انتظروه في القاعة. اجتماع طارئ. لا يستطيع أحد التكهن بجدول الأعمال. رئيس الأركان. مدير الاستخبارات مع ملفه الأزرق. مدير الأمن العام. قائد الحرس. وزير الإعلام. وحفنة مستشارين. انتظروه بتهيب صامتين. ألصقوا ابتسامة واسعة على وجوههم. وتمنوا ألا يكون مزاجه بركانياً اليوم. وحين دخل سمع دوي تحيات العسكريين. ولوح المدنيون بعيونهم وأسنانهم وأيديهم. سكت قليلاً على عادته. وبدا واضحاً أن النوم لم يزره. جال على عيون الحاضرين. كأنه يبلغهم أنه يعرف ما يدور تحت جلودهم. كأنه يحذرهم. ثم افتتح الاجتماع. «تعرفون أن شعبي يحبني. وأنني لو وافقت لكان كل شبان البلاد يحملون اسمي. وأنني صانع مجد البلاد. وباني نهضتها. وأنني صنعت تحفة من تراب عادي. وأن الحسد يفترس الدول القريبة والبعيدة. وأن حكامها محرجون أمام شعوبهم. وأننا الشعلة والنموذج. وأنهم يحسدونكم على الأمن والاستقرار. وعلى وجودي. من هنا تبدأ المؤامرة». شرب بضع قطرات من الماء وتابع: «أنا أستطيع المغادرة الآن. أذهب الى التاريخ وأقيم. وسيحسدني المقيمون هناك. وسيبايعوني عميداً لهم. لم يفعل واحد منهم ما فعلت. أنا سيد الأرقام القياسية. دخلت موسوعة غينيس لأسباب كثيرة. وسأبقى اسماً مميزاً فيها. لكنني لا أستطيع الذهاب. ستعودون شعباً عادياً أو أقل. وستعيشون في بلد عادي أو أقل. التاريخ يلزمني بالبقاء. وروح الأمة تلزمني. وشرعية الثورة. وابتهال الأمهات. وعيون الأطفال». وأضاف :»استدعيتكم لهدف محدد. لن أسلم البلد للمهلوسين. لن أنحني أمام التدخلات الأجنبية. إن المعارضة يقودها جنرال غريب صنع في الخارج. إنه الجنرال موبايل. يمكن قول الشيء نفسه عن كبار مساعديه. الجنرال انترنت. الجنرال فايسبوك. العقيد تويتر. العقيد يوتيوب. أين الأسماء العربية. هذا تدخل أجنبي فاضح غرضه خدمة الصهيونية. والأسماء تفضح. لهذا أطلب مصادرة كل الهواتف الجوالة بلا استثناء. البلاد يديرها القائد التاريخي ولا يديرها الجنرال موبايل. ينفذ هذا الأمر فوراً». تبادل الحاضرون نظرات تنم عن إعجابهم بحكمة القائد وصحة تشخيصه. أخفوا سخريتهم العميقة من طلبه المجنون. كبت رئيس الأركان ضحكة كادت تنتابه. تصور الجيش يجتاح البلاد بحثاً عن الهواتف. قطع القائد الصمت قائلاً: «أظهرت التجربة أن القوى الخارجية تستغل نهار الجمعة لإطلاق تظاهرات واحتجاجات. صار هذا النهار ثغرة ينفذون منها لتضليل الأجيال التي كبرت في ظل الثورة. هذا غير مقبول. بعد هذا الاجتماع ستتوقف هذه اللعبة القذرة. تظاهرات واعتصامات وخيم. وفتيان يرفعون لافتات مكتوب عليها ارحل.(يضرب الطاولة بيده) من هو ابن (...) الذي يحق له أن يخاطب القائد بهذه اللهجة. وأن يظهر على الشاشات ويسميني الطاغية. استناداً الى الشرعية التاريخية والثورية وضرورات حماية المكاسب وردع الأعداء والإمبريالية والصهيونية أعلن ما يلي: بدءاً من اليوم يشطب نهار الجمعة من الروزنامة. نعم سيعتاد الناس على أسبوع من ستة أيام وسنرد كيد الغزاة الى نحورهم». يكفهر الجو فجأة. ينزع القائد نظارتيه ويقول: «هل رأيتم الخونة؟ الخونة الذين زرعت أكتافهم بالنجوم والسيوف. وأغرقتهم بالخيرات وأمطروني بقصائد الولاء. إنهم يشهرون خيانتهم على الشاشات. على «العربية» و «الجزيرة». يزعمون الانحياز الى الإصلاح والتغيير والشعب والديموقراطية بعدما رضعوا حتى الثمالة من ثدي النظام الذي اكتشفوا فجأة أنه فاسد. أولئك السفراء الذين وفرنا لهم متعة العيش في الخارج. أحبوا الشعب فجأة. وعشقوا الشفافية بين ليلة وضحاها. والتحقوا بالجنرال موبايل. الشعب لن يغفر وسيعلقهم في الساحات نهباً للطيور الجائعة». يستعيد هدوءه ويعيد نظارتيه. «استشرت البصارة أمس. والبصارة لا تكذب. جربتها كثيراً وأنا واثق من ولائها. قالت إن الربيع تغير. وإنه لم يعد شهر الورود والرياحين والعصافير. وإن الإعداء أفسدوه. صار موسماً للجرذان وشذاذ الآفاق. صار ربيع التغيير والاحتجاجات والتدخلات. بدءاً من اليوم لن يكون هناك ربيع. ستكون السنة من ثلاثة فصول وسيعتاد الناس عليها. هذه القرارات يعمل بها فوراً». خرج مدير الاستخبارات مرتبكاً. كان القائد يعتبر الدهر حليفه الدائم. والدهر يومان يوم لك ويوم عليك. وكان يبتهج ب «الجزيرة» تحمل على خصومه. واليوم تزعجه لأنها تحمل عليه. أدرك العقيد صعوبة اختصار الأسبوع. وصعوبة شطب الربيع. أغلق الباب ورحل.