الأخطار التي تحدق بثورة 25 يناير، تتوزع في اتجاهات عدة، وتقف على أكتاف أطراف محددة. نعم أعين المصريين مفتوحة على من يدير «الثورة المضادة» من فلول النظام البائد وبقايا جهاز «أمن الدولة» وبعض رجال الأعمال وكبار الموظفين البيروقراطيين ووجهاء الريف الذين إما أن مصالحهم تضررت من الثورة أو يخشون حدوث هذا، لكن غالبية العيون غافلة عن جهات أخرى في اللعبة يمكن أن يكون تأثيرها أشد وطأة من عناصر الحزب الوطني الذي يموت تباعا أو المنتفعين من النظام القديم، الذين إما أنهم قفزوا كالفئران من السفينة وهي مشرفة على الغرق وإما أنهم تحولوا ساعين إلى التماهي في الحالة السياسية الجديدة في نفاق رخيص مستعدين أن يخدموا السادة الجدد كما خدموا السادة الذين رحلت عنهم سلطتهم. من دون إسهاب ممل ولا إيجاز مخل أقول بصراحة إن هذه الأطراف التي تشكل خطرا على الثورة بعضها ماثل أمامنا وبعضها خفي يحتاج منا إلى إمعان النظر وإعمال العقل كي نكتشفه. والماثل أمامنا هم أصحاب المطالب الفئوية، الذين تحرك غالبيتهم الكاسحة، انتهازية ممقوتة، وكذلك مثيرو الفتنة الطائفية التي يتم استعمالها خنجراً مسموماً لطعن الثورة في مقتل، ورؤساء تحرير الصحف القومية ومقدمو البرامج التلفزيونية الموالون لنظام مبارك. أما الأطراف الخفية فهي الولاياتالمتحدة والهواجس حيال نوايا الجيش وبعض تصرفات قطاع من شباب الثورة، وسلوكيات مجموعات شاركت في الثورة، وكذلك أداء الحكومة في اللحظة الراهنة. فواشنطن دخلت على خط الثورة منذ اللحظة الأولى، منحازة إلى النظام الحاكم في البداية، ثم تخلت عنه تدريجاً حتى رفعت الغطاء في منتصف الطريق، وعزلت مبارك سياسياً وراحت تتواصل مع قادة الجيش، مدفوعة بالحفاظ على مصالحها المتمثلة في ضمان سلامة الملاحة بقناة السويس وعدم النيل من أمن إسرائيل واستمرار الاستقرار في الدول القريبة من منابع النفط بالخليج. ولا أعتقد أن الأميركيين يهتمون بتحرر مصر من الاستبداد وحيازتها نظاماً ديموقراطياً عصرياً على غرار النظم الحاكمة في الغرب بقدر ما يهمها تحقيق مصالحها. وقد تدفع الولاياتالمتحدة حيال «الاستقرار» أكثر من دفعها في طريق إنجاز نظام حكم رشيد، ولذا قد تغذي أطرافاً وتشجعها على الإمساك بزمام الأمور وعدم الاستجابة لمطالب الثورة. أما الجيش فإن الإرباك قد يدفعه إلى اتخاذ إجراءات تجور على مطالب الثوار، لا سيما إن شجعه «كهنة الدولة» من الشخصيات السياسية القديمة الباحثة عن منافع أو حثته جماهير غفيرة لينهي أي فوضى أو تسيب قد يحدث مستقبلاً، أو ظهر بين صفوفه من تغريه السلطة. وبعض شباب الثورة يفعل، ربما من دون قصد، ما يؤثر سلباً في ثورتنا المجيدة، سواء من خلال استمرائهم مسألة استدعاء المجلس العسكري لهم للتحاور معهم أو بالأحرى الاستماع إليهم وتجنيب رموز أخرى من المجتمع شاركت في صناعة هذه الثورة الشعبية، أو من خلال استفزاز البعض منهم للرأي العام حين يتحدثون إلى الإعلام، حسبما توالت شكاوى في تعليقات على الإنترنت. وهذه التصرفات يستغلها أعداء الثورة في إيجاد اتجاهات مضادة لها. وتسارع بعض القوى التي شاركت في صناعة المشهد الراهن، لا سيما الإخوان والأقباط، إلى جني غنائم ذاتية صغيرة قبل وصول الثورة إلى محطتها الأخيرة. وبالنسبة للحكومة فإنها قد تقع في خطأ الاستجابة ل»ثورة التطلعات المتصاعدة» التي تقوم بها قطاعات عريضة من الشعب، من دون أن تكون هذه الاستجابة مبنية على دراسات دقيقة عن قدرة الدولة على تعبئة مواردها ومدى استيعاب الجهاز البيروقراطي في الوقت الحالي لوظائف جديدة. فحاجات الناس لا نهاية لها والتركة التي خلفها مبارك وراءه ثقيلة وإمكانات الدولة في وقتنا الحالي محدودة. ولا يجب على الحكومة أن تتصرف بطريقة تشعر المواطنين كأن الثورة عصارة ما إن تضع أعواد القصب بين أنياب تروسها حتى ينسكب الشراب الحلو في كأسك، إنما عليها أن تبني مساراً للتنمية يعود بالنفع الحقيقي على الناس مستقبلاً. ومع كل ذلك فبوسعنا أن نجهز على تلك الهواجس، ويمكننا أن ننهي كل هذه المخاطر ونقتلها في مهدها إن حافظنا على مبادئ الثورة حاضرة في ضمائرنا، وكان لدينا استعداد دائم للدفاع عنها ورعايتها. * كاتب مصري