رغم أن المتابع يلحظ بوضوح اشتغالات رئيس النادي الأدبي بالرياض الدكتور عبدالله الوشمي، ومسؤولياته الإدارية والثقافية والأكاديمية، ويستغرب كيف يوفر وقتاً لكتابة قصيدة، إلا أن الشاعر يعلن من وقت لآخر تمرده داخله، دافعاً به ليكون أحد الأصوات الشعرية السعودية الشابة التي تتابع تجربتها وتفردها بخاصة فيما يعرف بالقصيدة القصيرة. فبعد مجموعتيه الشعريتين: «البحر والمرأة العاصفة» (2003م)، و«قاب حرفين» (2005م) واللتان لاقتا اهتماماً من نقاد التجربة الشعرية السعودية، قبل أن تجدا اهتمام القراء، ها هو يعود عبر مجموعة ثالثة حملت عنواناً لافتاً «شفاه الفتنة» كرّس فيها الوشمي هذا النوع من القصائد القصيرة ليمثل ليس تجربته الخاصة وحسب، بل ويمثل تجربة القصائد القصيرة نفسها. تقع المجموعة الغنية بالمفردات في 208 صفحات من القطع المتوسط، وتأتي قصائدها القصيرة محملّة بالوعي، متطرقةً لعلاقة الإنسان بمحيطه، يزاوج فيها الوشمي ما بين الحكاية من دون أن يتورط في تفاصيلها، وما بين ومضة الشعر من دون أن يفقد سلمه وإيقاعه الموسيقىّ العذب، مؤسساً بذلك حال كشف وتسجيل فريدة للحظة، وحال توظيف سلسة لليوميّ، مستمداً من طاقة الشعر ومن تأملاته الفلسفية الخاصة، ليشحن كل فكرة محددة في مقطوعاته الشعرية القصيرة، بفضاء رحب تتنوع فيه لأفكار وتتعدد بالتالي فضاءات قراءتها. ونستطيع القول إن هذه المجموعة التي حملت عنواناً فرعياً «قصائد قصيرة» هي من أولى المجموعات التي تجيء كل القصائد فيها، قصيرة، بل وقصيرة جداً في بعضها. ولعل ما يؤكد ذلك طريقة التنويع التي جاءت على شكل أبواب ولافتات رئيسية لأكثر من 20 مدخلاً، حملت إضافة إلى عناوينها الدالة، عناوين داخلية أخرى لمقطوعات شعرية أو ومضات قصيرة جداً، إضافة إلى قصائد أخرى حملت عناوين الأبواب نفسها. من أبواب المجموعة نقرأ العناوين: الثياب، الحديقة، البيت، الشارع الأخير، الزوايا التي، قبل اكتمالهم، أبواب تتنفس، قطرة باتجاه السماء، نبوءة الليل، أبجدية ما زالت تكتمل، احتمالات حاسوبية، محبرة الألوان، السيرة الأولى، مرثية الظل، دوار البحر، الدواة، ومعك، ونطل على مفردات أخرى دالة هي الأخرى وتشكل عتبات لكل مقطوعة شعرية على حدة، فيما جاءت القصائد المستقلة بالعناوين: مرات، وقبلة والفصول واستقالة الورد. في باب حمل عنوان الحديقة، ينتقل الوشمي بقارئه في تنويعات بهيجة لبستان، والورد، والأثل، وقصب السكر، إضافة لفواكه الرمان والكرز والموز، ويدلف في باب آخر حمل عنوان البيت، لداخله مفتشاً في مفرداته بدءاً من السور والثقب والجرس، ثم الزوايا، وقبله الجار، ويربط كل تلك المفردات بمقطعيّ البيت وغرفه الخيمة، مستعيداً كل لحظات المكث والدوام والعودة إلى البيت، ويعرج في باب عنونه ب«دفتر العائلة» لعلاقات إنسانية ابتدأت بالجد ثم الأب والأم وانتهت بالأخ والأخت. تأتي تجربة الوشمي لتنمّ عن طاقة شعرية مميزة، ومتوهجة بالعطاء، تختزن فيها القصائد بقيمتها الموحية محتفظةً بجرسها الموسيقي الخاص، لتقدمه جنباً إلى جنب كأديب قدّم للمشهد الثقافي ولا يزال كتباً ودراسات نقدية تناولت قضايا مهمة، إضافة إلى نشاطه الدؤوب ليس في إدارة نادٍ يمثل المركز لأندية الوطن الأدبية، بل لتفعيل دور المركز الثقافي الحقيقي في خدمة المجتمع والمثقف على حد سواء.