«لماذا تأخرت؟» يسأل مرزوق صديقه سليمان، فيجيب الأخير مبتسماً «كان الطريق زنقا زنقا». يتضاحكان، ثم يستقل مرزوق السيارة إلى جانب سليمان، ويهتف بحماسة ضارباً على «تابلو» السيارة بقبضته «إلى الأمام»، ثم يدخلان في نوبة جديدة من الضحك، في حين لا يتوقف أحمد عن افتتاح يومه متوجهاً إلى أصدقائه وزملائه في العمل بالسؤال بنبرة عالية: «من أنتم؟ من أنتم؟». لكن هذين المشهدين لم يعودا مضحكين الآن، بعدما استهلكت العبارات «الفانتازية» التي استخدمها الرئيس الليبي معمر القذافي في خطابه الأول بعد الثورة، مثل «خونة» و «جرذان» و «مقملين»... وغيرها. فالعقيد على ما يبدو قطع وعداً على نفسه بأن يمد الباحثين عن الطرفة والغرابة بالكثير. ولعل أكثر ما اضحك وفجّر موجات من السخرية كان مقطعاً انتشر على موقع «يوتيوب» وأجهزة «بلاك بيري» كالنار في الهشيم يُسأل فيه القذافي باللغة الإنكليزية – خلال مقابلة صحافية - عن الوضع في بلاده، فيرد بابتسامة «بليدة» وسؤال عن السؤال، ينبئ عن عدم فهمه لما يقال. لكن كثيرين أيضاً يقاومون بشدة فيضان الضحك الحاصل. فما يحدث في رأيهم في ليبيا وما حصل قبلها في مصر وغيرهما يجعلهم يستنكرون إلقاء الطرف والنكات في مثل هذه الظروف «المؤلمة». لكن الشباب لا يتوقفون كثيراً عند هذه المواعظ، حتى بات، بمجرد أن يضحك أحدهم من حولك وهو ينظر إلى شاشة الكومبيوتر أو يطالع هاتفه المحمول، أول ما يخطر في بالك أن القذافي أطلق عبارة أو تصرفاً جديداً، أو أن نظرية «عبقرية» أخرى من نظريات «الكتاب الأخضر» وجدت طريقها إلى العلن. وربما كان مقطعاً جديداً لشاب يقلد الرئيس المنزوع الشرعية، علماً أن التقليد لم يقتصر على شباب ليبيين فقط، فهناك مصريون قلدوه «بتصرف»، وتونسيون، وحتى سعوديون. ويكاد لا يمر يوم من دون أن تصل إلى هاتف الشباب السعودي رسالة نصية واحدة على الأقل، تحمل نكتة أو مقطعاً مضحكاً، أو أغنية «مدبلجة» عن الظروف الاحتجاجية التي تشهدها دول عربية. ولعل القذافي نجح في منافسة شعب كامل في إثارة الضحك وهو الشعب المصري المعروف بروح الفكاهة والذي صدّر للعالم مئات النكات خلال ثورته استطاعت أن تتناسل لتصنع نكتاً أخرى تسقط على المجتمع والرياضة والفن، وغيرها من مجالات الحياة. وربما كانت الشرارة التي بدأت مسلسل النكات السعودية بإسقاطاتها، هي تلك التي أعقبت مغادرة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي والتي تقول: «خبر عاجل: الجوهر بديلاً من زين العابدين» كنوع من السخرية باتحاد كرة القدم الذي تعوّد استبدال مدرب المنتخب السعودي الأجنبي عند إخفاقه بمدرب الطوارئ السعودي ناصر الجوهر. واللافت أن الامر الذي لم يقتصر على متتبعي السياسة، فالجماهير الرياضية استلهمت بدورها الأحداث لإطلاق النكات على الأندية المنافسة. وسخر مشجعو نادي «الهلال» من منافسهم التقليدي نادي «النصر» الذي يعاني تعثراً في السنوات الأخيرة، بنكتة تقول إن الرئيس المتنحي حسني مبارك وخلال فترة حكم امتدت 30 عاماً رأى كل شيء، إلا فوز نادي النصر ببطولة. النكات كثيرة وفي تكاثر دائم، لدرجة أنها أقحمت من لم يعرف عنهم روح الفكاهة في خانة المتندرين، وربما كان المثل القائل «المال يجر المال» ينطبق أكثر على النكات في هذه الايام حتى باتت النكات تجر النكات.