اتخذت الأزمة اليمنية منحى دموياً متزايداً أمس مع مقتل 17 متظاهراً في تعز برصاص الجيش وقوات الأمن، وإصابة المئات بجروح، في ثاني يوم من المواجهات العنيفة في المدينة التي تحولت شوارعها الى ساحات قتال، في حين سجلت عشرات الاصابات بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع في مدينة الحديدة، وكاد الوضع في العاصمة ان يصل الى مواجهة بين قوات الجيش المتضامنة مع المحتجين وبين وحدات من الأمن المركزي حاولت اقتحام ساحة الاعتصام الرئيسية قبالة جامعة صنعاء. ويأتي هذا التدهور الأمني في وقت لا تزال الأزمة السياسية تراوح مكانها بعد فشل المفاوضات بين الرئيس علي عبدالله صالح وأحزاب المعارضة في التوصل إلى صيغة توافقية لانتقال السلطة سلمياً، بانتظار بدء وساطة بين الطرفين اعلن عنها المجلس الوزاري الخليجي في الرياض أول من أمس، فيما يواجه الرئيس اليمني ضغوطا متزايدة من جانب الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي للتنحي، حيث أكدت مصادر ديبلوماسية في صنعاء ل «الحياة» ان السفير الاميركي أبلغ الرئيس أخيراً بضرورة أن يتخذ خطوات سريعة وملموسة لتنظيم انتقال السلطة في أقرب وقت. وقالت مصادر متطابقة في تعز (270 كلم جنوب صنعاء) ان المواجهات في المدينة بدأت عندما حاول متظاهرون الاقتراب من مبنى المحافظة، فاستخدمت قوات الأمن القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم ثم الرصاص الحي، ما ادى الى مقتل 17 شخصا على الأقل واصابة اكثر من 400 آخرين بجروح. وقال مصدر طبي في المستشفى الميداني في ساحة الاعتصام في تعز أن قوات الأمن استخدمت الرصاص الحي ضد المحتجين، وأن 50 من الجرحى في حال حرجة، في حين أصيب الباقون بحالات اختناق وتسمم جراء تنشق الغاز المسيل للدموع. غير ان محافظ تعز حمود الصوفي نفى ان تكون قوات الأمن اعتدت على المتظاهرين الذين اتهمهم بمحاولة اقتحام مبنى المحافظة، ونقلت وكالة الأنباء اليمنية عنه قوله: «إن مجموعات من المعارضة قامت أمس بالاعتداء على مقر المحافظة مستخدمة الأسلحة النارية، حيث أسفر الاعتداء عن سقوط قتلى وإصابة آخرين بجروح مختلفة»، وأشار إلى انه تعذر معرفة عدد الضحايا في صفوف المعارضين بسب نقلهم إلى داخل المخيمات (ساحة الاعتصام) ومنع سيارات الإسعاف من دخولها والقيام بواجباتها الإنسانية. وفي الحديدة، وقعت مواجهات بين محتجين وبين أنصار حزب «المؤتمر الشعبي العام» الحاكم، وقالت مصادر محلية أن قوات الأمن تدخلت لفك الاشتباك بين الطرفين بعدما قام متظاهرون بقطع الطريق الرئيسي الذي يربط بين المحافظة والعاصمة صنعاء، ما أدى إلى وقوع نحو 200 جريح، 13 منهم أصيبوا بالرصاص وهم في حال خطرة. وفي صنعاء، ذكرت وكالة «فرانس برس» ان قوات الجيش بقيادة اللواء الركن علي محسن الأحمر منعت نحو 200 عنصر من قوات الأمن المركزي من اقتحام «ساحة التغيير» من دون اللجوء الى السلاح. وافادت مصادر أمنية ان السلطات اعتقلت نحو 30 شخصا في العاصمة امس. في هذه الأثناء دعت أحزاب المعارضة المنضوية في تحالف «اللقاء المشترك» دول مجلس التعاون الخليجي إلى التدخل لوقف نزيف الدم في اليمن، وقالت في نداء عاجل «نتوجه لأشقائنا في دول الخليج ونتمنى منهم أن يكون لهم موقف رادع لنظام علي عبدالله صالح الدموي، وأن يقفوا إلى جانب الشعب اليمني الذي يكن لهم كل خير». وناشدوا في بيان حصلت «الحياة» على نسخة منه «الأسرة الدولية وأجهزة الأممالمتحدة المعنية بحقوق الإنسان، والمنظمات الدولية المعنية بسرعة التدخل لإيقاف صالح وحاشيته، والحؤول دون سفك المزيد من دماء اليمنيين لمجرد التعبير السلمي عن حقوقهم ومطالبهم بالتغيير»، وطالبوا الجميع بالعمل على «استخدام كافة الآليات الدولية التي يعول عليها إيقاف الخطر ضد السلم العالمي، وإيقاف إراقة الدماء والجرائم ضد الإنسانية، وعدم إفلات مرتكبيها من العقاب». وفي واشنطن، اعرب البيت الابيض عن قلقه من استغلال تنظيم «القاعدة» لأي «فراغ سياسي» في اليمن. وقال الناطق باسم الرئاسة الاميركية غاي كارني «اننا بطبيعة الحال قلقون من رؤية القاعدة وجماعات اخرى يحاولون استغلال فراغ سياسي في هذه الفترة من اعمال العنف». واضاف «هذا احد الاسباب التي ندعو من اجلها الى الحوار واطلاق الجدول الزمني للعملية الانتقالية الذي تحدث عنه الرئيس صالح». وفي سياق متصل، قالت صحيفة «نيويورك تايمز» الأحد أن «الولاياتالمتحدة خلصت إلى انه ليس محتملاً أن يطبق الرئيس اليمني الإصلاحات التي يطالب بها المعارضون وعليه أن يتنحى، وتحدثت واشنطن علنا عن قلقها بشأن من سيخلف صالح الذي تعتبره حليفاً ساعد في احتواء جناح تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتمركز في اليمن. وقال صالح انه سيكون مستعدا للتنحي في غضون عام بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية وان أي رحيل مفاجئ قد يسبب فوضى». واضافت الصحيفة إن «إدارة الرئيس باراك أوباما كانت تساند صالح ولكنها بدأت في تغيير موقفها خلال الأيام الماضية»، وذكرت أن مسؤولين أميركيين ابلغوا حلفاء وبعض الصحافيين أنهم يرون الآن أن استمرار صالح في السلطة أمر لا يمكن الدفاع عنه وأنهم يعتقدون انه عليه التنحي».