خلص عدد من الخبراء الدوليين الى ان صناع القرار والباحثين في منطقة الشرق الاوسط قلما يناقشون التحديات الامنية الآتية من تغيرات المناخ وان هؤلاء يفضلون معالجة التحديات العاجلة، مثل الحروب والارهاب والاحتلال وفق قاعدة مفادها انه «عندما يحترق البيت، لا تفكر بما ستفعله الاسبوع المقبل» وان مناقشة التغيرات المناخية «امر يقوم به الاغنياء المرفهون». غير ان هذه «الحقيقة» لم تمنع «المعهد الدولي للتنمية المستدامة» من الخوض تفصيلاً في العلاقة بين «ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع التوترات»، اذ عكف الخبيران اولي براون واليك كروفرد على بحث العلاقة بين تغييرات المناخ والصراعات في بلاد الشام عبر لقاءات مع باحثين في سورية والاردن والاراضي الفلسطينية المحتلة واسرائيل، ذلك بتمويل من وزارة الخارجية الدنماركية. وجاء في التقرير الذي اطلق الاسبوع الماضي في المركز الثقافي الدنماركي بالتعاون مع «مركز الشرق للعلاقات الدولية» ان بلاد الشام شهدت اكثر من 60 سنة من الصراع الدموي و «على رغم بعض الفترات الفاصلة الوجيزة من التفاؤل في بداية التسعينات، فإن التاريخ الحافل بالصراعات وعدم الثقة بين البلدان وفي داخلها، واستمرار احتلال (اسرائيل) الاراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان والاعمال العدائية الدورية، تبين ان السلام الدائم في المنطقة لا يزال بعيد المنال»، مشيراً الى ان سرعة التغيرات في المناخ تبدو «شأناً ثانوياً في احسن الاحوال، يتم التطرق اليه حين تحصل مشاكل اخرى. غير ان تغيير المناخ من طريق اعادة رسم خرائط المياه والامن الغذائي وانتشار الامراض والتوزيع السكان والحدود الساحلية، قد يشكل خطراً كبيراً على الأمن الاقليمي» لذلك فإن بلاد الشام تقدم في المؤتمرات الدولية على انها «احدى المناطق التي ستدخل في صراعات نتيجة التغييرات المناخية على خلفية التوتر المائي وتاريخ النزاع». وبحسب المعلومات التي توصل اليها معدو التقرير، فإن «سورية الطبيعية» ستصبح اكثر حرارة في جميع الفصول في منتصف القرن الحالي، بحيث ستزيد درجات الحرار بين 2.5 و3.7 في المئة خلال الصيف و2 و3.1 خلال الشتاء عن معدلاتها الحالية، مع الاخذ في الاعتبار ان ارتفاع درجة الحرارة سيؤدي الى تغيير في سقوط الامطار ومكانها. كما سيؤدي الى ارتفاع في مستوى البحار بمعدل ما بين 0.1 و0.3 من المتر في منتصف القرن. ويتوقع ايضاً ان تكون هذه المنطقة اكثر جفافاً، ما سيؤثر جدياً في قطاع الزراعة وتدفق المياه وامكانات المياه الجوفية. ويتوقع ان ينخفض تدفق الفرات بنسبة 30 في المئة وتدفق نهر الاردن بنسبة 80 في المئة. وتوقع الاسرائيليون انخفاض الامداد المائي بنسبة 60 في المئة في نهاية القرن. واستطراداً، فإن التغييرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة ربما تحمل «مفاجأت» مثل ذوبان الجليد ما سيؤدي الى ارتفاع معدل البحار سبعة امتار. وما يستدعي اخذ هذه الأمور في الاعتبار ان المعطيات الاخرى في بلاد الشام تجعل من التغييرات المناخية اكثر ايلاماً، ذلك