في نهاية المرحلة الانتقالية بعد إجراء الانتخابات التشريعية والمحلية والرئاسية قبل نهاية العام». وعلمت «الحياة» أن نيابة أمن الدولة العليا بدأت تحقيقاتها في اتهام رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف ب «الإضرار بالأمن القومي المصري» على خلفية إسناده مهمة تأمين سرية الحسبات المصرفية ونظام الحاسب الآلي الذي يدير مؤسسات الدولة إلى شركة مقرها الرئيس في الشرق الأوسط في إسرائيل. وقال مقدم البلاغ المحامي طارق عبدالرحيم ل «الحياة» إن النيابة استمعت إلى أقواله في هذا الشأن وأمرت الجهات الرقابية بالتحري عن الواقعة استعداداً لاستدعاء نظيف لسؤاله فيها. وكانت نيابة الأموال العامة بدأت أمس التحقيق مع وزير الإسكان السابق محمد إبراهيم سليمان في قضية اتهامه ب «التربح للغير» وتسهيل استيلاء شركة يملكها صهر علاء مبارك رجل الأعمال مجدي راسخ على المال العام من دون وجه حق. وكانت مباحث الأموال العامة ألقت القبض على سليمان في منزله وسلمته إلى النيابة بعد قرار بضبطه وإحضاره نظراً إلى عدم مثوله أمام النيابة للتحقيق معه على رغم إخطاره بالحضور. وكشف تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات أن «سليمان خصص أرضاً لراسخ بسعر يقل عن سعرها الحقيقي ما تسبب في خسارة قدرها 600 مليون جنيه للمال العام، إلى جانب أن راسخ لم يقم بسداد 13 مليون جنيه تمثل مقابل رسوم تنمية على الأرض ولم يطالبه سليمان بسدادها». وكشفت التحقيقات أن «سليمان خفض من سعر الأرض 4 جنيهات للمتر مقابل قيام راسخ بإنشاء محطة صرف صحي بالأرض قيمتها 50 مليون جنيه، بينما تبين أن راسخ قام بإنشاء محطة رفع فقط بقيمة 10 ملايين جنيه على نحو تسبب في ضياع 40 مليون جنيه من المال العام». في غضون ذلك، نفى الناطق باسم النيابة العامة المستشار عادل السعيد ما نشر في وسائل الإعلام عن أن النائب العام قال لوفد دولي إن مبارك لا يواجه أية تهم جنائية، وأنه يخاطب النيابة العسكرية لتحويل المدنيين إلى النيابة العامة. وأكد السعيد أن «الرئيس السابق وكل أفراد أسرته أو أي مسؤول آخر ليسوا فوق المساءلة الجنائية». إلى ذلك، أكد سفير بريطانيا لدى مصر دومينيك آسكويث أن بلاده على استعداد تام لإعادة أصول وأموال المسؤولين المصريين التي تم تجميدها في بريطانيا «إذا قدمت السلطات المصرية الأدلة التي تثبت أن هذه الأموال تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة». وقال ل «وكالة أنباء الشرق الأوسط» إن «عملية استعادة هذه الأموال لا بد من أن تتم وفققاً للقانون البريطاني ومن خلال قرار لمحكمة بريطانية»، مشيراً إلى أن لندن طلبت من القاهرة قبل أكثر من شهر إثبات أن هذه الأموال تم الحصول عليها بطريقة غير قانونية، وأنها تنتظر الرد، «وإذا توافرت الأدلة فإن القضاء البريطاني سينظر في ما إذا كانت هذه الأموال تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة، وإذا وجد أن هذه الادعاءات صحيحة، فإن هذه الأموال ستعود إلى مصر». من جهة أخرى، شن «حزب التجمع» هجوماً حاداً على «قوى سياسية» قال إنها تلتف على قانون الأحزاب الذي يحظر تأسيس أحزاب على أساس ديني. وقال في بيان إن «تلك القوى تلجأ حالياً إلى تأسيس أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية، ليكون الحزب السياسي مجرد واجهة للجماعة الدينية»، في إشارة إلى «الإخوان المسلمين». وأضاف أن «بعض القوى السياسية تنشر دعاوى التمييز بين المواطنين على أساس الدين، وتقحم الدين في آليات العمل السياسي لتحقيق أهداف سياسية». وكان رئيس الحزب الدكتور رفعت السعيد التقى أمس الأمين العام لحزب «الوفد» فؤاد بدراوي لمناقشة العلاقة بين الحزبين. وأكد «ضرورة توحد كل القوى الوطنية والديموقراطية والليبرالية لإقامة دولة مدنية حقيقية ودستور يحمي مواطنيها جميعاً على قدم المساواة وبرلمان يمثل قوى المجتمع تمثيلاً حقيقياً ومتوازناً لمواجهة قوى التخلف والتعصب والمتاجرة بالدين وهو ما يتطلب أن تتم الانتخابات على أساس قوائم نسبية مفتوحة غير مشروطة».