على رغم مضي أيام عدة على انقضاء ملتقى القضاء والإعلام الأول، الذي نظّمته وزارة العدل، ورعته «الحياة» إعلامياً، إلا أن الملتقى كان ولا يزال حديث كتّاب الصحف، الذين يتطرقون يوماً بعد يوم إلى حساسية العلاقة بين رجال القضاء والإعلام، والتي تحولت إلى علاقة أفضل بفضل المتغيرات، التي طرأت على السلك العدلي أخيراً. كتّاب الصحف ورجال الإعلام الذين لم يكن يحملون في ذكرياتهم إلا أن علاقتهم ب«القضاة» كانت مجرد علاقة «ميتة» لا ترقى إلى أن تكون علاقة عادية، وكذلك القضاة الذين كانوا يحملون نظرة سلبية تجاه رجال الإعلام، تحوّلت هذه الأفكار إلى أوهام تبخرت بفضل ملتقى جمعهم تحت سقف واحد للتحاور والنقاش في كيف يجب أن تكون العلاقة بينهم. ولاقى ملتقى «القضاء والإعلام»، الذي نظمته وزارة العدل أخيراً، قبولاً كبيراً في أوساط الأكاديميين والمثقفين في المجتمع، كونه أول ملتقى علني يجمع بين رجال سلطة القضاء ورجال الإعلام، الذين ظلوا في عراك على استحياء طوال السنوات الماضية. ودارت أبرز مطالب القضاء في أن يكون هناك إعلاميون مختصون في الشأن القضائي، وأن يتم تدريبهم من جانب وزارة العدل على التعامل في الشأن القضائي، حتى إيضاح الصورة الكاملة، وصولاً إلى خدمة المجتمع، وكذلك احترام الإعلام لخصوصية ملفات القضاء والقضايا التي تدور في فلكها، ولم تصل إلى الحد النهائي، ودعوة وسائل الإعلام أيضاً إلى عدم التسرع في نشر القضايا الحساسة، التي قد تنقل في الخارج، وتستخدم في تشويه سمعة الدولة والقضاء. وكانت أهم مطالب الإعلاميين في الملتقى ترتكز على مفصل واحد وهو الحصول على المعلومة، والسرعة في الرد على استفسارات من يسأل، وأن يفرّق من يحمل المعلومة القضائية بين نشرها في وسائل الإعلام بشكل عام ومن يبحث عنها، معتبرين أن كثيراً ممن يشرفون على إدارات العلاقات العامة في أجهزة القضاء يبحثون عن تحسين سمعة أجهزتهم فقط. وكان رئيس التحرير المساعد لصحيفة «الحياة» في السعودية الزميل جميل الذيابي شارك بورقة عمل في الملتقى، وتحدث عن «تجربة المتحدث الرسمي في الأجهزة الحكومية مع وسائل الإعلام»، وأثنى فيها على اتخاذ خطوة لجمع القضاة مع رجال الإعلام، مؤكداً أن هذا الأمر مهم في تغيير النظرة السابقة لدى كثير من الإعلاميين. وأضاف: «ان الوضع الآن أصبح أفضل من السابق، كون الصحافيون كانت لديهم فكرة هي أن القضاة دوماً متجهمون، وأنهم أشخاص لا يرغبون في التواصل مع الإعلام، وأنهم أعداء للابتسامة، وكل ذلك تغيّر». وتابع الذيابي: «الآن أصبح القضاة ورجال الإعلام يجتمعون تحت سقف واحد، ويتبادلون الأفكار، وهو التفاهم الذي كان غير موجود في السابق نهائياً». من جهته، رأى رئيس تحرير صحيفة «اليوم» الزميل محمد الوعيل، أن علاقة القضاء بالإعلام مهمة، وأنه من غير القضاء تتوه العدالة في أي مجتمع، ويضيع الحق ويسود الظلم، ويتسيد القوي على الضعيف، ومن دون الإعلام يفقد المجتمع ضميره وعقله ووجدانه. وزاد: «من المعلوم أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية تجاه تعزيز هيبة القضاء، وتأكيد الاحترام الواجب إزاء أحكامه، حماية للمجتمع والفرد»، مشيراً إلى أن من أهم الأدوار الإعلامية هي تلك المسؤولية التي تتمثل في «تربية المجتمع» على تقديس القضاء، واعتبار أحكامه تنفيذاً للشريعة، وإشاعة لروح العدل بين الناس. إلى ذلك، قال الأمين العام لهيئة الصحافيين السعوديين رئيس تحرير مجلة «اليمامة» الدكتور عبدالله الجحلان: «إن العلاقة بين القضاء والإعلام هي أقل من المؤمل منها، خصوصاً أن الأول يعتبر منظومة حيوية لها علاقة بحياة الناس وحاجاتهم، والثاني مرآة للمجتمع، وترجمان لنبض الناس وما يدور حولهم». وتابع: «ما يمكن ذكره عن علاقة القضاء والإعلام هي أنها أقل من المؤمل منها، وكان بالإمكان أحسن مما هو كائن الآن، غير أنها الآن أصبحت تتحسن في الفترة الأخيرة». دراسة على 100 مقال صحافي وفي دراسة متخصصة تبحث علاقة القضاء بالإعلام، أجراها أستاذ السياسة الشرعية والعلاقات الدولية في المعهد العالي للقضاء بالرياض الدكتور مطر العتيبي، شملت 100 مقال صحافي، تحدثت عن القضايا القضائية، وأفضت إلى أن الإعلاميين لا يعرفون المسائل في التخصص القضائي، وأنهم لا يفرّقون بين الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية. وأضاف: «بعضهم ينادي بتقنين الأحكام وتدوينها، وأنه لا يوجد أي بلد في العالم إلا ولديه تدوين للأحكام، وهذا أمر غير دقيق، وإنما هناك دول يلجأ القضاة في أحكامهم إلى السوابق القضائية». معرباً عن احترامه للصحف، التي تستكتب المختصين من أكاديميين أو قضاة أو محامين عند مناقشة المسائل القضائية، فهي بذلك على حد وصفه تعزّز التخصص، وتقدم نقداً موضوعياً يناقش بشكل علمي.