سعود بن بندر يدشن ملتقى التحول الرقمي    بلينكن يطالب نتنياهو بتأمين إطلاق سراح الأسرى    ولي العهد وملك الأردن يستعرضان العلاقات الأخوية وملفات أمن المنطقة    اتحاد الجامعات يستهل موسه ال15 بالشطرنج    القادسية ومصرف الإنماء.. شراكة عز    مدرب الاتحاد بلان: نحتاج مزيد من الوقت للتفاهم ونخشى توالي الاصابات    مجلس الوزراء يتطلع لإسهام مجلس التنسيق الأعلى السعودي المصري في تحقيق المصالح المشتركة    «مسام» ينتزع 829 لغماً في اليمن خلال أسبوع    وزير الدفاع الإيطالي يستقبل وزير الدفاع ويعقدان اجتماعًا ثنائيًا موسعًا    السجل العقاري يسجل مخطط في جنوب الرياض ويفرزه إلى 3590 صك في 72 ساعة    الجلاجل يدشّن مبادرة ترخيص مطوري البرامج الطبية في مجال الصحة الرقمية    السعودية للكهرباء شريك استراتيجي في ملتقى توطين قطاع الطاقة    المملكة تستضيف مؤتمر المانحين لدعم النازحين واللاجئين في منطقة الساحل وحوض بحيرة تشاد السبت المقبل    ختام برنامج "سفير مُتمم"، بتكريم المدارس المشاركة وإعلان الفائزين    وزير الصحة يزور جناح وزارة الداخلية في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى الصحة العالمي 2024    اعتماد عالمي جديد لمستشفى دله النخيل يدعم مكانة المملكة كوجهة للسياحة العلاجية    حملة إبادة إسرائيلية توقع 35 قتيلاً شمال غزة    34 فناناً سعودياً يستعرضون إبداعاتهم في «مختارات عربية»    بيع 3 صقور في الليلة الخامسة لمزاد نادي الصقور السعودي 2024    الدراسات تظهر تحسّن أكثر من 60٪؜ من مدارس التعليم العام    أمير الشرقية يستقبل رئيس جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل    التواصل الحضاري يستعرض الحدود الرقمية الجديدة للمعلومات    موعد مباراة الهلال القادمة بعد الفوز على العين    المديرية العامة للجوازات تشارك في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى الصحة العالمي 2024    البدء بأعمال الصيانة لطريق الظهران -بقيق بطول 16 كلم الخميس المقبل    "التخصصي" في طليعة المؤسسات التي تعزز مكانة المملكة على خارطة السياحة العلاجية    بمجمع إرادة بالرياض.. 10 أوراق علمية تناقش الصحة النفسية في بيئة العمل الأحد المقبل    انطلاق أعمال الحوار الحضاري لخطة التعاون 10+10 بين الجامعات الصينية والعربية في شانغهاي    "مفوض الإفتاء في جازان": القران والسنة تحث على تيسير الزواج    الأرصاد: الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار رعدية    أستراليا توقّع اتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة بقيمة 7 مليارات دولار أسترالي    مغادرة الطائرة الإغاثية العاشرة للإغاثة الشعب اللبناني    أمين التعاون الخليجي»: تصريحات خرازي تدخل سافر في شؤون الدول    أمير القصيم يدشّن مشروع "وقف الوالدين" الخيري في البدائع    كيف تثبت الجريمة قانونيا بمقطع فيديو؟    رئيس أرامكو يدعو لوضع خطة محدثة لتحوّل الطاقة تراعي احتياجات الدول    الذهب لذروة جديدة.. الأوقية فوق 2,729 دولاراً    سعود ينتظر الظهور الثالث مع روما في «الدوري الأوروبي»    شُخصت به في أوج عطائها.. مديرة مدرسة تتحدى المرض وتحصد جائزة «التميز»    هيئة الأفلام: ملتقى النقد السينمائي في الأحساء    الصيف والشتاء.. في سماء أكتوبر    المحكمة الإدارية توقف إجراءات إزالة عقار في «حرازات جدة»    النصر يصطدم باستقلال طهران    سعود بن نايف يستقبل الشدي المتنازل عن قاتل ابنه    5 مخاطر مؤكدة للمشروبات الغازية    لكل زمن هيافته    المملكة تدين قصف منازل شمال قطاع غزة    31 مليار دولار إيرادات القطاع الزراعي    بأمر خادم الحرمين الشريفين.. ترقية وتعيين (50) قاضياً بديوان المظالم    مُلّاك الإبل والمهتمون: مزاد نجران للإبل يُعزز الموروث الثقافي    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    كن ممتناً    لو علمتم ما ينتظركم يا أصحاب البثوث    ختام مسابقة القرآن والسنة في إثيوبيا    الأمير سعود بن نهار يستقبل قائد قاعدة الملك فهد الجوية المعين حديثًا    الأمير سعود بن مشعل يطّلع على وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية    الرقابي يرفع شكره للقيادة لإقامة مسابقة حفظ القرآن في موريتانيا    الخيانة بئست البطانة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هرتزوغ ... متن سينمائي يختصر عالماً