ان الشرق الاوسط بين اكثر المناطق شباباً في العالم. نصف الفلسطينيين وثلث السوريين هم دون سن 15 وعدد السكان في بلاد الشام سيرتفع من 42 مليوناً في 2008 الى 71 مليوناً في 2050. وسكان سورية سيزيدون 15 مليوناً في العقود الاربعة المقبلة. وأفاد التقرير بأن زيادة السكان ستغير الوقائع على الارض، إذ ستكون المعادلة: ارتفاع في الطلب على المياه سيقابل بندرة المياه. وما يزيد من تعقيد المشكلة ان معظم المياه عابرة للحدود. ان نهر الاردن المصدر الاساسي للمياه في اسرائيل والاراضي الفلسطينية، يأتي من لبنان وسورية. وأكثر من اربعة اخماس مصادر المياه السورية تأتي من خارج الاراضي السورية. وان نقص مصادر الطاقة وعدم وجود النفط يزيد من تعقيد مشكلة المياه، بحيث ان خيار تحلية المياه مكلف في هذه المنطقة على عكس الدول النفطية. يضاف الى ذلك «ارث الصراع» في المنطقة، فإسرائيل وضعت يدها العسكرية على مصادر المياه في الضفة الغربية بعد حرب 1967. كما حدد من اجازات حفر الآبار اذ لم تعط سوى 38 رخصة حفر بئر لأهالي الضفة بين 1967 و1994. كما ان عشرات الآلاف من اشجار الزيتون قطعها الجيش الاسرائيلي. في حين ان الجدار الفاصل والحصار على غزة اديا الى ان انتاج الزيتون في الضفة لم يجد سوقاً، كما ان الحصار قيد حركة العمال، ما يؤثر في النمو الاقتصادي. المشكلة الاخرى من «ارث الصراع» هي عدم الثقة بين الاطراف المعنية، مع الأخذ في الاعتبار ان جوهر المشكلة يكمن في احتلال اسرائيل الاراضي العربية وعدم انسحابها منها لبدء اطلاق حل الصراع. وأفاد التقرير بأن الحكومات غير راغبة في العمل معاً لمعالجة هذا الموضوع وان الكل يتصرف وفق «ذهنية الجزيرة». فالدول لا تتعاون في مجالات الابحاث وتبادل المعلومات وتقيم مشاريعها على اسس وطنية لا اقليمية، ما يشجع على «ادارة غير كفوءة» للمياه. يضاف الى ذلك، ان الاراضي الفلسطينية غير معترف بها كدولة وفق القانون الدولي، فلا تستطيع الحصول على المياه والمشاركة في النقاش العالمي حول تغييرات المناخ. وينطلق معدو التقرير من المعطيات السابقة للوصول الى ان آثار التغيير المناخي ستكون «جلية بالنسبة الى الناس» وان «ارث النزاع سيفاقم التحديات» الماثلة أمام شعوب المنطقة وحكوماتها. وبعد الاشارة الى احتمالات مختلفة لعملية السلام والأمن في بلاد الشام تتراوح بين مستقبل كئيب باستمرار العنف الى سيناريوات متفائلة حيث يمكن الوصول الى تسوية بما يخفف التوتر بين الدول وفي ضمنها، يرى معدو التقرير ان «آثار التغير المناخي ربما تشكل الأفق في المنطقة. وربما يؤدي التحدي المشترك الى تشجيع الدول للعمل معاً على رغم الخلافات السياسية والعقائدية. وبالقيام بهذا، يمكن للتغييرات المناخية ان تكون عربة لعلاقات طبيعية وصنع السلام». لكن، سرعان ما ترسم صورة اقل تفاؤلاً، اذ جاء في التقرير: «اذا اخذنا في الاعتبار الوضع السياسي الراهن، القائم على عدم الثقة وقلة التعاون، فإن التغيير المناخي ربما سيكون عقبة في صنع السلام ويزيد التوتر بطرق عدة». وتحدث التقرير عن تحديات جديدة للتغيير