تتناقل مواقع التواصل الاجتماعي الإلكتروني تعليقات ساخرة ونكاتاً كثيرة، تتواكب مع الثورات الشعبية العربية في كل بلد عربي. فمثلاً بعد فرار زين العابدين بن علي إلى جدة، وتنحي حسني مبارك، وقبل بدء ثورة الشباب الليبي ضد نظام معمر القذافي، تردد أن القذافي كان يفكر في إلغاء يوم الجمعة من الأسبوع، كخطوة استباقية للحيلولة دون انتقال الثورة إلى ليبيا، كما أنه فكر في دعوة جامعة الدول العربية إلى عقد قمة طارئة للنظر في كيفية التعامل مع يوم الجمعة، الذي بات يهدّد كراسي الحكام العرب. لكن الشباب الليبي استبق نيات القذافي وثار ضده، وأسقط ما ورد من مفاهيم «مهلوسة» في «الكتاب الأخضر». انتقلت الثورة الشعبية بعد تونس ومصر إلى ليبيا، التي تشهد بعض مدنها وشوارعها معارك طاحنة بين قوات القذافي والثوار، ويسقط فيها عشرات القتلى يومياً، في ظل بطء القرار الدولي، وتفاوت مواقف الدول، حتى العربية منها، إلا أنه على رغم تأخر قرار الجامعة العربية في دعوة الأممالمتحدة الى فرض حظر الطيران في الأجواء الليبية، يسجّل هذا الموقف في تاريخ الجامعة، إذ إنها المرة الأولى التي تقف فيها الجامعة مع شعب عربي ضد نظام حاكم، وربما يعود ذلك إلى تأثر الساسة باحتقان الشارع العربي، وما سبقه من سقوط حكّام، وما تشهده المنطقة من ثورات شعبية تتنقل بين عواصم عربية منذ مطلع العام الحالي. أصبح يوم الجمعة يوماً مجيداً وخالداً في تاريخ الثورات العربية الحديثة، وأصبح يوماً له هيبة في النفوس، إضافة إلى مكانته في قلوب المسلمين. وتحوّل من يوم للإجازة والعبادة والاسترخاء من العناء الأسبوعي إلى يوم لتجمع الجماهير، وتحرك الجموع وتوحد الأهداف والمطالب، لتهتف الحناجر سوياً «الشعب يريد تغيير النظام». الرئيس التونسي زين العابدين بن علي هرب في ليلة جمعة، والرئيس المصري حسني مبارك خُلع على خلفية جمعة «الخلاص»، التي أعقبت جمعة «الغضب، والرئيس اليمني يعاني أسبوعياً من أيام الجمعة، إذ شهدت المدن اليمنية جمعة «الانطلاق» وجمعة «اللاعودة»، كما تعاني الحكومة البحرينية من جمعة «التغيير»، والرئيس الجزائري بوتفليقة يرقب كل يوم جمعة، ويتخوف من مفاجآت الشارع، ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يؤكد للعراقيين حقهم في حرية التعبير، شريطة عدم التظاهر يوم الجمعة، حتى لا يستغل الموقف المندسون، فيما يخشى الأردن من هتافات ومسيرات المتظاهرين، التي تتزايد من جمعة إلى جمعة، وسلطنة عُمان أيضاً لم تنجُ من جمعة الغضب الشعبي، بل مرت عليها اضطرابات في بعض المناطق. كما دخلت عواصم عربية جديدة على خط الدعوات للتظاهر في يوم الجمعة، إذ شهدت الكويت تظاهرات لل «بدون» انحسرت سريعاً، فيما استعدت السعودية الجمعة الماضية لما سمي ب «ثورة حنين»، إلا أن الشعب أفشلها برفض الخروج، معلناً التمسك بقيادته ووحدته وأمنه واستقراره. بات يوم الجمعة يعرف ب «يوم الغضب»، وأصبح شاهداً حياً على سقوط وهروب وهلوسة حكام عرب من قوة القبضة الشعبية، ما دعا آخرين إلى تقديم تنازلات كان يصعب على الحاكم التنازل عنها، والإنصات لمطالب المتظاهرين، والاهتمام بفئة الشباب ومطالبهم الوطنية. في العقود الماضية، كان الشعب يخشى من سطوة الحاكم وجبروت العسكر، أما اليوم، فإن الحاكم يخشى من صوت الشعب وإصراره على مطالبه، تسانده في ذلك وسائل الإعلام الجديدة، وهنا تذكّرت نكتة عراقية تُروى عن صدام حسين، الذي حكم العراق بالبارود والقيد والحديد، إذ جمع صدام في يوم ما وزراءه وقال لهم: اكتشفت مؤامرة انقلابية ضدي يقودها أحد الجالسين ويبدأ اسمه بحرف الطاء، وكان من بين الحضور طارق عزيز وطه ياسين رمضان وطه محيي، لكنهم ظلوا صامتين لا يهتزون، بينما ارتعد أحد الجالسين ممن لا يبدأ اسمه بحرف الطاء، فسأله صدام: لماذا ترتعد واسمك لا يبدأ بحرف الطاء؟ فرد هذا الرجل: ولماذا لا أخاف سيدي... وأنت تناديني «طرطور»؟ ثورات الشباب العربي بريئة من المؤامرات الأجنبية، التي يحاول البعض تلبيسها لها، وإنما الأمر يستدعي من الحكومات فهم تلك المطالب الشبابية بشكل دائم لا طارئ، والاستماع إلى صوت الشعب. وينبغي على الحكومات الاستمرار في إطلاق مبادرات إيجابية جدية تسهم في تحقيق إصلاحات سياسية تعزّز مبادئ العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية، وتحفظ للمواطنين كرامتهم وحريتهم وأمنهم ومصالحهم قبل المصالح الحكومية الضيقة.