دخلت الأزمة في اليمن منعطفاً خطراً أمس مع تسجيل أول اشتباك بين قوات الحرس الجمهوري الموالية للرئيس علي عبدالله صالح وبين وحدات من الجيش اعلنت تأييدها لمطالبة المحتجين برحيله. وانعكس التوتر الأمني انسداداً سياسياً مع رفض المعارضة عرضاً قدمه الرئيس للتنحي في العام المقبل، واكدت رفضها اي وساطة تتيح له البقاء في السلطة ولو لشهور. وواجه الرئيس اليمني الضغوط المتزايدة عليه بالتحذير من «حرب اهلية» في البلاد، وقال امام مجلس الدفاع الوطني ان أي مسعى للانقلاب على حكمه «سيؤدي الى حرب أهلية، وأن الذين يريدون الصعود إلى السلطة عبر الانقلابات عليهم أن يعرفوا أن هذا مستحيل، وأن البلاد لن تعيش في استقرار وستندلع حرب أهلية دامية وعليهم أن يفكروا ملياً في ذلك». واكد أن «المسؤولية العسكرية تتمثل في الحافظ على أمن الوطن وأي انقسام في المؤسسة العسكرية سيكون له أثر سلبي على البلاد». واضاف الرئيس اليمني، متوجها الى كبار القادة العسكريين الموالين له: «لا ينفع الندم لان الوطن اكبر من الافراد ومن أماني الاشخاص وكبرياء الاشخاص»، وناشد الضباط ألا «يخضعوا الى ارهاب الإعلام». وقال، عن الضباط المنشقين، انهم «يتساقطون مثل اوراق الخريف»، لكنه اعتبر انه «ما زال هناك فرصة ليعودوا الى الصواب». كما توجه علي صالح الى الشباب المعتصمين في شتى انحاء البلاد والمطالبين باسقاط نظامه منذ نهاية كانون الثاني (يناير) بالقول: «انتم تنفذون اجندة خارجية»، مضيفاً ان «الشباب ضحايا لقوى سياسية عتيقة متناقضة... شاخت». وكان مصدر مقرب من علي صالح صرح أمس بانه «في اطار مبادرة للانتقال الى نظام برلماني»، يقترح الرئيس اليمني تنظيم «انتخابات برلمانية قبل نهاية 2011 على ان يتم انتخاب الرئيس المقبل من قبل البرلمان الجديد في بداية 2012». وتنتهي الولاية الرئاسية الحالية في 2013. وسارعت المعارضة المنضوية في تحالف «اللقاء المشترك» الى رفض العرض، وأكد الناطق بإسمها محمد قحطان ل «الحياة» ان «ما يتم تداوله اليوم (أمس) حول وساطة تكفل للرئيس الاستمرار في الحكم لشهور قادمة لضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة كمرحلة انتقالية، ليس لأحزاب المشترك علم به ولن يجد لدينا القبول». وأضاف قحطان: «نحن في المشترك نرى أن يقدم الرئيس استقالته فوراً، ويكلف الحكومة الحالية تسيير الأعمال وسنقوم من جانبنا بالتواصل مع جميع الساحات الاحتجاجية والفاعليات بهدف تشكيل مجلس وطني موقت تتمثل فيه جميع الاتجاهات ويتولى اختيار مجلس موقت للدولة يضم عدداً من الشخصيات الوطنية العسكرية والسياسية المختلفة الانتماءات، بما في ذلك من الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) يتولى إدارة حوار وطني شامل، وإجراء تعديلات دستورية ويشرف على انتخابات حرة ونزيهة خلال أشهر». ولم يستبعد قحطان دخول اليمن في دوامة عنف في حال أصر الرئيس على البقاء متمسكاً بالشرعية الدستورية التي قال انها «سقطت بخروج الشعب إلى الشوارع والساحات. أما التلويح بالحرب الأهلية فنحن مطالبنا سلمية وستبقى كذلك حتى تتحقق ونأمل في ان تتولى وحدات الجيش التي أعلنت تأييدها للثورة السلمية حمايتنا في مناطق انتشارها». وقتل امس جنديان احدهما من الحرس الجمهوري وآخر من الجيش قرب القصر الجمهوري في المكلا عاصمة حضرموت. واصيب ثلاثة عسكريين آخرين في هذا الاشتباك الأول من نوعه. وقالت مصادر ان «قوات الجيش سيطرت على القصر الجمهوري، ما دفع قوات الحرس المتواجدة في معسكر قريب الى محاولة استعادة الموقع». وانتشرت مساء الاثنين القوات الخاصة حول القصر الرئاسي في حي فتح بمدينة عدن (جنوب) تحسباً لاي اعمال عنف او شغب. وقال شهود ان «آليات ضخمة تابعة للقوات الخاصة التي يقودها نجل الرئيس انتشرت حول القصر الجمهوري». وفي الجوف في شمال اليمن سيطرت عناصر قبلية مسلحة على المدينة وطردت منها قوات الحرس الجمهوري. وواصل عدد من الضباط امس اعلان انضمامهم الى «ثورة الشباب» امام المحتجين المعتصمين في صنعاء. كذلك اعلن ديبلوماسيون جدد تأييدهم للحركة الاحتجاجية، وانضم سفراء اليمن في باكستان وقطر وعمان واسبانيا والقنصل اليمني في دبي الى زملاء لهم سبق ان اعلنوا تاييدهم للمعتصمين. ودان مجلس الجامعة العربية الذي انعقد على مستوى المندوبين في القاهرة امس «الجرائم بحق المدنيين» التي ترتكب في اليمن وحض السلطات اليمنية على «التعامل مع مطالب شعبها بالطرق السلمية». وقال المجلس في بيان انه «يدين بشدة الجرائم المرتكبة بحق المدنيين ويؤكد على ضرورة تضافر الجهود من اجل الحفاظ على الوحدة الوطنية واحترام الحق في حرية التعبير» في اليمن. ودعا ايضا الى «الاحتكام الى الحوار واساليب العمل الديموقراطي في التعامل مع مطالب الشعب اليمني بالطرق السلمية». على صعيد آخر، صرح مسؤول محلي في محافظة ابين ان 13 من مسلحي القاعدة قتلوا الثلثاء في اشتباكات مع جنود يمنيين في المحافظة. وتاتي هذه الاشتباكات فيما اعلن وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس الذي يزور موسكو حاليا: «اننا قلقون بالطبع من انعدام الاستقرار في اليمن»، مضيفاً ان «انعدام الاستقرار وتحويل الاهتمام عن مكافحة القاعدة في جزيرة العرب هما بالطبع مبعث قلقي الأول حيال الوضع». وردا على سؤال عن مواصلة واشنطن دعم الرئيس اليمني، قال غيتس انه لا يريد مناقشة «شؤون اليمن الداخلية».