نشر في الحياة يوم 01 - 04 - 2011

كانوا، في الأصل، ستة أو سبعة من شبان ألمان غاضبين، ألقت بهم الفورة الاقتصادية والاجتماعية التي ارتبطت باسم المستشار اديناور، الى السينما بدلاً من أن تلقي بهم الى اتون الاحتجاج السياسي. وكان ذلك خلال الستينات ثم السبعينات من القرن العشرين يوم افاقوا على هجينية «النهضة» الألمانية التي تلت الهزيمة الكبرى في الحرب العالمية الثانية وتمت تحت الرعاية الأميركية. وعلى يدهم ولدت، انطلاقاً من ذلك، تلك الثورة السينمائية المدهشة في المانيا والتي حملت تواقيعهم: من فاسبندر الى فيم فندرز، ومن شلوندورف الى سيبربرغ وهلما ساندرز وفون تروتا... الى فرنر هرتزوغ. والأخير كان الأكثر عصامية من بينهم. ولعله الوحيد الذي لم يدرس فن السينما في معهد. كل علاقته بالمعهد السينمائي كان سرقته لألة تصوير من هذا المعهد حيث كان بالكاد تجاوز الرابعة عشرة من عمره. واليوم بعد أكثر من نصف قرن، يكاد يكون الوحيد الذي لا يزال يعمل بكثافة وينتج من دون توقف من بينهم، ولا سيما في السنوات الأخيرة، أي منذ انتقل ليعيش نهائياً في لوس انجيلوس، وصار لا يمضي عام، إلا ويعرض له عمل جديد. ومع هذا، حتى وان كانت قد باتت له شعبية راسخة، فإنه لا يزال على دأبه: هامشي هو كان منذ البداية، وهامشي لا يزال حتى اليوم. لديه تختلط الأنواع ومصادر الإلهام. وأعماله تبقى على احتكاك بكل أنواع الفنون والمعارف. لديه لا تفريق بين الروائي والوثائقي، بين السينمائي والتلفزيوني، بين الكلاسيكي والمنتمي الى أجدد الحداثة التقنية. وقد لا يكون ثمة شاهد على هذا، بقدر فيلمه الأخير الذي يعرض حالياً في العالم بكل نجاح، مع انه - في أصله - فيلم وثائقي. الفيلم هو «كهف الأحلام المنسية» الذي صوره في تلك المغاور الفرنسية حيث ثمة رسوم ومحفورات تعود الى عشرات آلاف السنين واكتشفها الفرنسي شوفيه قبل عقد ونصف العقد من السنين. تلك الكهوف شاء هرتزوغ أن يقوم برحلة - مع الكاميرا - فيها، فوجد أن من الأنسب له أن يصورها بالتقنية الثلاثية الأبعاد ففعل، مع انه كان قبل شهور قليلة يهاجم تلك التقنية.
الإحصاء الصعب
هذا شيء... وذاك شيء آخر، يقول ويضيف: الحاجة هي أم الاختراع. إذ لولا استخدام هذه التقنية لما تمكن من أن يصور المحفورات والرسوم على الألق والقوة اللذين ظهرا في الفيلم فاجتذبا ملايين المتفرجين. هكذا هو فرنر هرتزوغ دائماً. هكذا هو الوحيد الذي خرج من بين صفوف ذلك التيار الألماني الخجول ليواكب نهاية القرن العشرين والعقد الذي تلاه، بكاميراه وأفكاره... ولكن أيضاً بشخصياته (لا سيما في الأفلام الروائية) التي تعيش مشاريعها الجنونية. نقول هذا ونتذكر طبعاً أفلاماً مثل «فيتز كارالدو» (1982) و «آغويري غضب الآلهة» (1973) و «نوسفيراتو» (1979)... وإذا كنا نذكر هنا هذه الأفلام في شكل خاص، فإنما يأتي هذا من كونها تعرض معاً في بيروت في هذه الأيام بالذات، وذلك ضمن أسبوع نادر ومميّز لأفلام هذا الألماني الكوزموبوليتي، تقيمه جمعية «متروبوليس» في صالة صوفيل - الأشرفية حتى الثلثاء المقبل، وتقدم فيه عدداً من أبرز أعمال هرتزوغ، من دون أن يعني هذا ان الأسبوع يمثل «جردة» ما لأعمال هذا الفنان، ذلك ان الأحدث بين الأفلام المعروضة، يعود الى عام 2005. غير ان المهم هنا هو ان التظاهرة تستعيد بعض أهم نجاحاته، وتفتح ذهن المتفرج وذاكرته، على متن سينمائي بات يصعب اليوم احصاؤه ورصده بكامله، وحتى بالنسبة الى تلك المجموعة من أسطوانات الأفلام التي تباع على هامش التظاهرة وتضم ما يسمى ب «الأعمال الكاملة».
