أطاحت ارتدادات الثورة المصرية عدداً كبيراً من برامج التلفزيون، سواء في تلفزيون الدولة أو الفضائيات الخاصة لأسباب متفاوتة، منها ما يرتبط بضرورات المرحلة الجديدة، وما تتطلبه من مواضيع هادفة تقترب من المواطن البسيط ولا ترتبط مثلما كانت الحال بعلاقات الوساطة والمحسوبية وما يتبعها من إهدار المال العام وغيرها، أو ما يتعلق بالمشاكل الإعلانية والتسويقية. وكان لبرامج التلفزيون المصري النصيب الأكبر من قرارات الإلغاء ل«ضعفها وعدم ملاءمتها مرحلة ما بعد الثورة التي تستلزم وجود برامج جادة وهادفة تخاطب فئات الشعب»، خصوصاً أنها كانت فشلت في تحقيق أي علاقة مع الجمهور أو أي عائد تجاري. وجاء في مقدمة اللائحة عشرات البرامج التي كانت تقدم على شاشة قنوات «النيل» الخاصة، ومنها «استديو مصر» و«نجم اليوم» (قناة «نايل سينما») و«شوشرة» و«حكايتك إيه» و«على ورق» و«السؤال الصعب» («نايل لايف») و«الكورة اليوم» الذي كان يقدمه كريم حسن شحاتة و«صفحة الرياضة» و«بيت الكورة» لياسر أيوب و«دائرة الضوء» لإبراهيم حجازي على قناة «نايل سبورت». وتكرر الأمر ذاته مع غالبية برامج «نايل كوميدي» و«النيل الثقافية». كما أوقفت البرامج التي حرصت غالبية رؤساء القطاعات والقنوات على تقديمها خلال السنوات الماضية في ما يشبه الموضة، والتي كانت تلتهم موازنات كبيرة تذهب الى أجور هؤلاء المقدمين أو المعدّين، وغيرها، ومنها «ملف خاص» لرئيس قطاع الأخبار عبد اللطيف المناوي، والذي كان خصصه للدفاع عن النظام السابق لسنوات طويلة، واستخدمه كثيراً لتبرير سياسات الحكومة و«تلميع» صورة جمال مبارك ورجال الأعمال من أعضاء الحزب الوطني الذي كان يحكم. وهناك أيضاً «القصر» لشافكي المنيري و«اسمع كلامك» لدينا رامز و«خاص جداً» لعزة مصطفى و«سواريه» وسواها من البرامج التي كانت تتشابه إلى حد كبير في مضامينها وشكلها، إذ كانت تعتمد على استضافة عدد من المشاهير، غالبيتهم من الفنانين، لإجراء حوار نمطي ومكرر. وتسببت هذه الإلغاءات في وأد أي فكرة لتقديم حلقات جديدة من برامج أخرى قدمت في الفترة الماضية، ومنها «فيش وتشبيه» للميس الحديدي، و «الجريئة» لإيناس الدغيدي و «100 مسا» لميس حمدان، و«مذيعة من جهة أمنية « لهبة الأباصيري. كما أوقف عدد من البرامج التي كان يقدمها عدد من الصحافيين، ومنها «حالة حوار» للدكتور عمرو عبد السميع، و«وراء الأحداث» للدكتور عبد المنعم سعيد. وفي موازاة ذلك، توقف برنامج «48 ساعة» الذي كان يقدمه سيّد علي وهناء سمري على شاشة قناة «المحور»، والذي تحول إلى برنامج يومي طوال أيام الثورة. وعلى رغم ما تردد حول أن سبب التوقف يعود لتغيرات في الديكور، أكدت مصادر داخل القناة وجود خلافات بين مقدمي البرنامج الذين وضعا ضمن قوائم سود ساندت النظام السابق، وهو ما تجلى في الحلقة التي استضافا فيها فتاة - اكتشف لاحقاً أنها صحافية - ادعت زوراً أنها تلقت تدريبات مع عدد من الثوار في الولاياتالمتحدة مقابل مبالغ مالية كبيرة. في المقابل اضطر نضوب دخل القنوات من الإعلانات وحملاتها إلى تجميد نشاط عدد كبير من برامج الهواء، كما حدث على قناتي «دريم» اللتين دمجتا موقتاً في قناة واحدة، وهو ما تكرر مع قناتي «أون تي في» و«مودرن سبورت» فألغيتا الكثير من برامجهما، ومنها «كورة أون لاين» و«أبيض وأسود» و«ستاد بلدنا» و«لطشات» و«صالون المستكاوي» و«كورة عربية وعالمية». واللافت أن الإعلام المصري لم يملك طوال الأعوام الماضية مفاتيح المنافسة، إذ وسم بالروتين والبيروقراطية والقيود التي تكبله، وظل الجمهور متلقياً ما يملي عليه من أخبار وبرامج تفيد الحاكم وحكومته، لا المحكوم الذي اضطر إلى الهروب نحو الفضائيات العربية، وعلى رأسها «الجزيرة» و«العربية» و«الحرة» و«بي بي سي»، و«سي أن أن» وسواها. ويبقى السؤال : هل ستشهد الفترة المقبلة، خصوصاً مع تحويل «ماسبيرو» إلى هيئة مستقلة للبث المرئي والمسموع، شاشة يمكنها أن تعبر عن واقع المواطن الفعلي ومشاكله بعيداً من التزييف والمزايدة؟