لم أتوقع بأي شكل من الأشكال أن يصل حال مستشفى الملك فيصل التخصصي إلى هذا الحد الذي أغرقني فيه الكثيرون عبر البريد الإلكتروني عن مستشفى كنت أظنه الأول على مستوى الخدمة الطبية والبيئة العملية، إلا أن ما اطلعت عليه من بعض الأطباء والفنيين والإداريين، من حنق على الأنظمة الموضوعة والمستحدثة في المستشفى ينذر بمستقبل سلبي لهذا الصرح العريق، ولم أشأ التطرق لما تلقيته من ملاحظات ومشكلات عدة في الوقت الحالي، وربما يأتي الوقت المناسب لذلك، لكنني سأحصر ردي في التعليق على ما ورد من المستشفى على مقالي السابق «بين القصبي والربيعة»، الذي لم يحمل اسماً، إذ تم تذييله باسم إدارة الشؤون الطبية والسريرية، وهو ما يعني أنني سأخاطب بهذا الرد المسؤول الأول، الدكتور قاسم القصبي، صاحب المسؤولية الإدارية الأولى. وأود قبل أن أفصل في التوضيح للقراء أن الرد الذي نشرته «الحياة» في عددها يوم الخميس الماضي لم يتضمن التعليق على لب المشكلة لا من قريب أو بعيد، وهي الجزر الإدارية المفصولة في المستشفى، التي تجعل الأقسام في أحيان عدة «متناحرة» إدارياً، ترمي كرة النار «المريض» بينها تطبيقاً لسياسات أبعدت عدداً من الأطباء عن أهم ميزة لهم وهي «الإنسانية»، لتتحول القضية إلى مجرد «حالة» مرضية في مستشفى، من دون «أنسنتها». ومع إقراري بما يحتويه مستشفى التخصصي من كفاءات طبية رفيعة المستوى، إلا أنني ومن يتعامل معه من دون «واسطة» يعرف ما أعنيه. وهنا سأرد بالنقاط على وضع المريضة، الذي ذكرته في مقالي السابق: أولاً: لم أذكر اسم المريضة ومع ذلك فقد تم الرد بالتفاصيل عن الحالة، وهو أمر جيد يدل على المتابعة الدقيقة والقدرة الاستخباراتية للمسؤولين في المستشفى، التي أتمنى أن يتم تسخيرها أيضاً لمتابعة الأوضاع والأخطاء قبل وقوعها وليس بعد وقوعها.ثانياً: جاء في الرد أن المريضة جلست في قسم الطوارئ يومين وتسع ساعات وليس أربعة، كما ذكرت، وأحب هنا أن أوضح أن المريضة مرت بقسم وسيط، ويعلم الدكتور القصبي شخصياً كيف تم تحويلها بعد اتصال (واسطة) لنقلها، وهنا أتساءل ماذا لو لم يقدر الله لهذه المريضة هذه «الواسطة»، وماذا يفعل المرضى ممن لا يملكون «الواسطات»، أو ليس لديهم معارف من فئة «الوزن الثقيل»؟ أعتقد أن المستشفى بقدراته «الاستخباراتية» التي خولت له معرفة المريضة من دون ذكر اسمها قادر على استدعاء التفاصيل ومعرفة الحقائق الفعلية. ثالثاً: أتمنى من الطبيب القصبي مراجعة الأمر، وليعرف أن المسؤولين في قسم القلب طلبوا إخراجها من المستشفى مرتين بدعوى أنها ليست مريضة قلب، لدرجة أن أطباء الكبد حاولوا التدخل بين قسمي القلب والصدرية لحل الإشكال القائم بين الطرفين، على رغم عدم مسؤوليتهم عن ذلك. وهذا الانعزال بين أقسام المستشفى سببه خلل إداري بالدرجة الأولى، فضلاً عن الأنظمة الإدارية البالية، وهو ما يتضح في أقسام من أبرزها من دون شك القلب، ويقل ويختفي في أخرى أهمها الكبد، الذين يراعون الله كثيراً في مرضاهم بغض النظر عمن خلفهم، وهو ما شاهدته شخصياً، وينبع ذلك من مسؤوليتهم الشخصية، لا من الأنظمة الإدارية. رابعاً: هل يعلم الدكتور القصبي أن المريضة كانت على وشك عمل أشعة قياس الجهد مع إبرة ملونة لإجراء أشعة نووية من دون أن يطلب الطبيب إيقاف بخاخ «الفنتالين» الذي قد يتسبب، لا سمح الله، في غيبوبة للمريضة لتعارضه مع الأشعة، ولم يتم التنبه لذلك إلا في اللحظة الأخيرة بسبب استفسارات المريضة وذويها. خامساً: فاخر الخطاب بالإنجازات التي حققها التخصصي، وهي إنجازات لم تكن وليدة عهد القصبي حتى يتباهى بها، بل جاءت من جهود تراكمية بذلها مسيرو المستشفى على التوالي، وعموماً فمن الطبيعي أن يحقق المستشفى هذه الإنجازات في ظل الدعم الكبير الذي يجده، ولو قدر الدعم نفسه لمستشفى الشميسي لربما أصبح من فئة «المايو كلينك»، وأتمنى ألا تهتز سمعة المستشفى الذي قاده الكثيرون للتألق في عهد القصبي. أخيراً، على الدكتور القصبي مراجعة الأمر، وأدعوه هنا إلى أن يقوم بتعزية أحد أبرز جراحي الكبد في المستشفى بعد وفاة عمه، وأن يسأله عن سبب الوفاة إذا كان لا يعرف، أما أنا وذوو المريض فنعرف قصة وفاته، رحمه الله، التي كان سببها تكاسل الطوارئ «المعتاد» وعدم إجراء تحليل للدم كان سيكشف ارتفاع «الهيموقلومين» وإنقاذ حياته - بعد إرادة الله طبعاً - وهو ما كشفه مستشفى خاص لاحقاً، وبعد فوات الأوان! [email protected]