ولكن هل هي حقاً أعمال كاملة؟
الى حد ما، أجل، شرط أن نضع جانباً أن هرتزوغ، الذي تضم الفيلموغرافيا الخاصة به (بين 1968 واليوم) نحو عشرين فيلماً روائياً طويلاً وأكثر من نصف دزينة من الأفلام الروائية القصيرة، وما لا يقل عن 10 أفلام وثائقية طويلة وضعفها من الأفلام التلفزيونية القصيرة والطويلة، ناهيك بأفلام كتب السيناريوات لها ولم يخرجها وأخرى مثّل فيها تحت إدارة آخرين، وناهيك أيضاً بأوبرات أخرجها (ولا سيما أعمال لفاغنر) ومسرحيات وكتب ألفها. انه، بالتأكيد، متن يمثل حياة بأكملها... لكنه، هو، لم يكتمل. فهرتزوغ لا يتوقف عن العمل. ولئن كان عالم السينما ومحبيها يتحدث اليوم بوفرة عن «كهف الأحلام المنسية»، هناك في الأفق، أعماله التي لم تعرض بعد على نطاق واسع (مثل «يا بني... يا بني. ماذا فعلت؟»)، وهناك عمل يمكن أن يكون عرضه بدأ مع كتابة هذا الكلام («شعب سعيد: عام في التايغا)... وعملان ربما يبدأ تصوير أحدهما هذا العام، الأول مقتبس عن رواية دانيال مانسون «البيانو»، والثاني عن حياة غرترود بيل (التي كانت تلقب بملكة العراق غير المتوّجة).
جنون ما
ومع هذا كله، وعلى رغم النجاح الذي يحققه هرتزوغ على نطاق واسع في السنوات الأخيرة في أعمال مثل «الرجل المغبّر» و «صديقي اللدود» وإعادته إنتاج فيلم آبيل فيرارا «الملازم الفاسد»، وصولاً الى «كهف الأحلام المنسية»، تظل شعبيته الكبرى مرتبطة بأفلامه القديمة: تلك التي إن كان يمكن تحديد موضوع لها، فإن الموضوع سيكون الجنون. والإنسان في أعلى درجات هامشيته وضخامته. ففي أفلام مثل «فيتز كارالدو»، عن قائد يريد أن ينقل سفينة بكاملها عبر مناطق جبلية في أميركا اللاتينية، و «آغويري» عن قائد آخر لا يقل عنه جنوناً يغزو تلك القارة. وفي أعمال مثل «حتى الأقزام بدأوا صغاراً» أو «لغز كاسبار هاوزر»، ولا سيما «فويتسيك» المأخوذ عن مسرحية جورج بوخنر الشهيرة... وهذه كلها أفلام «أرّخ» فيها هرتزوغ لأنماط بشرية استثنائية. في كل هذه الأفلام، عرف هرتزوغ كيف يستخدم الكاميرا - من دون سيناريو متكامل جاهز سلفاً - لسبر أغوار الإرادة الإنسانية، وللتعامل مع ما هو استثنائي، كأنه العادي، صارفاً النظر عن العادي الحقيقي. وهو لتحقيق هذا، حلّق من حوله، ومنذ البداية تقريباً، مجموعة من فنانين وتقنيين رافقوه في معظم الأعمال. أما نموذجهم الصارخ فكان الممثل كلاوس كينسكي، الذي مثل في نحو خمسة من أفلامه الأساسية (مثل «فيتز كارالدو» و «آغويري»...) فكان الى حد ما، أناه الآخر... بحيث صار أي ذكر لهرتزوغ يعني استرجاع صورة ما لكينسكي. والحقيقة ان العلاقة بين الاثنين (وكل منهما كان مجنوناً على طريقته)، كانت علاقة تناحرية - تكاملية، وهو الأمر الذي عبّر عنه هرتزوغ، في واحد من أجمل وأقوى أفلامه: «صديقي اللدود» (أو «المفضل» إذا شئتم!)، الذي حققه عام 1999، وعرض عامها في مهرجان «كان». في هذا الفيلم استعرض هرتزوغ، من خلال ما يشبه السيرة المزدوجة، عمله وعمل صاحبه كينسكي، وصوّر في 95 دقيقة أخّاذة، ذلك الصراع والتكامل بينهما.
والحال ان هذا الفيلم الذي يعرض، ضمن أسبوع «متروبوليس» الساعة الثامنة مساء غد، يكاد وحده أن يختصر، ليس فقط حكاية صداقة ومسار مهني، بل كذلك سينما الاثنين معاً. وسينما كل واحد منهما، الى درجة ان «الأسبوع» لو لم يتضمن سوى هذا الفيلم لكان فيه حافز للمتفرجين كي يواجهوا سينما متكاملة، أخاذة، تنتمي الى عالم في الفن السينمائي يستحيل العثور عليه في «الحياة اليومية لفن السينما».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.