في المناخ «الشامي» تتضمن زيادة المنافسة على مصادر المياه النادرة وتعقيد اتفاقات السلام وزيادة ازمة الغذاء، وتعقيد اعادة الاراضي المحتلة من جهة وزيادة الحاجة لاستعادتها من جهة ثانية. كما ان «نقص الغذاء المحلي، ربما يزيد التوترات والشعور التاريخي بعدم العدالة ويزيد الضغط الشعبي لضرورة استعادة الاراضي المحتلة بالنسبة الى سورية والفلسطينيين». وزاد: «مع ان لا احد يقول ان احتلال الجولان والضفة الغربية سببه الأزمة العذائية، فإن الأمن الغذائي سيزيد من تمسك اسرائيل بالارض المحتلة». وتتضمن التوقعات ان تؤدي تغييرات المناخ الى تراجع النمو الاقتصادي وزيادة الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي، ذلك ان الزراعة، التي تعتمد على المناخ، تشكل حصة اساسية من الناتج المحلي في بلاد الشام. وهي تمثل في سورية 23 في المئة من الدخل القومي و30 في المئة من قوة العمل. وبعدما يشير معدو التقرير الى دراسة بريطانية أفادت بأن الكلفة الاقتصادية لتغييرات المناخ، ستترواح بين 5 و20 في المئة من الناتج الاجمالي العالمي، يحذر من ان التغيير المناخي سيؤدي الى دمار انتاجية وعائدية الزراعة ويغلق قطاعات كانت موجودة، حيث ان سورية أعلنت انها لا تستطيع بعد الآن انتاج القطن. وكون 60 في المئة من الزراعة اللبنانية يقوم على الشريط الساحلي، ستتأثر لدى ارتفاع سطح البحر، ما سيؤثر ايضاً في صناعة السياحة. وباعتبار ان البطالة مرتفعة في بلاد الشام وهذا يتراوح بين 9 و27 في المئة لتصل الى 40 في المئة في الفئة العمرية بين 15 و24 سنة، يتوقع ان يؤدي تغيير المناخ الى تنقل قوة العمل بطريقة غير مستقرة. حيث ان جفاف العام 2007 و2008 ادى مثلاً الى هجرة سكان 160 قرية في شمال سورية الى المدن. ويتوقع ايضاً ان يهجر بين مليونين واربعة ملايين مصري الدلتا اذا ارتفع منسوب البحر 50 سنيمتراً. لكن المثير، هو الاعتقاد ان تراجع الموارد بسبب تغيير المناخ «سيزيد من عسكرة المصادر الطبيعية الاستراتيجية. وفي بيئة تقوم على عدم الثقة يتوقع ان يصبح تحديد المصادر الطبيعية امراً يزيد التوتر. وبالتالي فإن السيطرة على المصادر الطبيعية، تصبح جزءاً من الامن القومي». واستطراداً، سيؤدي الاعتقاد أن المياه ستصبح نادرة، الى تراجع التعاون الاقليمي وعسكرة الموارد الطبيعية و «ربما خطوات استباقية للسيطرة على مصادر المياه»، اضافة الى ان تغير المناخ سيزيد من كره العرب لاسرائيل والغرب، لأن بلاد الشام تنتج فقط اقل من واحد في المئة من الانبعاثات العالمية. ويقترح معدو التقرير جملة من الاستراتيجيات البديلة التي تشمل تعميم الثقافة الوقائية، والتكيف مع آثار التغييرات المناخية لتجنب التغيرات المناخية الخطرة وامكانية التعاون الاقليمي، والانخراط الدولي بمستويات مختلفة وفق معادلة صعبة: وكيف يمكن تلبية حاجات الناس في وقت تنقص الموارد؟ كيف يقام تعاون اقليمي من دون حل المشكلة السياسية: احتلال اسرائيل الاراضي العربية؟ وكيف يمكن اتخاذ خطوات لمعالجة آثار التغيير المناخي من دون تقديم تطبيع مجاني لاسرائيل؟