سيُسجّل في الحياة الفنية الغنائية العربية، أن مطلع القرن الحادي والعشرين شهد أكبر شركة إنتاج في تاريخ العرب، فما قبلها شيء وما بعدها شيء آخر، هي «روتانا»، لكن سيسجّل أيضاً أن هناك بعض المغنين الذين بقوا خارج جنة تلك الشركة، كانوا «جبابرة» في الصمود أمام الظروف القاهرة، و «أبطالاً» في الحفاظ على وجودهم، مجرّد وجودهم، ببعض الأغاني والكليبات المتفرقة في مواجهة الغول الآكل. قد لا يكون بعض أولئك «الصامدين من فئة النجوم الذين يستطيعون أن يقودوا أعمالهم بإمكانات مادية عالية، بل أحياناً كانوا من الفئة التي كوّنت أسماء جيدة، وبقيت جيدة طويلاً، ولم تتراجع أو تنهزم أو تلتزم المنازل حتى بالإمكانات المالية العادية جداً التي ربما كان يبدو أن أصحابها يحاولون عبثاً، فما كان ذلك عبثاً، وإنما أثمرَ استمرارية جيدة، وها هم يطلون من جديد، وفي شكل أكبر نسبياً، ليقولوا إنهم «هنا» وأنهم حافظوا على ما بنوه بصبر شديد كان يضربه اليأس أحياناً، لكن من دون أي تردّد في المحاولة مرات ومرات... أحد هؤلاء الفنانين طوني كيوان... المغني والملحن والشاعر الذي اعتمد على نفسه، وعلى ما عنده هو من الكتابة والتلحين توفيراً لأثمانٍ قد تكون مرتفعة عليه ك «مقاتل» منفرد، وقد نجح في البقاء في الصورة ثم الانتقال حالياً إلى مرحلة أخرى هي «الاقتحام» على الصعيد الغنائي والإعلامي. لا شكّ في أن اعتماد كيوان على نفسه، في مرحلة ضجيج «روتانا» الإنتاجي والإعلاني. كان ثاقباً، لأنه كان أهون السبل بين أن «يستقيل» أمام غليان الساحة الفنية بزملائه الكثر، أو يحمّل نفسه مشقة مادية لا تُطاق. ومع أنّ هذا الاعتماد على النفس كتابة وتلحيناً وعناداً، والأهم إنتاجاً كليبياً، بدا وكأنه من «حلاوة الروح»، لكنه كان ضرورياً، ويدل على قدرة كيوان على مواجهة الواقع الصعب... فهناك عدد من أغانيه التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة، كان متشابهاً، أحياناً إلى حد كبير، وأحياناً إلى حدود متوسطة، وكان من نوع واحد هو «اللون البلدي»، الفولكلوري في الأغلب الأعم. عرف كيوان أن هذا اللون الغنائي كان مطلوباً لدى الجمهور، فركّز عليه، وحاول أن يجاري في حضوره حضور بعض زملائه المُغنّين في هذا اللون بالتحديد، وهو، حتى الآن، يلعب هذه المساحة بإصرار واجتهاد. قد يكون المطلوب في المرحلة المقبلة، أمر آخر، وطوني كيوان الذي يملك ذائقة فنية متميزة يعرف ان ما ينتظره ليس استمراراً للسنوات العشر التي مرت بل ما هو أبعد. ويستطيع بما يكتب ويلحّن هو أن يدخل المرحلة الجديدة التي عليه أن يرسم ملامحها ويحدد كيفيتها بنفسه، فمن «قاوم» طغيان «روتانا» أيام عزّها وسطوتها وانفلاشها وانفلاش نجومها على أرض العالم العربي وفضائه، يمكنه إدراك ما يريد... إذا أراد... وقد يكون طوني كيوان أحد أبرز الفنانين اللبنانيين الناشطين في حراك «نقابة الفنانين المحترفين» إذ لا تمرّ مناسبة خاصة أو عامة بهذه النقابة أو بمناسبات أخرى تُدعى إليها النقابة إلا ويكون طوني كيوان في عداد المشاركين فيها. وهذا ليس حراكاً عابراً عنده، عندما نعلم أن المغنين في لبنان، من النجوم «أنصاف الآلهة»، الى غيرهم من أنصاف النجوم، لا يأبهون لأي نشاط نقابي، وليسوا مستعدين للاستماع الى أي أمر من هذا القبيل، إما لاعتبار أنفسهم فوق «هذه التفاصيل» وإما لأنهم لا يفقهون فعلاً فيها! طوني كيوان نجم غنائي مُثابر، ينبغي أن يعلم من يستمع إلى أغانيه ويشاهد كليباته أنه يستمع ويشاهد شخصاً مُقاوماً...