كلفني الشعب أن أنحني أمامك باسمه. وأن أمسح غبار الدهور عن نياشينك. أغلب الظن أنك تذكر الشعب. الشعب الذي اخترعته. ان الأجداد يصفقون لك من قبورهم. لم يسعفهم حظهم العاثر في الوقوف بين يديك. يصفق لك الأحياء لأنك ابقيتهم. ويصفق لك الأطفال الذين سيولدون. شعبك وفيّ ويغمره العرفان بالجميل. ارتجلت من هذه الصحراء بلداً. اخترعت الأشجار والغيوم التي تعبر فوقها. اخترعت العصافير التي ترنم باسمك. والآبار المكتظة بالذهب الأسود. واخترعت الصغار الذين سينفذون الزحف المقبل. الزحف ضد الجرذان ومن تلوثوا بأفكار الغرب المجرم. الغرب دجال. يغار من ثورتنا. يريد افساد هناءة عيشنا. الغرب وقح. يريد لنا دستوراً. والدستور أجير لديك يلمّع حذاءك. ويريد التناوب على السلطة ونحن نريدك الى الأبد. نريدك حاكماً لنا من الوريد الى الوريد. يريدك ان تتوارى. ونحن نريد تمديد قامتك. ليتسع صدرك لحقول الأوسمة. من دونك لا معنى لنا. ستجهض الحبالى الأجنّة الذين انتظروا طويلاً. ستتحول المدن مجرد مياتم مجللة بالدموع. سيجف النهر العظيم. سيشعر بالغربة جيش المتقاعدين. من «الجيش الأحمر الياباني». و «بادر ماينهوف». و «الألوية الحمر». و «فتح المجلس الثوري». وصديقك كارلوس. يصعب تصور العالم من دونك. قد يستقيل النهار الى غير رجعة. وتنطفئ الشمس احتجاجاً. انت الضوء والمشعل والبوصلة. ماو تسي تونغ ينظر اليك بحسد من ضريحه. لينين يحسدك على كتابك الأخضر. تولستوي يغار من رواياتك. والمتنبي من قصائدك. ومحمد عبد الوهاب من صوتك الشجيّ. ويحسدك الفرد نوبل لقد جعلت الديناميت شائعاً كالخبز. انت الثابت والعالم متغير. تغيرت اسماء سادة البيت الأبيض وبقيت. وتغيرت اسماء قياصرة الكرملين وبقيت. نسي العالم اسماء الذين ورثوا مكتب شارل ديغول واسمك يحتفظ بلمعانه. ذهب الذين تعاقبوا على 10 داونينغ ستريت وظللت تتكرر. اوسمتك تزداد والقابك تتناسل. وثيابك بهيجة مزركشة كأيام رعاياك. انه عصر الجماهير. الجماهير الغفيرة والغفورة. تجيئك كلما استدعيتها. تشكل اللجان وتزحف. تبايع وتندد. وتجدد هالة جبروتك. عصر الجماهير. خسئ الذين ينتخبون والذين يُنتخبون. ليس رئيساً لتلتف مواد الدستور على عنقه. ليتعثر بموعد انتهاء الولاية ويستجدي التجديد او التمديد. انه قائد ثورة. لن يذهب من دون ان يدفع البلاد التي اخترعها الى الجحيم الذي تفنن في اختراعه. هل هرمت الثورة وتآكلت هالتها؟ من ثقب جدار القلعة وأدخل الرياح؟ من نزع صور الأخ القائد؟ من انهال عليها بالإهانات؟ من اين جاءت الجرذان وتكاثرت؟ من وزع حبوب الهلوسة على الجماهير؟ من حقن المستكينين بمصل الغضب؟. هذا فظيع. الرجل الذي ادمن تصدير الثورة تدهمه الرياح من تحت جناحيه. الرجل الذي أضرم النار في رداء القريب والبعيد تندلع النار اليوم في ردائه. والعالم الذي كان يمتدح حكمة القائد ويتلمظ عطشاً الى العقود والآبار يغسل الآن يديه. انك الملهم والمحرض والمفجر. ألهمت كثيرين. وحرضت طويلاً. وفجرت كثيراً. لكن لعبتك شاخت. وتكلخت أنياب هيبتك. اسمعهم في الساحات وعلى الشاشات. يريدون لشمسك ان تأفل. لكتابك ان يطوى. لقصتك ان تهاجر الى متاحف التاريخ. كان صدام حسين يقول انه يحتفظ برصاصة لصدغه. كي لا يعطي أعداءه متعة التشفي برؤيته مكبلاً. في الأفلام الصاخبة يصعب التكهن بالنهايات مهما بدت وشيكة. ان الذين لم ترحمهم لن يرحموك. كلفني الشعب ان انحني باسمه امامك. انا اول المستشارين وكبير المداحين. انا أمين اللجنة الشعبية لاطراب القائد. انا المؤتمن على اهراءات البخور. سأقول الحقيقة قبل ان استقيل منك. ازفت الساعة ولا شيء يؤخر الأقدار. عصرك ذهب لكنه ذهب. البلاد مذبوحة من الوريد الى الوريد. من العقيد الى الوريد.