خسر «تنظيم داعش» الرقة، عاصمة خلافته السورية المفترضة بعد أكثر من أربعة أشهر من المعارك العنيفة التي خاضها ضد «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية. ويشكل تحرير الرقة نكسة كبرى للتنظيم الذي مني في الأشهر الأخيرة بسلسلة خسائر ميدانية في سورية والعراق المجاور، أدت إلى تقلص مساحة «دولة الخلافة» المزعومة التي أعلنها في البلدين منذ العام 2014. وفور إعلان «قسد» سيطرتها بالكامل على المدينة أمس، تجمع عدد من مقاتليها عند «دوار النعيم» الذي شهد عمليات إعدام وحشية نفذها التنظيم خلال سيطرته على المدينة. ورفع المقاتلون رايات قواتهم الصفراء ابتهاجاً وسارعوا إلى التقاط الصور أمام أبنية مدمرة فيما لم يتمكن آخرون من حبس دموعهم من شدة تأثرهم. وقال المقاتل الشاب شفكر هيمو ل «فرانس برس» من دوار النعيم: «سترجع الفرحة إن شاء الله إلى المدينة كافة، ذهب اللون الأسود (راية التنظيم) والآن بات دوار النعيم أصفر» اللون. وأعلن الناطق الرسمي باسم «قسد» طلال سلو «تم الانتهاء من العمليات العسكرية في الرقة»، مؤكداً: «سيطرت قواتنا بالكامل على الرقة». وأضاف «انتهى كل شيء في الرقة»، مشيراً إلى «عمليات تمشيط تجري الآن للقضاء على الخلايا النائمة إن وجدت، وتطهير المدينة من الألغام» التي زرعها عناصر التنظيم في وسط الرقة. وأحصى «المرصد السوري لحقوق الإنسان» مقتل 3250 شخصاً بينهم 1130 مدنياً على الأقل في مدينة الرقة، منذ الخامس من حزيران (يونيو). وأشار إلى وجود مئات المفقودين من المدنيين تحت أنقاض الأبنية المدمرة. ودفعت المعارك عشرات الآلاف من المدنيين إلى الفرار وبينهم أم عبدالله المقيمة في مدينة كوباني (عين العرب) الواقعة على بعد نحو مئة كيلومتر من الرقة. وقالت ل «فرانس برس» بتأثر واضح: «فرحتنا لا توصف.. عندما أخبرتني شقيقتي أن الرقة تحررت، بدأت تبكي وأنا أيضاً. الحمدلله، الحمدلله». وجاء إعلان «قسد» السيطرة على المدينة بعد استعادتها صباح أمس الملعب البلدي، بعد ساعات من طرد عناصر التنظيم من دوار النعيم. وشكلت هذه النقاط الواقعة وسط الرقة، آخر الجيوب التي انكفأ إليها العشرات من العناصر الأجنبية في صفوف التنظيم المتطرف في الأيام الأخيرة. وقال مصطفى بالي الناطق باسم «قسد» في بيان، إن القوات سيطرت على المستشفى الوطني بعد معركة شرسة أثناء الليل وفي وقت مبكر من صباح أمس. وأضاف: «خلال هذه الاشتباكات تم تحرير المشفى الوطني وتنظيفه من مرتزقة داعش وقتل 22 مرتزقاً أجنبياً فيها». من ناحيتها، قالت روجدا فلات القائدة في حملة الرقة ب «قسد» إن القتال انتهى، ولكن «التحالف» يطهر الاستاد من الألغام وأي متشددين ما زالوا مختبئين. وكان الاستاد والمستشفى آخر منطقتين خاضعتين للتنظيم بعد أن رحل عناصره خلال اليومين الماضيين حيث لم يتبق سوى متشددين أجانب لمقاومة القوات. وقال شاهد من «رويترز» إن مقاتلي «قسد» احتفلوا في الشوارع ورددوا هتافات من مركباتهم ورفعوا رايتهم داخل استاد الرقة. وقال الكولونيل رايان ديلون الناطق باسم التحالف: «نعلم أنه ما زالت هناك عبوات ناسفة بدائية الصنع وألغام في المناطق التي كان التنظيم يسيطر عليها ذات يوم ومن ثم، فإن سورية الديموقراطية ستواصل تطهير هذه المناطق بحرص». وقالت فاطمة حسين (58 عاماً) وهي تجلس على الرصيف تدخن سيجارة إنها خرجت من منزلها بعد أن ظلت محاصرة داخله لشهور بسبب القتال. وأضافت أن «داعش» قتل ابنها لمساعدته مدنيين في مغادرة المدينة. وتسارع التقدم العسكري في وسط المدينة بعد خروج نحو ثلاثة آلاف مدني نهاية الأسبوع الماضي، بموجب مفاوضات قادها مجلس الرقة المدني ووجهاء من عشائر محافظة الرقة. وبموجب الاتفاق أيضاً، خرج 275 شخصاً بين مقاتلين سوريين في صفوف التنظيم وأفراد من عائلاتهم. وتضاربت المعلومات حول خروج مقاتلين أجانب أيضاً، لكن مسؤولين محليين أكدوا عدم مغادرة أي منهم. ومع سيطرة «قسد» على المدينة «يكون وجود داعش في كامل محافظة الرقة قد انتهى» وفق «المرصد» السوري. ولا يزال التنظيم يحتفظ بسيطرته على بعض الجيوب المحدودة في محافظتي حمص وحماة (وسط) وقرب دمشق وفي جنوب البلاد. ويشكل الجزء المتبقي تحت سيطرته في محافظة دير الزور «مركز ثقله» على رغم أنه خسر خلال أقل من شهرين سيطرته على أكثر من نصف مساحتها.