نحن الآن في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، تحديداً في عام 2017. فهل يذكّرنا هذا التاريخ بشيء محدد؟ بالتأكيد، ففي هذا الشهر بالذات من عام 1917 يكون قرن بأكمله مرّ على اندلاع واحدة من أكبر الثورات في التاريخ وانتصارها: الثورة الروسية، أو في شكل أكثر دقة، الثورة البولشفية في روسيا. ففي مثل هذه الأيام، قبل مئة عام بالتمام والكمال، تمكن لينين وتروتسكي ورفاقهما من «عمال» و «فلاحين»، من الاستيلاء على السلطة مغيّرين روسيا وملحقاتها، ولكن أيضاً، مبدّلين من أحوال العالم كله، على الأقل طوال ما يقرب من ثلاثة أرباع القرن. صحيح أن السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه اليوم هو السؤال البدهي: أين صارت تلك الثورة ولماذا لم تعمّر لتحتفل هي ذاتها بذكراها المئوية؟ غير أن هذا قد لا يبدو اليوم فائق الأهمية. المهم أن العالم يحتفل اليوم بما حدث حول قصر الشتاء ذات يوم من تشرين الأول 1917. العالم؟ ربما المتاحف والصحافة وأصحاب الحنين في هذا العالم، أكثر من أي طرف آخر. ولعل في مقدورنا القول أن فرنسا، تحديداً صحافتها ومطبوعاتها، تبدو الأكثر انشغالاً بالمناسبة. ومنذ وقت مبكر. فطوال الأسابيع الفائتة، من صحيفة «لوموند» العريقة في ليبراليتها اليسارية، إلى مجلة «الإكسبرس» المزدهية بليبراليتها اليمينية، مروراً بكل ما هب ودب من مطبوعات، كلّها أصدرت وتصدر أعداداً خاصة بالذكرى، أعداداً تحمل في مجموعها عشرات وربما مئات المقالات والدراسات التي تستعيد ذكرى ما حدث وتصدر الأحكام والفتاوى موزعة اللوم على هذا أو ذاك من الأطراف... بعضها يبدو غرق وأغرق الحدث في متاحف التاريخ وقد قضي الأمر بالنسبة إليه، وبعضها يبدو كأن «الحدث» لا يزال ماثلاً أمامه فيوزّع اتهاماته ولومه ولؤمه، فيما يفضّل آخرون أن يقفوا محايدين. أما الملفت فهو استدعاء المطبوعات الرئيسية كبار المؤرخين والخبراء في الشؤون الروسية والسوفياتية، وكذلك الستالينية، كي يدلي كل منهم بدلوه تحليلاً وتأريخاً ونقداً، وربما في بعض الأحيان عبر نوع من الزعم أن ثمة أسراراً جديدة يمكن كشفها حول ما حدث! فهل ثمة حقاً مثل هذه الأسرار؟ في الحقيقة، إن استعراضاً لما سُجّل من مدوّنات يمكّن من القول أن ما من جديد تحت الشمس. كل ما كتب معروف وبات معتمداً. من هنا، مثلاً، فضّلت مطبوعة «كورييه أنترناسيونال» أن تفرد عدداً خاصاً للمناسبة تعطي فيه الكلمة للروس أنفسهم، يستعيدون فيه ماضيهم ويستطلعون حاضرهم في ضوئه، وذلك تحت شعار كُتب على الغلاف إلى جانب صورة تدمج بين لينين وبوتين: «بعد مئة عام، لا يزال هذا البلد يتساجل حول ماضيه...». ولعل المقال الأكثر طرافة ودلالة في العدد المترجم بأكمله عن الروسية، هو ذاك الذي كتبه الباحث اليساري بوريس كاغارلتسكي وحلّل فيه الأسباب الراهنة التي تجعل جميع استطلاعات الرأي التي تُجرى في روسيا منذ سنوات، تعطي المكانة الأولى بين المستطلَعين لستالين الذي يبدو بهذه النتيجة كأنه «الجثة الوحيدة» من جثث أصحاب الثورة البولشفية - السوفياتية التي لم تدفن بعد، ويبدو أن زمناً طويلاً سيمضي قبل أن تُدفن، كما يفيدنا كاغارلتسكي... هذا إن اعترف الشعب الروسي يوماً بأن ستالين تحوّل بالفعل جثة وقرّر أن يدفنه. والكاتب يقول لنا على أي حال أن الشعب لن يفعل ذلك عما قريب!