صعوبة تأمين نفقات التعليم في سورية لا تؤرق بال الطلاب وحدهم بل تمتد إلى عائلاتهم، فنسب الطلاب الذين يتوقفون عن إكمال تعليمهم في مراحل الدراسة الأولى، أو بعد وصولهم إلى أبواب الجامعة إلى ارتفاع متزايد وذلك نتيجة الحاجة إلى الدعم المادي بشكل أساسي. فثمن الكتب وتكاليف المواصلات ونفقات الإقامة وأقساط الجامعة كلها تشكل عبئاً على الطالب وأهله، وكثيراً ما حلم السوريون بجهة يمكن لها أن تدعم الطلاب لإكمال تعليمهم. غير أن هذا الحلم يوشك أن يصبح واقعاً، وإن بخطوات لا تزال «متواضعة» مقارنة بحجم الحاجة إليها، فالعام الماضي بدأ في دمشق نشاط جمعية تدعى «طموحي– صندوق كفالة العلم» وهي جمعية أهلية أسستها شخصيات ذات نشاط اجتماعي في سورية، بهدف دعم الطلاب المتفوقين دراسياً ممن يواجهون صعوبات مادية في إتمام تعليمهم في المرحلة الجامعية، وذلك من طريق تقديم منح أو قروض لتغطية التكاليف المالية المترتبة على الطالب طوال فترة دراسته الجامعية. والجمعية التي تأسست في 2008 قدمت منحاً لنحو عشرين طالباً، وهو رقم يجده عبدالقادر حصرية نائب رئيس مجلس إدارة طموحي ومستشارها المالي «متواضعا جداً» بالنسبة لخطة عمل الجمعية في السنوات المقبلة، إذ يتوقع القائمون على الجمعية أن يستفيد عدد أكبر من الطلاب من المنح والقروض التي تقدمها «طموحي». ويأتي تمويل الجمعية من شركات سورية ورجال أعمال قدموا تبرعات نقدية، إضافة إلى منح عينية في بعض الاختصاصات الدراسية قدمتها جامعات خاصة في سورية. طارق قلعجي طالب حصل على منحة من جمعية طموحي لإكمال تعليمه، ويدرس اليوم في كلية هندسة المعلومات في جامعة القلمون الخاصة. ويعتبر طارق أن المنحة نقطة تحول إيجابية في مسار حياته، فمعدله في الثانوية العامة لم يخوله دراسة الهندسة في الجامعة الحكومية، وأحوال أسرته المادية لم تساعده على دخول جامعة خاصة، لذا جاءت المنحة لتسهل طريقه وتساعده على تحقيق أحلامه وطموحاته. ويسعى طارق إلى التخصص في علوم البرمجيات، ويكون صاحب مشاريع «رائدة» في مجال الحواسيب والطاقة، ويقول: «تقدم لي الجمعية إضافة إلى الأقساط، تكاليف المواصلات ونفقات السكن الجامعي كما أحصل منها على التشجيع والإرشاد لأكون رجلاً ناجحاً». ويأمل طارق أن يساهم في المستقبل في تقديم الدعم للجمعية وتمويل منح دراسية لطلاب هم بحاجة إليها. أما روند فتعتبر أن حصولها على المنحة كان دافعاً لمواصلة التفوق، فمعدلها العالي في الثانوية العامة كان ينقصه «علامة واحدة» تفصلها عن دخول كلية الطب البشري في جامعة دمشق وتحقيق حلمها، الأمر الذي دفع بعائلتها لتسجيلها في التعليم الموازي: يدرس الطالب في جامعة حكومية وفق معدل عال قريب من المعدل المطلوب، لكنه في المقابل يدفع أقساطاً توازي ما يدفعه الطلاب في الجامعات الخاصة. وتقول روند: «شعرت أن حلمي يرهق العائلة بنفقاته الباهظة، فالقسط السنوي يكلف حوالى 128 ألف ليرة سورية (أي ما يعادل 2725 دولاراً أميركيا تقريباً)، لذا قدمت لي المنحة راحة نفسية ساعدتني على التركيز على التحصيل العلمي بدلا ًمن التفكير بعبء التكاليف». واللافت في جمعية «طموحي» محاولتها اكتساب الطابع المؤسساتي في عملها، فعلى رغم توافر مساهمات من «فاعلي خير» في نطاق كفالة الطلاب، فان هذه المساهمات بقيت خلال السنوات الماضية في إطار المبادرات الفردية، لذلك تسعى «طموحي» إلى تنسيق التعاون بين الجهات المانحة، وتوسيع نشاطها ليشمل المحافظات السورية، كما تحاول تحفيز المغتربين السوريين على دعم نشاطها لتوفير حق التعليم لكل طالب يستحقه، وتدعو الطلاب السوريين الذين هم بحاجة إلى مساعدة لدعم تعليمهم إلى التقدم بطلب عن طريق موقعها الالكتروني www.tumouhi.org ويعد نظام القروض أو «المنح الممولة المشروطة» الذي تقدمه الجمعية خطوة جديدة في المجتمع السوري في طريقة دعم الطلاب، إذ يسهم في تقديم نفع متبادل واستثمار للموارد البشرية. وتقوم آلية هذه المنحة على أن يتحمل المتبرع -ويمكن أن يكون مؤسسة اقتصادية كالمصارف وشركات التأمين- تكاليف دراسة الطالب شرط أن يعمل الطالب لدى المتبرع فور التخرج في الجامعة وضمن العطل الفصلية، وذلك بموجب اتفاق تشرف عليه الجمعية التي تسعى للمساهمة في حل أزمة البطالة التي تعصف بحملة الشهادات.