بقلوب خافقة وفرحة غامرة وفوضى عارمة، استقبل فلسطينيو قطاع غزة رئيس حكومة التوافق الوطني الفلسطينية رامي الحمد الله والوفد المرافق في الجانب الذي تسيطر عليه حركة «حماس»، من معبر بيت حانون «إيرز» بعد ظهر أمس (للمزيد). ترجل الحمد الله من سيارته لاستعراض حرس الشرف عند المعبر، في مشهد مصغر جداً يعيد إلى الأذهان الاستقبال الحاشد غير المسبوق للرئيس السابق ياسر عرفات لدى عودته عام 2000 من منتجع كامب ديفيد بعدما رفض توقيع اتفاق «مصالحة تاريخية» مع إسرائيل، التي قتلته مسموماً على ما يُرجح، بعدها بأربع سنوات. عرفات كان حاضراً دوماً في قطاع غزة، الذي دخله للمرة الأولى عام 1994، على ألسنة الغزيين: «لو كان موجوداً لما وقع الانقسام أصلاً». غابت صورة عرفات عن المشهد أمس وحضرت صور الحمد الله وعباس ومدير الاستخبارات العامة ماجد فرج والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي أصبح «حليفاً» لحركة «حماس». لافتات كبيرة جداً حملت صور السيسي و «تحيا مصر»، وحلّت صورة «الرئيس» عباس بدلاً من صورة «عباس السارق». فرحة عارمة غمرت قلوب مليوني غزي لطالما تطلعوا إلى إنهاء الانقسام الذي عانوا من تبعاته نحو عشر سنوات، ذاقوا خلالها الأمرّين من حركتي «فتح» و «حماس»، المتصارعتين على الحكم والسلطة تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتحقق الحلم بأن تصبح دولة مستقلة. آلاف الغزيين توجهوا منذ الصباح إلى معبر بيت حانون، يحدوهم الأمل بانتهاء حقبة الانقسام، وبدء مرحلة المصالحة، وإعادة بناء ما دمره الاحتلال الإسرائيلي والانقسام خلال سنوات عشر «عجاف»، فيما خرج آلاف آخرون من سكان حي الشجاعية لاستقبال الحمد الله والوفد المرافق في طريقهم إلى منزل عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» أحمد حلس. سكان حي الشجاعية، المكتظ بنحو مئة ألف مواطن يقطنون بيوتاً صغيرة متراصّة كأحجار الدومينو، يتعطّشون إلى مصالحة فلسطينية تُعيد بناء آلاف المنازل والبنى التحتية المدمرة خلال حروب ثلاث شنتها إسرائيل، على القطاع عقب الانقسام، آخرها عام 2014. شعر سكان الحي بأن زيارة الحمد الله ورئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية ورئيس الحركة في القطاع يحيى السنوار، منزلَ «كبير» العائلة القيادي الفتحاوي حتى قبل توجههم إلى مقر مجلس الوزراء، قد أعادت اليهم اعتبارهم وعزتهم وثقتهم بأنفسهم، خصوصاً بعدما قتلت «حماس» عدداً من أبناء العائلة عقب الانقسام الكارثي. ومع التوصل إلى اتفاق لإنهاء الانقسام الأخير في القاهرة وانطلاق قطار المصالحة، عادت ابتسامة غابت سنوات إلى وجوه الغزيين، كما عاد الأمل الذي فُقد بعد فشل طرفَي الانقسام بإنهائه أو تطبيق عدد من الاتفاقات السابقة. وقال أحد رجال شرطة «حماس» الذين انتشر آلاف منهم في الشوارع لتأمين الزيارة، ل «الحياة»، إن لديه أملاً كبيراً بأن تكون هذه المرة مختلفة عن سابقاتها. ومع هذه المشاعر والأمل الكبير، حرص الحمد الله على طمأنة الغزيين ورفع سقف الأمل والتوقعات لديهم. جاء ذلك على صيغة «تعهد» خلال مؤتمره الصحافي لدى وصوله القطاع أمس، بحل المشكلات وإعادة البناء وتأسيس فرص عمل للشباب والعاطلين من العمل البالغ عددهم نحو نصف مليون.