كان القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد بن عبدالرحمن بن محمد التغلبي الأندلسي من أوائل العلماء الذين أولوا علم التاريخ اهتمامًا وإفرادًا بالتأليف والتصنيف، غير أنّ أعماله لم يصل منها إلينا سوى واحدٍ فقط وهو الكتاب صغير الحجم عظيم النّفع: «التعريف بطبقات الأمم.» عاش صاعد في عصر الطوائف بالأندلس. ولد في المرية عام 410 ه، وتُوُفّيَ عام 462 ه في طليطلة. تتلمذ لابن حزم (ت 456 ه) وتولّى القضاء في طليطلة. وفي خلال عمره القصير، ألّف ما يربو على سبعة أعمال لم يصل منها سوى عمل واحد كما ذكرنا. ترجم له الصفدي في الوافي بالوفيات، وابن بشكوال في الصلة، وحاجي خليفة في كشف الظنون، وكارل بروكلمان في تاريخ الأدب العربي. صنّف صاعد عدّة أعمال في التاريخ لم تصل إلينا مثل: «أخبار الحكماء» وفقما ذكر بروكلمان، و «صوان الحكم في طبقات الحكماء» و «جوامع أخبار الأمم من العرب والعجم» وفق ما ذكر صاحب كشف الظنون؛ و «مقالات أهل الملل والنّحل» و «إصلاح حركات النّجوم» وهما العملان اللذان أحال عليهما صاعد نفسه في ثنايا كتابه «التعريف بطبقات الأمم.» ولصاعد كذلك عملٌ في «تاريخ الإسلام» وعملٌ آخر في «تاريخ الأندلس»، ذكرهما الأب لويس شيخو (ت 1927 م) في توطئته لتحقيق «التعريف بطبقات الأمم» نقلاً عن الغريزي الذي نقل بدوره عن فهرس مخطوطات الإسكوريال. إذًا، مجموع الأعمال التي لم تصل إلينا سبعة وهي أعمال تركزت في التراجم والأخبار والتّاريخ، وربّما كانت هذه الأعمال من المبشرّات بتاريخ ابن خلدون (ت 808 ه) الذي سيأتي بعد صاعد بأربعة قرون. أمّا عملُ صاعد المهم والذي وصل إلينا وعرفناه به في الوقت الحاضر فهو «التعريف بطبقات الأمم.» للكتاب تحقيقان مهمّان أُنجزا في القرن العشرين، أولهما تحقيق الأب لويس شيخو الذي نشره لأول مرة في مجلة «المشرق» اللبنانية عام 1911م وإليه يعود الفضل في إتاحة هذا العمل المهم للمهتمين بالدراسات الإسلامية في وقتٍ مبكرٍ نسبيًا. أمّا التحقيق الثاني فقد تأخّر لنهاية القرن المنصرم، ونشر عام 1997 في إيران، وهو تحقيق غلام رضا. وما عداهما من نشرات فلم تكن سوى إعادة نشر لهذين التحقيقين، مثل نشرة حسين مؤنس في المعارف عام 1998، ونشرة الهيئة العامّة لقصور الثقافة عام 2016، وكلاهما بالقاهرة. نال الكتاب اهتمامًا كذلك في أوساط المستشرقين، فترجمه إلى الألمانية المستشرق هينريش سوتر (ت 1922 م) وترجمه إلى الفرنسية المستشرق ريجيه بلاشير (ت 1973) بمقابلة النص الذي نشره الأب شيخو على مخطوط باريس ونشره عام 1935م. وقد ترجم يوشع فينكل الجزء الأخير من الكتاب الخاص ببني إسرائيل ونشره في دورية الدراسات اليهودية عام 1927. ويدور كتاب «التعريف بطبقات الأمم» على التعريف بالأمم السالفة والحاضرة في عصر صاعد، وفق اعتنائها بالعلم. فذكر صاعد أنّ الأمم السالفة كانت سبعاً، أمّا الأمم الحاضرة في عصره فصنّفها إلى طبقتين: طبقة لم تعن بالعلوم وأدرج فيها الصين والترك وأصناف السودان وأمماً عدة تابعة مثل الخزر والصقالبة والروس وغيرهم، وطبقة عنيت بالعلوم وهي ثماني أمم: الهند والفرس والكلدانيون واليونانيون والروم وأهل مصر والعرب والعبرانيون. وعبّر صاعد عن هؤلاء الأمم الثماني المعتنية بالعلم بقوله «هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده» وقوله «كان أهل العلم مصابيح الدّجى وأعلام الهدى وسادة البشر وخيار الأمم الذين فهموا غرض الباري وعرفوا الغاية المنصوبة لهم فصلوات الله عليهم، ويا لوحشة الدنيا لفقدهم.» أخذ صاعد مادّته التاريخية عن عدّة أعمال سابقة عليه. ومّما أخذ عنه صاعد: كتابا الإكليل و «سرائر الحكمة» لعبد الله بن عبيد الله المعروف بابن ذي الدمينة (ت 130ه) ومن كتاب الإكليل المؤلّف في أخبار «حِميَر» ملوك العرب، أخذ صاعد الكثير من أخباره عن العرب وعلومهم. كما أخذ صاعد من أبو معشر البلخي (ت 272 ه) وبخاصّة من كتابه «الألوف» وأخذ كثيرًا من أخبار كتاب التعريف من كلٍّ من ابن قتيبة (ت 276 ه) و المسعودي (ت 345ه) فقد أحال عليهما عدّة مرّات وإن لم يذكر أعمالهما التي رجع إليها. وقد كان «التعريف بطبقات الأمم» مرجعًا، في ما تلاه من أعمال في التاريخ والتراجم والطبقات؛ فقد نقل عنه ابن أبي أصيبعة (ت 668ه) في «طبقات الأطباء» وأبو الفرج جريجوريوس بن العبري (ت 685 ه) في تاريخ مختصر الدول، وحاجي خليفة (ت 1067 ه) في «كشف الظنون.» وبعد، فربّما لو كانت أعمال صاعد قد وصلت إلينا لكان بإمكاننا معرفة الكثير من أخبار الأندلس في عصره، وأخبار الكثير من العلماء والحكماء، ولكن يكفي كتابه «التعريف بطبقات الأمم» قليل الحجم عظيم النّفع كما وصفة حاجي خليفة، في الدلالة على ما لم يصل إلينا من أعماله.