ما كادت نشوة الانتصار في الانتخابات النيابية الألمانية تصل إلى رأس قادة «حزب البديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، حتى تلقّى هؤلاء صفعة قوية من رئيسة الحزب فراوكه بيتري التي أعلنت في مؤتمر صحافي أمس، انشقاقها عن كتلة الحزب النيابية المنتخبة. وقالت بيتري إنها اتخذت هذه الخطوة لأنها «ترفض بشدة السياسة العنصرية والشعبوية» التي اتبعها قادة في الحزب خلال الحملة الانتخابية. وعلى الأثر أعلن أربعة نواب في برلمان ولاية مكلنبورغ فوربومرن انفصالهم ايضاً عن كتلة حزب «البديل» النيابية لأسباب مماثلة وتشكيل كتلة جديدة لهم. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل في مؤتمر صحافي عقدته أمس عقب مشاورات مع قادة حزبها «المسيحي الديموقراطي» في برلين «إن من المهم للغاية أن يكون لألمانيا حكومة مستقرة في المستقبل أيضاً». وذكرت أنها ستجري مشاورات مع «الحزب الديموقراطي الحر» (الليبيرالي) و «حزب الخضر»، وأيضاً مع «الحزب الاشتراكي الديموقراطي». لكن رئيسه مارتين شولتز عقّب على ذلك لاحقاً بالتأكيد على أن حزبه سيختار المعارضة. وقال إن هزيمة حزبه هي هزيمته أيضاً، لكنه سيبقى مع ذلك في منصب القيادة. وأصيب قادة حزب»البديل» بوجوم وصدمة من التطورات السلبية التي لم يكونوا يتوقعونها بعد نشوة الانتصار، وتنادوا إلى وقف أي تدهور جديد داخل الحزب. وخرجت تظاهرات عفوية ليل إعلان النتائج أول من أمس في أربع مدن ألمانية بينها برلين وكولونيا، وسار المتظاهرون إلى مقرات حزب البديل للتنديد به وسط احتياطات أمنية للشرطة. وانسحبت بيتري التي اعتبرت فترة طويلة أشهر وجه في حزب «البديل»، من المؤتمر الصحافي بحدة أمس، قائلة: «قررت أن لا أكون جزءاً من مجموعة البديل من أجل ألمانيا في البرلمان الألماني لكنني سأكون مبدئياً عضواً منفرداً فيه». وأضافت: «أعتقد أن علينا أن نقر بصراحة اليوم بوجود خلاف على المضمون في حزب البديل من أجل ألمانيا وأعتقد أن علينا ألا نسكت عن ذلك لأن المجتمع يدعو الى حوار مفتوح». وبعد أن رفضت الإجابة عما إذا كانت ستبقى الزعيمة المشاركة للحزب ذكرت أن الرأي العام «سيسمع أخباراً منها في الأيام المقبلة». ونفى قادة الحزب معرفة سبب انسحابها من المؤتمر. وكانت بيتري فجّرت مفاجئة في نيسان (أبريل) الماضي، عندما أعلنت إنها لن تقود حزبها في الحملة الانتخابية بعدما اختلفت مع أعضاء بارزين في «البديل» بسبب دفاعها عن تبني نهج أكثر اعتدالاً. وذكر مراقبون أنه على رغم فوز المستشارة مركل وتحالفها «المسيحي» بغالبية الأصوات، فإنه بقي «فوزاً بطعم مرّ»، بخاصة بعد إعلان حليفها «الاشتراكي الديموقراطي» عزمه على الانتقال إلى المعارضة، واضعاً إياها أمام خيار تحالف ثلاثي غير سهل مع الحزب الليبرالي و «حزب الخضر»، ما ينذر بمفاوضات شاقة بفعل اختلافات كبيرة في مواقف الأحزاب الثلاثة حول قضايا جوهرية تتعلق بالبيئة والتربية والعمل. وتواصلت ردود الفعل الأوروبية والدولية على نتائج الانتخابات فتراوحت بين مهنئ للمستشارة مركل ومحذّر من الاختراق التاريخي للندوة البرلمانية الذي حقّقه حزب يميني شعبوي يدخل البرلمان لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. وذكر خبراء الانتخابات ليل أمس أن أكثر من مليون صوت انتقل من جانب التحالف المسيحي إلى حزب «البديل» الذي قضم أكثر من 500 ألف صوت من الحزب الاشتراكي وأكثر من 400 ألف صوت من حزب اليسار. وحصد حزب «البديل» غالبية الأصوات في ولاية سكسونيا (وعاصمتها دريسدن التي اشتهرت بتظاهرات معادية للاجئين والمسلمين) ليصبح أكبر قوة سياسية في الولاية اليمينية الاتجاه بعد أن حصل على 27 في المئة من الأصوات، متقدماً بفارق بسيط على تحالف مركل المسيحي. وأعرب ممثلو تنظيمات مسيحية وإسلامية ويهودية في ألمانيا أمس، عن قلقهم من الاختراق الذي حققه حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني الشعبوي. وقال توماس شتينرنبيرغ رئيس اللجنة المركزية للألمان الكاثوليك إن على المرء ملاحظة أن 87 في المئة من الألمان لم يصوتوا لحزب «البديل». وسيضم المجلس النيابي المقبل عدداً قياسياً من النواب يبلغ 709 بعد دخول حزب سادس إليه في مقابل 630 نائباً في المجلس الحالي. وسيتمثل التحالف «المسيحي» ب 246 مقعداً، يتبعه «الاشتراكي» ب 153 مقعداً، وحزب «البديل» ب 94 مقعداً، والحزب الليبرالي ب 80 مقعداً، وحزب اليسار ب 69 مقعداً، و»حزب الخضر» ب 67 مقعداً. أنقرة تتعهد رداً بالمثل على أي تقارب من برلين قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في مقابلة تلفزيونية أمس إن تركيا «ستتخذ خطوتين تجاه تطبيع العلاقات مع ألمانيا إذا اتخذت الأخيرة خطوة». وكانت العلاقات توترت بين البلدين في الآونة الأخيرة. وكان جاويش أوغلو يتحدث بعد فوز المستشارة الألمانية أنغيلا مركل بفترة ولاية رابعة بعد الانتخابات التي أجريت أمس. وقال ل «قناة خبر» رداً على سؤال عن العلاقات بين البلدين: «يجب أن تتعلم ألمانيا من أخطائها».