عن دار كنعان في دمشق صدر كتاب «مفتاح الريبة: قراءة في التجربة الشعرية لأحمد العسم» لمؤلفه الشاعر والناقد الأدبي الفلسطيني سامح كعوش، في مئتي صفحة من القطع الوسط، ولوحة الغلاف للفنانة التشكيلية الإماراتية سمية السويدي. والكتاب هو الرابع للناقد بعد «سؤال المفردة والدلالة» (2008)، «رؤى وردة المعنى» ( 2009)، و«تحولات الرمل: قراءة في التجربة الروائية لعلي أبو الريش» (2010). يستهل كعوش كتابه بعبارة «الريبةُ مفتاحٌ سريٌّ» من نص الشاعر الإماراتي أحمد عيسى العسم، الذي يعد أحد أبرز رواد قصيدة النثر في الإمارات، إلى جانب حبيب الصايغ، ظبية خميس، عبد الله السبب، هاشم المعلم وآخرين. يشير كعوش في كتابه إلى أن العسم يخلص للغياب كسمة من سمات قصيدة النثر في الإمارات، لأنه يخلع عن ذاته ملامحها وصفاتها، ويحرق صورته الأولى، ليصير ذاتاً بصفات كونية غير قريبة، فهو مخترقٌ للحاضر بالتعثر والرفض من الآخرين، ك «أن يُفرد إفرادَ البعير المعبّد» كما طرفة بن العبد، أو يحلّق بهالة لا حالة، كما في سفر شخصيات دانتي في» الكوميديا الإلهية» واختراق طبقات الجحيم بالاحتراق وصيرورة الصورة إلى تقاطيع في الرماد. فالعسم يحقق بسمة الغياب أو امّحاء الذات تجاوزاً لنمط الكتابة القديمة، ليصير أقرب إلى الحياة. ويقول سامح كعوش في الفصل الثاني «قصيدة النثر في الإمارات: نبوءة الشرخ»، الذي تسبقه مقدمة تحليلية لظروف نشأة قصيدة النثر عربياً وعالمياً، واستعراض لآراء كبار المنظرين حولها من سوزان برنار إلى يوسف الخال وأنسي الحاج وأدونيس وغيرهم: «إن الشاعر أحمد العسم يبدأ نبأَ الشعر بالإعلان عن انفصامٍ وشرخ عظيمين، فهو يقف في موقف الشعر ضد الموروث الذي يرتّب أشياء الحياة كمدينة فاضلة بلا دنس، يرتّبها كطبق حبّ على مائدة الزواج أو الارتباط المرضي عنه مجتمعياً، ليعلي نبأ الارتباط غير الشرعي لقصيدة النثر بكل ما هو مقموع وممنوع، فها هو العسم يرمي بجسده في فضاء التجاوز للعادات القديمة، والعلاقات القديمة، يرتضي لنفسه علاقة آثمة مع العرافات «الكاذبات ولو صدقنَ» ليمارسن الخطيئة ويصير هو ضحية إناث البغاء من دون إرادة في القبول أو الممانعة، لأنها قصيدة النثر التي تنادي بالهلامية والهامشية والخواء أولاً، ثم بها يتسع قلب الشاعر الذي اتسعت أحداقه قبلاً من دون رغبة، يقف بالحلم والهذيان، عنيداً من دون خوف، واثقاً من مراده في الشعر والحياة، معدداً مفرداته واحدةً لكل سطر، مردداً صلاة كاهنٍ في أعلى جبلٍ في رأس الخيمة، قريباً إلى الغيمة. ويرى كعوش أن تساؤل الشعر لا تساؤل الشكل في تجربة العسم هو الأكثر إلحاحاً، فهو يتكلم بلسان الجماعة/ جماعة شعراء قصيدة النثر في الإمارات، وينطق بمأثور تساؤلاتهم الوجودية المزمنة كمرض لا شفاء منه، إلا أن الهذيان والصراخ المجنون، والهلوسة، والنزف الشعري تملأ كلها حقائب الشعر بكتابات على البياض. ويختم سامح كعوش بقوله: «إذاً هو التمرد لا على الشكل فقط بل في المضمون انزياحاً مطلقاً عن كلّ ما تعارف عليه الشعراء والمجتمع سابقاً، وانحيازاً مطلقاً إلى الشعرية دون سواها في القصيدة، بالإيماء كحركة لغةٍ وانزياح كائن موجود نحو تشكّل جديد مغاير».