«مرآتي يا مرآتي، من هي أجمل امرأة في الحي؟»، يأتي السؤال فضولياً، غنوجاً، يفيض بالدلع، مستبقاً الإجابة المحببة: «إنها بلا شك أنت!». لم يأت الرد من المرآة المسؤولة، بل من «مسيو حسان» الكوافير الظريف ذي الخمسين ربيعاً والصديق العطوف المجامل لزبوناته «المدلّلات». كل زبونة هي أجمل امرأة في الحي، لكل واحدة «ستايلها»، أي أسلوبها، الخاص وجمالها الخاص، بحسب مسيو حسان، القادر على استنباط هذا الجمال وإظهاره في أبهى حلّة. «لا يقف دور الكوافير على الاهتمام بشعري بل أنا أحتاج لمن يفهم مزاجي بحسب كل مناسبة»، تقول سيدة في الثلاثين من العمر وهي زبونة دائمة عند مسيو حسان. وتضيف: «حسان أكثر من مجرد مصفف شعر، إنه صديق أتشارك معه تفاصيل يومية من حياتي، لا أستطيع مشاركتها مع كثيرات من صديقاتي المقربات. ألجأ إليه كلما أكون مكتئبة وهو يتفهم تقلبات مزاجي ومللي وحاجتي للتغيير، إنه رائع». وتعتبر زيارة صالونات تصفيف الشعر للكثيرات في سورية رحلة قصيرة من عالم الواقع الزاخم بالمسؤوليات والهموم والمشكلات على أنواعها، من الاقتصادية إلى الخلافات الزوجية. رحلة إلى جنّة استرخاء وروائح عطرة. وتصف سيدة أربعينية الزيارة بأنها «دواء للكآبة والتعب، ليس أفضل من مسّاج الرأس والبديكور والمينيكور للتغلب على الحزن والتعب، لا أمانع في إمضاء يوم كامل في صالون الحلاقة للاستمتاع بالاهتمام الذي يقدم لي هناك، إنه شعور ولا أروع». ولم تعد الإعلانات التقليدية لصالون الحلاقة ولافتات «حلاقة للسيدات» أو « يوجد لدينا قسم خاص للمحجبات» أو « قسم خاص للعناية بالبشرة»، كافية بل أخذ الكثيرون من مصففي الشعر في سورية وخصوصاً أولئك الذين يتموضعون في المناطق الميسورة، يحوّلون مساحة لا بأس بها من محلّهم إلى مقهى صغير يتيح للسيدات فسحة مريحة لشرب القهوة أو العصير والتحدث عن هموم الحياة اليومية والأولاد والخطبة والزواج... ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى جمع رأسين على مخدة واحدة وإتمام تفاصيل خطبة أو زواج. وعلى رغم فقر الحال، لا توفر الكثير من نساء الطبقة الوسطى والفقيرة جهداً في تخصيص بعض المال «قدر المتاح» وإنفاقه في عالم صالون الحلاقة الذي وإن يبدو أقل فخامة في الأحياء الشعبية، يبقى يؤدي الوظيفة ذاتها، اذ تجد الزوجة الكادحة عند مصفف أو مصففة الشعر من يحمّم لها شعرها، ويضيفها فنجان قهوة ويعتني بها ويدللها، ويتساير معها على الحلوة والمرة لينسيها تعبها وجهد اليوم الشاق. أم جمال مصففة شعر وأرملة تربي سبعة أولاد، حوّلت إحدى غرف بيتها إلى صالون حلاقة متواضع ولكن يفي بالغرض إذ أنه يستقبل سيدات وصبايا وأرامل الحي في شكل شبه يومي. ويشهد الصالون المتواضع على أعراسهن وأفراحهن، ولا يبخل عليهن بعناية لكنه في الوقت نفسه يوفر لصاحبته قوتها وقوت عيالها. وتشرح أم جمال: «بدأت المشروع بدافع الحاجة، استفدت من إحدى الدورات التدريبية وتعلمت المصلحة». وتقول حالمة: «أصبحت اليوم أحب هذه المهنة وأجد نفسي واستقلاليتي من خلالها، لقد أخرجتني من أزمتي وحمتني وأولادي من الحاجة، طموحي أن أوسّع عملي وأفتتح صالوناً أكبر في المستقبل». ول «مسيو حسان» الكوافير الشهير صاحب أحد أكبر صالونات الحلاقة في دمشق قصة مشابهة لقصة أم جمال، ولكن بفارق زمن: «بدأت عملي في احد الأحياء الفقيرة في الضواحي وبمجهود كبير استطعت اليوم تأسيس هذا الصالون الفخم». ويقول بفخر: «مهنتنا تتطلب الكثير من الديبلوماسية والأخلاق طبعاً بالإضافة إلى الذوق والإبداع. علاقتي بزبوناتي تعدت العمل حتى أنني أصبحت صديقاً لأزواج بعضهن». ويتابع بهدوء: «الحلاق الشاطر يعرف مع من يمكنه فتح أبواب الصداقة ومع من يجب أن لا يتجاوز حدود العمل، حدسي مع بعض المسايرة والمجاملة، مكنني من الحفاظ على زبائن كثيرات عرفتهن صبايا وما زلن يصففن شعرهن عندي وهن جدات». وبين مسيو حسان وأم جمال، تقف صالونات الحلاقة المبعثرة في كل أرجاء المدن مثالاً صارخاً عن عمق التفاوت الاجتماعي والطبقي، كنموذجين عن أماكن مختلفة تمكّن المرأة مهما كان مستواها من أن تشعر بأن هناك من يعتني بها ويدلّلها.